بقلم : طراد علي بن سرحان الرويس
يواجه مجتمعنا العربي في وقتنا الراهن ظاهرة اجتماعية خطيرة، فوضى وعبث وتسيب، ظاهرة انفلات أخلاقي وتسيب سلوكي نراها اليوم تعّد من أكثر الظواهر ضرراً وأوسعها انتشاراً، استهدفت أبنائنا
من الأجيال الناشئة، تمس قيّمهم وتعبث بشخصياتهم، لتدمير عقولهم وتمزيق روابط أسرهم وتفكك كيان مجتمعهم ..
صدمة حضارية غير مسبوقة ..
مجتمعنا العربي حالياً أمام انفلات أخلاقي وتسيب سلوكي متضخم، يعانون منه أبنائنا من الأجيال الناشئة، وللأسف سهل لهم من خلال أدوات طرحتها مؤخراً مواقع التواصل الاجتماعي بحجة الزيادة في الأرباح، مكنت أبنائنا من القيام بتصرفات وأفعال غير مسؤولة تتنافى مع مبادئنا
وديننا الحنيف وتخل بالأخلاق والآداب العامة، حالة من التسيب والانعدام الاخلاقي، تتم على الهواء مباشرة بكل يسر وسهولة ودون خوف، وبلا رقابة أو محاسبة، غياب تامً لدور أوليا الأمور، والجهات المختصة المعنية.
إن ما يحصل حالياً في ساحات مواقع التواصل الاجتماعي أمراً بات خطيراً، فقد تم استغلال
ما خلفته ثورة التطور والتنمية وتكنولوجيا تقنية المعلومات والاتصالات، من انفتاح غير مسبوق، سببت سلبيات خلقت بيئات خصبة تجذب أبنائنا من الأجيال الناشئة نحو الانحراف والتطرف، وتعزز عدة ظواهر مدمرة من أهمها وأخطرها ظاهرة الانفلات الأخلاقي والتسيب السلوكي الذي يستهدف تفكك روابط الأسر، بل وتمزقها، وتدمر كيان مجتمعاتنا العربية.
وفي ضوء ما يشهده عالمنا العربي حالياً من تضخم ظاهرة التسيب السلوكي والانفلات الأخلاقي والعبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تستهدف في المقام الأول زعزعة أمن واستقرار مجتمعاتنا العربية والإسلامية، حيث شهدنا مؤخراً على ساحات وسائل التواصل الاجتماعي تسيب دون حسيب أو رقيب، فوضى بشكل لا يصدق، وعبث في كل شيء دون قيود أو ضوابط، حملات
من التشهير والتشكيك برموز وشخصيات عامة، حملات تمتطي الحرية لتشويه منجزات ماضينا
بل وحاضرنا، لترسم مستقبلاً مليئاً بالإحباط للأجيال القادمة من فئة الشباب الذي تحرص الأمم على إعدادهم لبناء مستقبلها وتقدمها، وللأسف باتت تلك الوسائل في وقتنا الحالي ساحات لبث السموم والفتن.
لذلك يجب علينا التركيز على جيل أبنائنا الناشئ باعتباره الأكثر استخداماً لمواقع التواصل الاجتماعي والتي يجب أن تتصدى لها كل الأسر والمؤسسات التربوية، كل حسب مجاله ودوره، من خلال غرس إطار معرفي وقيمي لدى أبنائنا ليكونوا قادرين على الكشف عن الرسائل المغلوطة التي تحملها العديد من الأخبار المغلوطة والتدقيق فيما يتابعونه وتعريفهم بالضوابط القانونية، ويجب التعاون في شقي رفع مضمار الوعي والرقابة من خلال تنظيم حملات توعوية بآليات ومضامين نوعية لمحاربة خطر مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي الضارة التي أصبحت تمارس كتنمراً سياسياً وأخلاقياً واجتماعياً.
فوالله مؤلم ما نراه اليوم ونتابعه من سب، وشتم، وقذف، وابتزاز، وغيرها من الألفاظ غير المحترمة، بث رسائل مبطنة ومؤثرة، وتعري على الهواء مباشرة، فوضى وتسيب وانفلات أخلاقي يتضخم يوم بعد يوم، وللآسف فقد استطاعوا الفاسدين المفسدين عديمي الإنسانية وبحرفية عالية من استغلال أدوات عديدة طرحتها مؤخراً مواقع التواصل الاجتماعي في ظل انفتاح عالمنا الذي تسبب في خلق بيئات خصبة جاذبة لأبنائنا نحو الانحراف والتطرف والتي تم استغلالها لتمكين أبنائنا من تلك المحتويات والرسائل التي طرحت بين أيديهم ليتداولوها فيما بينهم، والتي تحمل مضامين سلبية تنال من وعيهم وتفسد عقولهم وتدمرها واستقرار مجتمعهم.
ومما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها، شكلت نقلة نوعية كبيرة في مجال التواصل بين الناس، وتبادل المعلومات، ولكن دون أي قيود، لدرجة باتت تسيطر فيها حسب الكثير من الخبراء على أكثر من سبعين في المئة من السوق الإعلامية عالمياً، لاسيما أن لكل وسيلة من هذه الوسائل خصائصها ومميزاتها بل وتفردها أحياناً في نقل المحتوى الذي يراد بثه، عبر الفضاء حيث يتم من خلالها تداول المحتوى وانتشاره، وبسهولة استعمالها، وقدرتها المذهلة على نقل محتوى أي رسالة إعلامية سواء بالصوت أو الصورة، وسرعتها في نقل المعلومة إلى أي مكان في العالم.
وما أردت الإشارة إليه، هو أن العديد من مواقع التواصل الاجتماعي طرحت أدوات وطرق لتزيد من أرباحها، مستغلة بذلك الانفتاح الذي نتج عن ثورة التطور في التنمية وفي تكنولوجيا تقنية المعلومات، حيث وضعت بين أيدي أبناءنا المراهقين من الأجيال الناشئة تلك الأدوات الخطيرة التي تغريهم للوصول السريع للشهرة وكسب الأموال، أدوات تعزز الانفلات الأخلاقي تحت (عباءة الحرية الشخصية)، مستهدفة لتدمير نظامنا التربوي التعليمي الذي يهتم بالتنشئة المجتمعية لأجيالنا القادمة، والتي تستهدفهم لتجريدهم من قيمنا ومبادئنا ومحو ثقافتنا الوطنية وتمزيق هويتنا العربية والإسلامية، من خلال بث ونشر الكثير من الفيديوهات القصيرة المخلة بالآداب العامة التي ترفضها مجتمعات عالمنا، دون قيود أو ضوابط ، وأصبحت كذلك منبراً من لا منبر له، حيث انها شكلت مخاطر كبيرة على المجتمع، بسبب سوء استعمال البعض لها، مما دفعت بهم إلى العزلة الاجتماعيّة، وبعدتهم عن التفاعل المباشر والاحتكاك مع المجتمع، وللأسف استغل الفاسدين المفسدين ذلك الانفتاح واستخدموا وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح لتدمير كيان المجتمعات وتفكك روابط أسرها وهدم عقول أفرادها.
لذلك أدعوا الزملاء الإعلاميين في وسائل الإعلام المختلفة إبراز دورهم في قضية التوعية من خطورة الجرائم الإلكترونية، كما يجب على إعلامنا العربي العمل على ضبط وسائل التواصل الاجتماعي من خلال وضع اطاراً شاملاً ومعايير عالية لحماية أبنائنا وللدفاع عن الوطن بما يتوائم مع توجيهات قياداتنا وأنظمتنا العربية، ويعزز حرية الرأي المسؤولة في وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت في وقتنا الراهن سبباً رئيسياً يهدد مجتمعاتنا العربية.
ونظراً للأخطار التي قد تحملها بعض التجاوزات التي يقوم بها بعض مستخدمي الإنترنت عامة ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة، تبدو الحاجة ملحة لوجود مراقبة فعلية لمحتوى مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث يمنع المتجاوزون من نشر محتوى غير مناسب، وتوجيه هذه المنافذ الإعلامية الهامة إلى ما يفيد المستخدمين لهذه المواقع ونشر الوعي والثقافة في صفوف المتلقين، لذلك يجب أن نرى حضوراً قوياً للجهات ذات الاختصاص لكي تمارس أدوارها وتلاحق هؤلاء المنفلتين الذين لا يراعون الله فيما يفعلونه، ولكي تحد من كل تلك الأفعال المشينة والمسيئة التي تستهدف تشويه ثقافاتنا العربية، كما يجب تعاون مجتمعنا العربي ومساندة الجهات المختصة والمعنية للعمل على زيادة وعي أبنائنا الطلبة بمفهوم الاستخدام الآمن للإنترنت، وتكريس ممارسات إيجابية وبناءة عند تعاملهم مع الشبكة العنكبوتية والفضاء الإلكتروني الواسع، لتمكينهم من مواجهة سيل المعلومات المتدفق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى يعكسون أصالة مجتمعهم وعمق القيم التي يتحلى بها.
وعلى ضوء ذلك، أدعوا الجهات المعنية والمسؤولة بهذا الشأن إلى ضرورة تشكيل لجان مختصة من الكوادر الوطنية القادرة على استكشاف ومتابعة مثل هذه الجرائم ومعرفة مصادرها وخلفيات أصحابها، وحث أفراد المجتمع على ضرورة التبليغ عن أي خروقات قانونية من شأنها أن تزعزع أمن أوطاننا العربية، والعمل للتصدي لهذه الظاهرة المشينة، حيث أن ذلك واجب وطني، وكذلك وضع تشريعات تنظم المحتوى الرقمي، والعمل على إضافة تعديلات في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات تضمن عقوبات تطال كل من ينشئ أو يدير موقعاً إلكترونياً اباحياً أو ينشر معلومات بهدف الترويج لأفكار من شأنها إثارة الفتنة أو الطائفية أو الإضرار بالوحدة الوطنية والإخلال بالآداب العامة، ووضع عقوبات صارمة بحق كل من يقوم بنشر معلومات أو أخبار أو إشاعات على موقع إلكتروني أو وسيلة تقنية معلومات أو أي شبكة معلوماتية بقصد السخرية والإضرار بمكانة الدولة ومؤسساتها، وأفراد المجتمع.
أدام الله السكينة في قلوبكم والسعادة في بيوتكم والصحة في أبدانكم والتوفيق في حياتكم والأمن في دروبكم والبركة في أرزاقكم وفي علمكم.
والله أسأل أن يحفظ أوطاننا العربية والإسلامية بشعوبها وترابها وانجازاتها ومكتسباتها من كل مكروه، وأن يديم عليها نعمة الأمن والأمان والاستقرار إنه ولي ذلك والقادر عليه.