احتفاء بالكاتبة المغربية هند الصنعاني المغربي حسب بيريش يهديها بورتريها
كاتبة تنَازِل فُلُول التَّبْخِيس في حَلْبَة الإِنْصاف !
(1)
إني في حضرة امرأة ذات لمعان، معتدة بذاتها، جامحة الحرية؛ لا يمكن ترويض جناحيها حين تشرع في التحليق أينما شاء لها إقدامها الجسور.
هذه امْرَأَة، قُلْها بالفم الملآن، تصقل النزعات الأبرز والأرحب في شخصيتها الفَيَّاضة، الأَمَّارَة بأَوْكَد أواصر التَّحَرُّر الفكري؛ وأوْثَق الصِّلَات بكُنْه الذَّات ، اتحاد مؤتلف، متجانس، من الشيم خَوَّلَ ليراعها براعة الأسر المُتَعمَّد لحواس أيَّما قضية تناقشها؛ وتنْمِيها بجزيل ما تعترم به رؤاها من طرح موضوعي؛ وذكاء في التناول. “بكاء المرأة عار الرجل، وانكسارها فشل له، وآلامها تشكيك في رجولته” !
(2)
“أحارب من أجل الحياة، ولا أتمنى أن ألَقَّبَ إلا ب “امْرَأَة”…”. دون لفّ ودوران، تقبض على عنق الباطل، وتصيح: هنا تكمن أسباب اغتيال الحق. بلا مُقَدِّمَة طللية، تلج صلب موضوعها من أقرب أبوابه، تدق مسمار العدالة في نعش الظلم، وتجهر بموقفها: لا يمكن للحيف أن يُعَمِّر !
يجب إعْلاَءُ كلمة “امْرَأَة” ، ملء اختلاف جرأتها، ومأهولة بتوكيد صراحتها، تنازل فلول تَبْخِيس في حَلْبَة إنصاف؛ اِسْتِيفاؤُهُ حَقّ نساء مُكَبَّلات بقيد العرف السَّافح لوقار العدالة ! “الأمهات العازبات… الحبُّ الذي ينتهي بلعنة” !
(3)
“لو كان اسم المرأة عورة لكانت أسامي زوجات رسولنا الكريم وبناته مجهولة بالنسبة لنا…”.
إنَّ الكاتبة هند الصنعاني، هذه الشجرة المغربية الوارفة الظِّل في أرض الكِنانة، مَدْعاةٌ إلى الاِنْشَحَان بالذي يُؤلم؛ لأنه الذي يُلهم ، نَأت بنفسها، المُكسِّرة لِكُلِّ عِقَال، عن سياق الحشود؛ باعتبارها ذاتا فردانية؛ وكينونة نَاجِزَة.
إذا قيّض لك أن تقرأ لهند، في عموم خصوصيتها، تجد لديها ميولا ونزعات لا تمُتّان إلى الاستكانة بِصلَة. إن هذه المبدعة ترشح بعزيمة لا تتوقف عن دحض الاضطهاد؛ وتفنيد مقولاته الوهمية ، من هنا تُبقِيني هند راغبا في كثير المزيد؛ وترِنُّ في ذاكرة القارىء عبر كثافة نادرة.
(4)
“كمجتمع عربي، لازلنا نعتبر أَنَّ الانْتِسابَ إلى الجنس الأنثوي هو مصدر مهانة للمرأة نفسها…”.
لدى هند خاصية ماكرة تلهب فيك مشاعر تعاطف قوي، حين ترْبِكُ المتلقي بمزيج ٱسر من الرؤى، يوحي بعمق، يشي بأفق مترامي الوعي؛ ويضعك إزاء تغيير مفاجيء للإتِّجَاه.
إنها تنطلق من فكرة عادية، لفرط الاستعمال، فتخلخل ما في أرجائها من حَيْف التَّعْمِيم، وتصَفيها من شَوائِب الوَأْد، قبل أن تنجلي فيها؛ وبها.
“عندما نريد أن ننال من كرامة الرجل والتقليل من فحولته، ننعته ب “امرأة”، فتنطلق هذه السُبّة التي لا تُغتفر كرصاصة قاتلة في قلب الرجل” !
(5)
“الرجل العربي يتمنى امرأة قوية قادرة على تحمل مصاعب الحياة، لكنه يرفض قوة شخصيتها، ويمنعها من فرض رأيها في المناقشات، ويرفض استقلالها، محاولا كسرها، لتظل دائما تحت جناحيه” !
توكيد قناعة أنوثتها لا يتم، عندها، من خلال مهادنة السلوك النزوي للرجال مع النساء، بل عبر اختراق حُجُب هذه الرؤية، ثُمَّ تفكيك مرجعياتها، ونصب أشراك لها؛ حَتَّى تتراءى لنا كما ولدها الوهم المبين.
اخْطُ نحو وعيها الكاتب، وصوب الكوابح التي تضعها إزاء ما ترصده من مظاهر التمييز الجنسي. تَفَرَّس جَيِّدًا في عباراتها، التي تَتبَخَّر، تحت حرارتها؛ جميع التُّرَّهاتُ. “تشبيه النساء بالرجال منتهى العنصرية، ونوع من أنواع العنف ضد المرأة، فهو إقرار بأفضلية الرجال، واستخفاف وازدراء واحتقار للمرأة ودورها الفعال في المجتمع”.
(6)
“عفوا، نحن لسنا ملائكة، نحن لسنا مباحين للمرضى النفسيين” !
في مواجهة الاستخدام الذكوري للغة، الذي يعمد إلى تقْزيم المعنى المرتبط بالصَّوْغ اللغوي الأنثوي؛ تتجه هند الصنعاني نحو توظيف أسلوب يقارب الفكرة عبر تحرير الكلمة من كُلّ حمولتها المتَّسمَة بالحيف المُتوارَث.
صوْغُها هذا، يَجْعَلُها تزجُّ بأفكار غير مُنصفة، وبٱراء مُسْتمَدّة من عُرف بالٍ، في غياهب النكران، لكي تعلو رايات الحقيقة؛ ويذوب الزيف المستشري في فواحش المُعمَّم. “مجتمعنا العربي متمسك بفلسفة قديمة و”مريضة” قلبت الموازين، وجعلت أَجْيَالا عديدة تنشأ في فكر عقيم وفاسد ، لنحاول التخلص من هذه الأقنعة البائسة التي جعلت من عادات متخلفة واجبات دينية”.
(7)
ثمة في الكتابة، حلم شاسع الفرصة،عبره نحقق الثَّأْرَ من واقع يَأْبَى أن يرتفع !
عبارة أحسني بها أجهر، كُلَّما وصلني همس جاهر من أتواق الكتابة عند هذه المرأة، التي تستبين من خلال وضوح، بلا غموض، وعبر بروز؛ بدون تبرُّج.
من المقالة إلى النص الروائي، تواصل الكاتبة هند الصنعاني، وفْق مهارة منظورة في اقتناص المواضيع الشائكة، الكتابة المعترمة بالموقف، الموارة بفتح الجروح الإنسانية؛ الواقفة على حوافّ إشكالات الوجود.
روايتها “أحلام من المحيط”، التي تناقش مصاعب قانونية تواجه الزواج في المجتمعات المختلفة، تبدو بمثابة مرافعة متكاملة الأركان ضد الوقوف في وجه الخيار الذاتي؛ وضد تنامي الحرية الفردية.
ليس المتعة الأدبية، وحدها، رهان الكتابة عند هذه الأديبة المسكونة بكشف معيقات الحياة ، بل هناك أفق نقدي رحيب التَوَجُّه، ينير مسالك الكتابة؛ ويثري تفاعل المتلقي.
(8)
في المسافة بين طنجة والقاهرة، أسمعها تكتب ما تقول. بل أراها، هذه المرأة التي لا يمكن أن تكون (هَيَّابَة)، تتوكأ على منطق الأنوثة الغَلاَّب، ومسترسلة – حَدَّ الفداحة – في توكيد تلك المناصفة المهدورة !
“هو خط مذبذب يمشي عليه باحثا عن هويته المفقودة”.
بلى، عثرت هند على هويتها، ولم يحدث أن فقدت بوصلتها المتمنَّاة. وإني لمُتيقِّن أنها أخذت “حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ”؛ وجَعَلَتْ حبرها يقول: غَيَّرت ما بنفسي !
واختارت الأدبية المغربية قمر مرتقي المشاركة في هذا التكريم فكتبت:
هند الصنعاني …
يتبدى أسمها صانعا لموقفها، تتبناه كتاباتها التي تطمح إلى إنصاف المراة في قضيتها العادلة.
هذا المرأة المواراة بجرأة التعبير عن خصوصية الذات الأنثوية متجلية في خطابها وتمظهرات مواجهتها لثقافة الفحولة حد انها أسست لذلك وعيا خاصا بمواقفها اتجاه الرجل والمجتمع العربي عموما. هنا ترسم السيدة الكاتبة هند الصنعاني أفقا بشساعة فكرها وشسوع وعيها الذي لا يقرأ وهو في منأى عن وعي المراة المثقفة التي تسقط كل الملاءات المزيفة لإعادة هيكلة هذه القضية.
فمن المضمر إلى البارز تقتفي هند اثرها من تشبعها بفكر استقلالي مناهض لكل حركة من شأنها أن تعيق مسيرة نضالها الكتابية وهي تحترق من أجل اشتعال تجربتها الرحيبة وهي تكتب عن عذابات المراة فتحول الرموز إلى إشارات ذكية وواضحة العيان حتى تفصح عن رؤية متميزة لكتابة متميزة.
كما لا شك فيه أن كل ماجاءت به هذه المبدعة الرابضة في بساتين الحرية والعدالة الفكرية، هو يشي بقدرتها على نتاج خطاب يضع هذه القضية على محك الجدل الذي حثما سيثري ثقافة أنثى ممهورة بالتحليل المنطقي والمتابعة لكل أحوال ومقامات المرأة.
في أعمالها الروائية تشتبك رؤى فكرها مع أحوال الواقع في بعده الإنساني والمنطقي لتدون لنا أفقا كالحا في التسلط الذكوري وهي تفضح هيمنته بكل وعي ومسؤولية.
في مختلف نصوصها التى عرت الكثير من الأقنعة على العقل الذكوري وهي تعزز بصوتها العالي ذلك الرهان الذي يبرز جليا في مختلف نصوصها بحيث استطاعت السيدة هند ان تبوح بكل علانية عن شهقاتها المسكونة بعشق الدفاع عن المراة ماضية في ذلك استقطاب الأحداث من الذاكرة الرجولية المعتوهة.
انها تتغنى بمواويل الحرية والمساواة بين سطور كتابتها تستكشف عن الكامن في المضمر.
فمن هذا المنبر أشيد بمحترف لغتها ورحيب متخيلها داخل عبارات تذوب داخل معنى لتتمكن من إهدار جسر لغة تقف في وجه تقدم المراة خادعة كالسراب.
احتفاء بالكاتبة المغربية هند الصنعاني المغربي حسب بيريش يهديها بورتريها