استكمالًا للمقال السابق
إننا نعيش في عصر يحكمه ويديره الإعلام بشتى وسائله، فالإعلام الحديث غيّر الكثير من ملامح حياتنا ، وأمطرنا بوابله من كل حدب وصوب، ولم نعد قادرين على المتابعة والتمييز، وأصبحنا نعيش أمام منعطف خطير في ظل هيمنة الغزو الفكري المدمر لجميع أفراد المجتمع، وأحببت هنا أن أتحدث عن أطفالنا فهم براعم في مرحلة التأسيس والتشكيل والتكوين، لا يفرقون بين الصواب والخطأ، بين الخير والشر، إضافة إلى خلطهم بين الواقع والخيال، فهناك العنف الذي يحسبونه شجاعة وإقداماً، وهناك السخرية والتهكم والألفاظ الخارجة عن الأدب التي يعتبرونها قوة وحرية شخصية، فيصبح الغريب لهم مألوفًا والضار محببًا والشاذ طبيعيًا، ويسمع الأطفال ألفاظًا عامية وكلمات سوقية تؤثر على لغتهم ومفرداتهم العربية فتعطل قدراتهم العقلية واللغوية والفكرية، مما تجعل من أحدهم طفلاً خائفًا قلقًا. إنه عدو خطر يتربص بنا وبأبنائنا، ويُروج لأشكال من التربية الموازية التي تلحق الضرر بدور جميع المؤسسات التربوية، ولا بد أن نواجهه بكل تعقل ونعترف بالتأثير الإيجابي والسلبي للعولمة على مجتمعنا؛ لأنها قدر محتوم ولا بد أن نواجهه بكل ثقة، ونهتم أكثر بالتنشئة الاجتماعية حتى نتصدى لهذه الهجمات الشرسة، ونجعلهم يواجهون ما شاهدوه وتعلموه دون أن يجرفهم التيار لمحاكاته، ولا بد أن تكون لنا وقفة جماعية صادقة أمام العدو الأول لشبابنا، وهو وقت الفراغ حتى يستطيعوا حماية أنفسهم، ونهتم بكيفية تعليم أبنائنا وتوعيتهم بأهمية الرقابة الشخصية، والتحصن الذاتي لإرساء فكرٍ واع ٍ يميز بين الإعلام الهادف والإعلام الهادم، ويتصدى لما يتغلغل من انحرافات فكرية داخل المجتمع وخارجه، بحيث يتحقق التفاعل التكاملي على نحو يعزز الرأي العام ويحقق لأفراده الفهم الواعي والحس المتنامي، وتنشئهم وترسخ فيهم القيم الدينية والثقافية والأخلاقية والاجتماعية، بغية الارتقاء الفكري والنماء الحضاري. وتنشئ مناخًا مناسبًا للتواصل والتفاعل لنضمن سلامة الفكر والميول والسلوكيات ونحقق مجتمعًا راقيًا.
لقد باتت الحاجة ماسة إلى أن يتعاطى القائمون على الإعلام في المجال التربوي التركيز الدائم لاستجلاء ملامح النجاحات والإخفاقات، وترميم الشرخ في منظومتنا القيمية والفكرية والثقافية، حتى تجعلنا قادرين على أن نتطلع إلى إحداث نقلة نوعية في تطوير الفكر وتحسين الأداء، ويكون أداة توجيه وإصلاح حقيقي متتبع لأهدافنا المعرفية والثقافية من أجل تأمين مناخ ثقافي سليم لا تشوبه الضبابية ولا تنعدم فيه الرؤية الصحيحة، بل يصبح قادراً على قول كلمة الحق وإرساء قواعد الصدق والحقيقة، من خلال الدعوة إلى بث القيم والتعامل من خلالالبعد الأخلاقي الذي نحن في أمس الحاجة إليه لتربية أجيالنا. علينا أن ندرك أنها مسئوليتنا جميعاً، ولا بد أن نواجهها ونتصدى لها بكل حكمة وتعقل ومنهجية سليمة، لعلنا نستطيع أن ننشئ إعلاماً أسرياً تربوياً ينطلق من ثقافتنا وجذورنا.
أميمة عبد العزيز زاهد