الرياض – زبيدة حمادنة
تقرير “انتعاش الاستثمار العقاري الخارجي لدول مجلس التعاون الخليجي” الصادر عن شركة “جيه إل إل” يسلّط الضوء على التوجهات الجديدة التي تقود الاستثمارات العقارية العالمية في ظل تنامي الظروف السوقية غير المواتية عالمياً
كشفت شركة “جيه إل إل” في تقريرها الأخير “انتعاش الاستثمار العقاري الخارجي لدول مجلس التعاون الخليجي” عن توقعات بأن تتفوق اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي نسبياً على باقي الاقتصادات حول العالم في عامي 2022 و2023، وهو ما سيدفع مستثمري المنطقة على الأرجح إلى اغتنام فرص الاستثمار في العقارات عالمياً.
تتأثر ثقة المستثمرين حول العالم بالتحديات الناجمة عن تصاعد معدلات التضخم، وارتفاع تكاليف الطاقة، والسياسة النقدية المتشددة. ولا تقف تداعيات ذلك على تأخر القرارات الاستثمارية، بل تمتد إلى إضعاف السيولة في أسواق العقارات الدولية، وبالتالي تسود حالة من انعدام اليقين عالمياً.
ولكن التوجهات تبدو مختلفة في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، حيث ساعدت الظروف الاقتصادية القوية نسبياً هنا في تعزيز ثقة السوق وحثت المستثمرين على اغتنام فرص الاستثمار بأسعار مخفضة في الخارج.
كما ساهم التعافي القوي لأسعار النفط منذ منتصف عام 2020 في حفز ثقة المستهلكين والمستثمرين إقليمياً، مما أدى إلى زيادة ضخ رأس المال في قطاع العقارات العالمي.
وفي إطار تعليقه على الموضوع، قال فادي موصللي، المدير الإقليمي لمكتب “جيه إل إل” في دبي، وهو عضو في مجموعة أسواق المال الدولية: “نتوقع استمرار الزخم الاستثماري في قطاع العقارات العالمي والمدعوم بالشركات الحكومية وصناديق الثروة السيادية من دول مجلس التعاون الخليجي على المدى القصير، لكنه سيكون بشكل حذر وانتقائي. ورغم تقلبات أسعار النفط في الأشهر الماضية، لكنها تبقى مرتفعة قياساً بمستوياتها السابقة ولن تكون ذات تأثير يُذكر على ثقة المستثمرين في المنطقة. وبالتالي، لن يتوقفوا عن اغتنام فرص الشراء بأسعار مخفضة، بالرغم من الأفق الاقتصادي المُبهم لأوروبا والولايات المتحدة وغياب المنافسة القوية في العطاءات”.
ومن المتوقع أن تتحول استراتيجيات المحافظ الاستثمارية إلى قطاعات عقارية جديدة في المستقبل؛ فبالرغم من سيطرة قطاعي المكاتب والفنادق في الماضي على التوجهات في مدن مثل لندن وباريس ونيويورك، لكن شهدت هذه المدن تحولاً نحو قطاعات أعلى نمواً كالمعيشة والخدمات اللوجستية، والتي مثلت بالمجمل أكثر من 40% من الاستثمارات الدولية في العامين الماضيين. كما يركز المستثمرون بشكل متزايد على قطاعات بديلة مثل مراكز البيانات وأصول الرعاية الصحية، وهو ما يعكس تغيراً في استراتيجياتهم عن العقد المنصرم. وتشكل هذه المساعي لتنويع المحافظ الاستثمارية جزءاً من توجهات أوسع تعززت خلال جائحة كوفيد-19.
وعلى الرغم من ضعف النمو الاقتصادي عالمياً، لا يزال الطلب على المساحات الصناعية والخدمات اللوجستية مرناً، ومن المتوقع أن يحافظ هذا القطاع على أداء جيد بسبب محدودية المساحات المتاحة. أمّا بالنسبة لقطاع المعيشة، فبرغم المؤشرات الأخيرة التي تُنذر بتباطؤه، مثل النمو المعتدل في الإيجارات، لا تزال الظروف على المدى البعيد مواتية لهذا القطاع بل من المتوقع أن تعزز مرونة أدائه. ونتيجةً لذلك، زاد نشاط المستثمرين من دول مجلس التعاون الخليجي في قطاع المعيشة بشكل كبير منذ عام 2020، ومع استحواذ هذا القطاع على ثلث الاستثمارات العالمية، من المتوقع أن يصبح جزءاً مهماً من محافظهم الاستثمارية، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على قطاع الإسكان متعدد الأُسر/ المساكن المعدّة للإيجار، كما سيمتد تأثيره إلى المساكن الطلابية ومساكن المسنين. وستحافظ الولايات المتحدة وأوروبا، ولا سيما المملكة المتحدة، على مكانتها في صدارة الأسواق المُستهدفة من قبل مستثمري الشرق الأوسط كما كانت دوماً.
أمّا على صعيد مشهد الاستثمار العقاري المتغير ضمن المنطقة، فلا تزال منصات الاستثمار مصدراً أساسياً لرأس المال الصادر من منطقة الشرق الأوسط، ولكن العديد من هذه المنصات ضعيفة الحضور في قطاع العقارات وتعاني لتحديد فرص لاستثمار رأس مالها. كما دفعها ارتفاع أسعار الفائدة مؤخراً إلى إعادة تقييم تكتيكاتها مع التركيز على تثقيف مستثمريها، وتقييم معدلات العائد الداخلي كمؤشر، ودخول مناطق جغرافية وقطاعات جديدة عبر جميع مصادر رأس المال، لا سيما الديون وحقوق الملكية. ومن المرجح أن يزداد التركيز على عمليات الدمج والاستحواذ والشراكات الاستراتيجية، حيث سيكون الاختيار مبنياً على أساس الخبرة بالسوق.
وإلى جانب منصات الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط، يسجل المشهد الاستثماري دخول مشاركين جدد. لذلك يجب على هذه المنصات أن تمتلك مفاتيح الابتكار لتضمن التميز عن منافسيها. ذلك أن التفوق في هذه السوق رهن بامتلاك إمكانات توريد ذكية، وشبكات توزيع قوية، وقدرة عالية على الاستحواذ قبل اللجوء إلى التمويل المشترك. كما سيكون اعتماد الأساليب الجديدة عاملاً ضرورياً لتوليد العائدات، وهو ما سيدفع منصات التمويل المشترك من الشرق الأوسط إلى التركيز أكثر على المزيد من مصادر رأس المال الأخرى.
علاوةً على ذلك، يدعم الارتفاع الكبير في الثروة الخاصة التوجه الاستثماري نحو العقارات في الخارج. ومن المتوقع أن تؤثر العوامل الخاصة بكل بلد بشكل كبير على الاستثمارات الخاصة من الشرق الأوسط في المدى المنظور.