مصر الحضارة والتاريخ والفن والجمال، والتى علمت الدنيا كل أنواع الفنون، الموسيقى والغناء والتشخيص والعمارة وغيره…وحتى فنون القتال..وعلى مدى التاريخ والكل يعلم أنها الملجأ والمشفى لكل من يلجأ إليها، فهى أرض الأمن والإستشفاء من المواجع الجسدية والنفسية وحتى السياسية..وكان للفن دورا عظيما فى رفع مكانة مصر، وأسكنها قلوب كل الناطقين باللغة العربية، فتحولت العامية المصرية إلى اللغة الثانية لكل العرب، يفهمونها ويجيدون التحدث بها..ولكن منذ عدة سنوات والفن المصرى مستهدف، وهناك العديد من المحاولات لإسقاطه أو على الأقل إضعافه!..وذلك عن طريق فنانين إشتركوا بضعف نفوسهم أو جهلهم فى تسهيل هذه المحاولات، وتم بيع الكثير من تراثنا الفنى والتوقيع على عقود إحتكار لمطربين كبار، حتى تشل حركتهم ويبتعدون عن الساحة الفنية، وغيرهما من المؤامرات التى تحاوطنا ولم تنجح بشكل قطعى فى تنفيذ ما خططت له..ولكن الآن نجد الإسقاط من داخل المجال الفنى، ومن خلال فنانين وصلوا إلى قمة الابداع والشهرة، ينساقون إلى بؤر الأدمان والضياع بكامل إرادتهم وقد تناسوا نضال أساتذتهم الذين سبقوهم إلى المجال الفنى، وكم كافحوا وضيعوا من أعمارهم فى سبيل إعلاء شأن الفن والفنانين، وبعد أن كان هناك نص يحتم على القضاة عدم الأخذ بشهادة الزمار والطبال وكل من يشتغل باللهو-مهما علا شأنه أو مكانته وحب الناس له-، وذلك بحجة أن هؤلاء الفنانون يجيدون الكذب!..وإستمر هذا الوضع حتى منتصف القرن الماضى، كان ذلك يثير إستياء الفنانين لقصور الفكر والخلط بين الحقيقة والتمثيل أوالتجسيد، فكيف يوصمونهم بالكذب!..حتى أن فنان الأجيال محمد عبد الوهاب رفض القاضى قبول شهادته عام ١٩٥٠، متعللا بالنص المعيب!..وقد ألغى هذا النص التشريعى عام ١٩٥٢..ولا أحد ينكر ما بذله قدامى الفنانين من جهد لوضع الفنانين فى مكانة مرموقة بالمجتمع، وكانوا ينفقون ثرواتهم من أجل النهوض بالفن، وكان للكبار دورا ملحوظا فى إحتضان الأجيال الجديدة وتدريبهم فنيا وإجتماعيا..أما المفكرين والصحفيين والشعراء فكان لهم دورا كبيرا فى توعية وتعليم الفنانين، وكانت صالوناتهم الثقافية معاهد تعليمية تخرج فنانين عظام، وعلى درجة كبيرة من الوعى، وإن لم يحصلوا على شهادات علمية!..وكانوا يدركون أن للفن دور أساسى فى الثقافة والتنوير، وأنه الأداة لمحاربة الظلم والفقر والفساد، وأيضاً فى نمو المجتمع وتنميته أو إضعافه واسقاطه..ونال الفنانون مكانة كبيرة فى المجتمع، فكان منهم من يمثلون الشعب فى المجالس النيابية سواء بالإنتخاب أو التعيين بإختيار من رئيس الجمهورية د، ومن هؤلاء الفنانين الأستاذ القدير/محمود المليجى والأساتذة الكبار أمينة رزق و مديحة يسرى وحمدى أحمد والدكتور/يحيى الفخراني، والمطربة/فايدة كامل زوجة وزير الداخلية المرحوم/النبوى إسماعيل(والتى جلست على كرسى مجلس الشعب أكثر من ثلاثين عاما وترأست لجنة الثقافة والإعلام، وكان لها دورا كبيرا فى منطقة القلعة، بداية من حل المشاكل إلى تحقيق الأمنيات، فكانت تكسب الإنتخابات بإكتساح دون معاونة أو مجاملة أحد، لذا لم يجرؤ أحد على التشكيك فى نتيجة فوزها فى الإنتخابات)وكان للفنانين العديد من الأدوار الوطنية والمواقف المشرفة، وكم نجحوا فى أداء الدور القومى والإنسانى وقت الحروب والأزمات التى مرت بالوطن، بجانب الأدوار التمثيلية فى أعمال عظيمة، لذا نال الفنانون مكانة كبيرة، وحصلوا على الجوائز والتكريمات من الرؤساء والملوك، وأصبح الفنان أيقونة، والفن حلم للشباب..ولكن فى السنوات الأخيرة أصبح الإستسهال سمة فى العديد من الأعمال الفنية، وأصبح الفن وسيلة للثراء السريع، ثراء فاحش لا يلحق به علماء أو أطباء أو أى من سبل العلم والمعرفة، وإنساق الفنانون إلى الطرق السريعة للوصول للشهرة والمال، على حساب القيم والمبادىء، مما أفقد الشباب الإيمان بالعلم وأصبح الحلم فى الكرة والكاميرا والميكرفون، ولم ينظر هؤلاء إلى
مصلحة وطن يضرب ويشوه بيد أبنائه!..فالفن واجهة الدولة، وهؤلاء الفنانون يغتالون الفن و ينتحرون!..ولا ننكر أن الأجيال السابقة كان لهم أخطاء، ومنهم من سقط فى بؤر الإدمان، ولكن كانت الفنانات أكثر حرصا على سمعتهن، ولكن الآن أصبحنا نسمع عن سقوط فنانات فى الإدمان رغم وصولهن لمكانة رفيعة فى الوسط الفنى!..ما يحدث يجب الوقوف أمامه، لأنه لا يندرج تحت بند الحرية الشخصية، لأن الفنانين قدوة لأجيال، يقلدونهم فى تصرفاتهم وملابسهم وعاداتهم، ولا أعرف ما هى الوسيلة التى نستطيع بها حماية الفنانين من أنفسهم والحفاظ عليهم؟!..وأتساءل هل إفتقدنا المفكرين والمثقفين ولم يعد لهم دورا فى حماية المجتمع!..نحن وصلنا إلى شبه إنهيار للوعى، بسبب ضعف مايقدم من فنون وإعلام ورياضة!..فهل هناك استراتيجية جديدة لنهضة حقيقية تلائم الجمهورية الجديدة التى نحلم بها؟!