بقلم د/ شيرين العدوي
إن تيار الوعي في مجموعة “شيمان ديه دام” لخالد ثابت ظاهر بكل عناصره في المجموعة، فهو يتجه إلى النظر من الداخل متصلا بمنطقة ما قبل الكلام على حد قول فريجينيا وولف، عبر مستويات مختلفة، تبدأ من الوعي وتستمر بعمق حتى منطقة اللاوعي؛ مما يحدث نوعا من الترابط والتزاوج؛ فينتقل من الداخل للخارج والعكس بهدف الكشف. لقد تحرك الكاتب بهذا الزخم اللغوي على مستوى المفردة والكتلة الصلبة متكئا على الرمزية مبرزًا الوعي من اللاوعي للذاكرة الحافظة.
وقد شكل كل مقام النافذة المفتوحة علي حركات الموسيقى العاملة في النص؛ فكتلة السيمفونية كما يوضح “فيبوناتشي” تقوم على أربع حركات: “سريعة، وبطيئة، ومتوسطة السرعة، فسريعة”. وقد ظهر هذا التقسيم جليا في مقاماته القصصية وتفاوتها بين الطول والقصر ليكتمل اللحن التفاعلي. كان لدينا في المجموعة خمس حركات لكل حركة شكل محدد في السلم الموسيقي. وقد قسم هذه الحركات على مقامات تحرك فيها بوعي الفكرة والكتلة اللغوية التي ضمتها كل حركة على حركات السلم: “دو، ري، مي، فا، صول، لا، سي”؛ ليصلنا مع كل حركة رؤية إنسانية تمثلها كل قصة بمفاتيح هذا السلم.
ففي الحركة الأولى التي سماها مقاما: “على حساب شيء ما” والتي ضمت سبع قصص بدأت بقصة: “عروسة نادية” التي تمثل “الدو” في السلم الموسيقي وانتهت “بالسي” التي تمثلها قصة “أجساد مثقوبة” نجد أن الكتلة السردية تحرك فيها بحركات الزمن بين السرعة والبطء التي تحدثنا عنها، وشهدناها أيضا في عزف الأفكار التي توج بها المقام؛ ففكرة “على حساب شيء ما” تكشف رؤية كبيرة هى أننا نضحي بالجميل من أجل الغث؛ وقد ظهرت عشوائيات النفس جلية في هذا المقام. ثم ينتقل للحركة الثانية والتي سماها مقام: “النشوة.. هي أن تقف خارج نفسك”، ثم أكملها بقوة العزف متكئا على كتلة لغوية ونافذة تفتح لك المقام ألا وهي أبيات ابن زريق البغدادي: ” لا تعذلِيه فإن العذل يولعه”؛ لنبدأ بالمفتاح “دو” في الحركة الثانية بقصة “تيتو عدم الانحياز” وننتهي بالمفتاح “فا” وهي قصة “تهنئة” التي تحدثنا عنها من قبل.
الكاتب في هذا المقام يدعونا لأن نبتعدعن المشهد وننظر من الخارج لنرى الحقيقة واضحة، وهو في كتلته السردية وما تحويه من عناصر يفعل هذا برمزية المقام وحرفية المبدع. ثم تأتي الحركة الثالثة على مقام: “بئر معطلة وقصر مشيد” فيدخلنا من نافذة أبيات ابن زهر الأندلسي: “ونديم همت في غرته/ وشربت الراح من راحتيه” ليبدأها بقصة “شيمان ديه دام” التي تمثل مفتاح “دو”، وينتهي بقصة “الجيران” التي تنتهي بالمفتاح “مي”؛ وكأننا نستعيد الحضارة التي انتهت إلا من مظاهر الترف والمضي نحو الأفول؛ لتأتي الحركتان النهائيتان: الرابعة والخامسة سريعتين مكونتين من المفتاحين “دو، ري” في الرابعة على مقام : “المعرفة تأكل نارالمحبة ” مع مقولة صوفية للنفري ليهيئ القارئ للانسحاب من اللحن. ثم تأتي الحركة الأخيرة على لسان الدين بن الخطيب بلا مقام ليمثل الختام السريع .إننا أمام نص سيال يمكن أن يُعزَف بحق، حرم جائزة الدولة وقتها لكنه احترم القارئ فخلده.