الشاعر الكبير أحمد سويلم يمثل رمزا من رموز الثقافة المصرية وعمادا من أعمدتها، ومازال قابضا على جمر الإبداع لا يتوقف عطاؤه؛ بل يغوص في بحار الأدب شعرا ونقدا وكتابة للطفل. يمثل الجيل الثاني من موجة الشعر الحر بعد صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازى. كتابه “شاعرات العشق العربي” جهد مشكور في مجال الدراسات الأدبية. استلهم الشاعر الموضوع عندما ألقى محاضرة بجامعة الملك الحسن بالمغرب بالدار البيضاء عام 2018م عن مجانين العشق العربي، فاقتربت منه إحدى الباحثات وسألته الكاتبة عن مجنونات العشق العربي حرصا منها على حق الأنثى الشاعرة المحبة في الوجود، واستجاب ا/ أحمد سويلم فورا معقبا على كلامها بنعم. إن الثقافة العربية ذكورية، والإبداع الشعري معظمه كذلك، وتجاهل دور المرأة يعد إهانة لها؛ فلولاها ما عرف الرجل حلاوة الحب والعاطفة والصداقة، وما عرف الشعراء الغزل والنسيب.
وشرع الشاعر أحمد سويلم في تأليف هذا الكتاب الذي يعد الأول في بابه. وقد اتبع المنهج التاريخي في رصد تجارب العشق وقدم لنا مرجعا ثقافيا يمكن أن يعد دليلا إرشاديا لمن أراد الاستزادة أو التعمق. واعتمد في تلك الدراسة على عدة مصادر أصيلة في بابها، كطوق الحمامة لابن حزم والشعر والشعراء لابن قتيبة وطبقات الشعراء لابن المعتز والأغاني للأصفهاني؛ لكنه لم يدون هذه المصادر في الهوامش حسب التوثيق العلمي، ربما لأن الكتاب يأخذ شكل الكتاب الثقافي العام وليس العلمي المتخصص، وقد اتبع في رصده التاريخي العصور بدءا من العصر الجاهلي ثم العصر الأموي الذي ضمنه عصر صدر الإسلام متأثرا في ذلك بمنهج د/ شوقي ضيف في موسوعته “تاريخ الأدب العربي” وجورج زيدان في كتابه “تاريخ أدب اللغة العربية”، ثم العصر العباسي، فالعصر الفاطمي، ثم الأندلسي، ثم العصر الحديث وتوقف بالشاعرات فيه عند الحقبة السبعينية من القرن العشرين. استوقفتني مقدمة الكتاب وكانت عن فلسفة الحب الكونية، فلم يحصر الشاعر أحمد سويلم نفسه في الإطار التقليدي عند تحليله لعاطفة الحب والعشق؛ بل انفتح على جذور هذه التجربة الإنسانية السامية ورصد تحولاتها الكونية.
وقد عنون هذا المبحث بعنوان: ” الحب سر الكون” واقتبس هذه الرؤية الفلسفية الكونية من أفلاطون ليؤصل لظاهرة العشق العربي وشاعراته ؛ حيث يقول أفلاطون: “الحب قوة تربط العلاقات بين المخلوقات. إن ابتسامة الحب تلمع بين السماء والأرض، وإن إرادة ثابتة جذّابة تجذب الجنسين وتجعلهما واحدا”. هذه الرؤية تمثل إيقاع الوجود، فكل ظاهرة كونية لها إيقاعها المؤثر فيما عداها تأثيرا يجعل من تجاذب جزيئات الكون بعضها لبعض حركة عشق إيقاعية؛ كما يرى أفلاطون أن موسيقى الكون وإيقاعها العاشق إحدى المحركات الرئيسية السامية للبشر، فهي الصدق والحقيقة التي توجد منذ بدء الخليقة، ومن خلالها عرف العالم النظام وتحقق له التوازن. ويتبنى أحمد سويلم ما يراه دانتي من أن الحب يحرك الشموس والنجوم؛ بل يضيف فيقول: إن الحب يحرك الكون كله وكائناته. وفى هذا السياق يقول إيليا أبو ماضي : “أحبب فيغدو الكوخ قصرا نيرا/ وابغض فيمسي القصر سجنا مظلما”. ولشعر العاشقات بقية في المقال القادم.