كلما مرَّت السنوات وتلاحقت التطورات والأحداث السريعة لتفاصيل وواقع حياتنا، تزايدت أزماتنا، وتعدَّدت مشاكلنا، وكثرت الضغوط علينا لدرجة أشغلتنا وأتعبتنا في ليلنا، وأرهقتنا وأهمتنا في نهارنا.
ولا يمكننا التغافل عن العدد الكبير للمحبَطين والمكتئبين والبائسين رغم تطور العصر وانتشار التقنية وما صاحبها من وسائل ترفيهيَّة متعدِّدة في جميع المجالات، ولا يمكننا إنكار ازدياد حالات الطلاق رغم أنَّ هناك توعية من بعض الجهات المعنيَّة للتخفيف والحدِّ من ارتفاعه، كما أنَّنا لا نستطيع أن نتجاهل ارتفاع معدلات الجريمة بكل أشكالها وألوانها وأحجامها، ولا يمكننا غض الطرف عن تدني مستوى أسلوب الحوار بين العامَّة والخاصة، أو في منازلنا أو شوارعنا أو مؤسساتنا، أو عبر القنوات الفضائيَّة، هذا عدا التلاسن وتبادل الاتهامات وتكرارها، ونشر الشائعات وسرعة تداولها.
هل وصلنا ونحن لا نشعر بتطوراتنا وتحولاتنا السريعة إلى مرحلة التعوّد على أنَّ كل تلك المخالفات أمر عادي؟
ترى لو تكاتفت كل الجهات المعنيَّة بعد أن تكون قد أدَّت ما عليها من واجبات ومارست سلطتها، سواء باللين والرفق، أو بالردع والعقاب، هل كنَّا سنصل لنتيجة إيجابيَّة، وهل تصلح مناقشة أو حوار في تهذيب السلوك وتقويمه، وماذا تفعل التوعية والتذكير والتعليم في قلب بلا ضمير؟
إنَّ بناء الإنسان أهم من تشييد البناء، ومكافحة تلوث الأخلاق أهم من مكافحة تلوث البيئة؛ فما فائدة تنظيف الشوارع وتنقية الهواء وتصفية المياه، والمنتفع منها يعيش وبداخله الكذب والنفاق والتدليس والظلم، وكيف تهنأ وتستقيم حياتنا وبيننا فئة من البشر عشقت الحياة عشقاً مطلقاً؛ فترى نفسها بأنَّها دوماً على حق لا تخطئ، فئة أقامت بداخلها محكمة تدافع عن نفسها وتبرئها من كل ذنب ترتكبه، وتحلله وتفسره لصالحها؟
محكمة تبرر لنفسها حق التعدي على حقوق الآخرين، فئة انشغلت بحبِّ المنصب والسلطة وجمع المال، وأباحت لنفسها الخيانة بجميع أشكالها وألوانها؛ فنامت وماتت ضمائرها وعاثت في الأرض فساداً، ولا تملك في أعماقها، قيماً ولا مبادئ ولا أخلاقاً، تناست أنَّ هناك عقاباً وثواباً؛ ففي النهاية كلنا سنرحل ونترك ما حاربنا من أجله. بالفعل نحن نحتاج إلى إعادة صياغة لكل من حولنا وقبلها لأنفسنا، علينا إعادة النظر في تربيتنا وتعليمنا ومناهجنا ووسائل إعلامنا؛ فالحياة مهما طالت فهي زائلة ومتاعها قليل، ولا ننسَ بأنَّنا محاسبون على كل صغيرة وكبيرة؛ فاليوم عمل بلا حساب، وغداً حساب بلا عمل، ولو استوعبنا هذا القول؛ فكل منّا سيراجع نفسه ويحاسبها؛ فالأخلاق والمبادئ والقيم لا تسن بقوانين، لكن منبعها من الداخل، وتبدأ من القدوة، سواء في المنزل أو المدرسة أو المجتمع.
أميمة عبد العزيز زاهد
من مواليد المدينة المنورة مدربة تربوية ومستشارة إعلامية لديها العديد من المؤلفات الاجتماعية معروفة بكتاباتها الرومانسية والواقعية المؤثرة في مجتمعها خاصة من الجيل الجديد.