كتبت : هاجر سمير
قال الفنان والناقد الكبير عز الدين نجيب إن معرض “الفن بنكهة فرعونية” الذي ينظمه أتيليه العرب للثقافة والفنون ضي حاليا، يمثل علامة مهمة وواضحة في الحركة التشكيلية المصرية، مؤكدا تحقيقه نجاحا كبيرا على مستوى الفكرة والتنظيم والمشاركة والرعاية والاستلهام الحضاري.
وأضاف عز الدين في تصريحات صحفية اليوم الخميس على هامش فعاليات المعرض الممتدة لأسبوعين تاليين بمشاركة 150 تشكيلي جرى اختيار أعمالهم من بين 700 فنان تقدموا لمسابقة يرعاها الفنان التشكيلي السعودي طلال زاهد، أن معرض “الفن بنكهة فرعونية” مع الاختلاف علي المسمي، حقق نجاحاً ملفتاً وشهد حالة من التوحد الفني حول رسالة قومية تتجاوز الملوك والديانات ، إذ تجليات الإبداع المصري وفي القلب منه يوجد الإنسان وليس الكائن والفرعون.
وتابع عز الدين: لا أزعم أن هذا هو المنهج الوحيد للفنان عن الأصالة والهوية بل هو مجرد سهم يشير إلي الطريق للمحاور الحضارية والبيئية المتعددة ، بل نحو الهوية المصرية دون قصدية باختيار العلامات المباشرة في هذا التراث، و هذا التوحد حول رسالة قومية هو البعد الغائب عن حياتنا الثقافية والفنية طوال سنوات حيث لم نكن نبحث عما نجتمع حوله أو نبحث عما يوحدنا بل علي العكس كأننا كنا نبحث عن الاختلاف وعن المفارقة للواقع والحضور وعن الصدمة لكل ما هو متفق عليه باسم التفرد والإكتشاف والتجريب والحداثة.
واستطرد الناقد الكبير: لكن هذا المعرض يثبت بكل جلاء وسطوع أنه لا تعارض بين المنهجين ، منهج التوحد حول رسالة قومية ومنهج التفرد والتجريب والحداثة ، فكشف عن رؤى إبداعية تتجاوز العادي والدارج والمألوف من إنجازات الفن ، ويكرس أهمية التجارب التقنية كمدخل للكشف عن الفتنة والدهشة والمغامرة الجمالية ويجعل من الخيال أجنحة للتحليق فوق آفاق بغير نهاية ، ونحو شواطئ وممرات إبداعية عذراء لم تطأها قدم بشر، وكأننا فوق قارب يعوم منابع التاريخ بحثاً عن روح الهوية المصرية ومجاديف الفنان في هذا القارب هي الموهبة والأصالة وعمق الانتماء وجدية البحث والتوق المحموم إلي استنقاد الروح القومية وعبق الهوية فيما لا تخفي العين عن هدف التفاعل مع مختلف تيارات الحداثة في الفن العالمي والمدهش أننا نجد نفس الفنان الذي تم اختطافه رغماً عن هويته خلال العقود الأخيرة يتقدم بإقبال ملفت للنظر للاشتراك في المسابقة بما ينفي ما ردده البعض عن انسلاخه عن جذوره ولهاثه للّحاق بقطار العولمة تحت شعار الحداثة والعالمية، ما يعني أن جوهره الأصيل يستعصي علي الذوبان أو علي التخلي عن جذوره ويؤكد قدراته الإبداعية علي السباحة خارج علامات النص العقائدي المحفوظ للفن المصري القديم أو خارج الثوابت التقليدية والدينية الحاكمة له.
واختتم عز الدين مؤكدا أنه قد تكون هناك نسبة من أعمال المشاركين بالمعرض شغلوا بحشد موتيفات وسمات ظاهرية مستهلكة من الفن المصري القديم ، ظناً منهم بأنها الطريق السريع للفوز بجوائز المسابقة ، وهو أمر طبيعي في أي مضمار للتسابق بشكل ديموقراطي لكن هناك نسبة كبيرة من أعمال النحت والتصوير والرسم والخزف لم تقع في هذا الفخ ، وإذا كان أصحابها قد استعاروا ببعض الملامح والسمات الظاهرية للفن المصري القديم فقد جاءت ذائبةً في نسيج جمالي ، مستفيدة من شتى المدارس والاتجاهات والرؤى الجمالية الحديثة ، من التعبيرية إلي السريالية إلي التكعيبية إلي المفاهيمية وغيرها حتي الاستفادة باتجاهات ما بعد الحداثة. فرأينا ضمن هذا الاحتشاد أعمالا غاصت في أعماق الرؤية المجازية الخارقة للمألوف في ملامح الفن المصري القديم إلي أعماق تأخذنا نحو قيم حضارة في جوهرها وسرها الدفين ، ومن ثم ما يؤهلها للخروج من إطار المحلية نحو آفاق عالمية.