قد نندهش في كثير من الأوقات عندما يهاجمنا موقف فيه ابتلاء أو حيرة أو تضجر في أمر ما، يسبب لنا الألم، وفي نفس الوقت تصلنا رسالة تبعث السرور والطمأنينة والراحة والقناعة في نفوسنا، رسالة مترجمة من خلال موقف مباشر أو غير مباشر، على هيئة صورة أو كلمات أو بأي شكل من الأشكال. ولو فكرنا في الموضوع من زاوية مختلفة تُرى هل تلك الرسائل وصلتنا مصادفة، أم أنَّ المؤمن الواثق من رحمة الله سبحانه يعلم أنَّ تلك الرسالة ما هي إلا مجرد إشارة من الله، أرسلها سبحانه؛ ليوجه بها خطواته، وينير طريقه؛ ليمده بصفاء النفس ونقاء العقل وحسن الظن، وتكون بصيصاً من نور يصل إلى الأعماق، وتمنح شعوراً غير محدَّد بفجر جديد، وتظل الرسائل تتابع؛ لتنير حياتنا، ويرتفع إحساسنا بصور نسجها العقل والإحساس بإيحاء من تلك الرسائل. ودعونا نستعرض بعضاً من تلك الرسائل، ففي لحظة قد تعاني من مرض يلزمك الفراش، وتشعر بأنَّها النهاية، ومن شدَّة الألم تشعر بالتذمر، وتضيق أخلاقك، وفجأة يظهر أمامك من يعاني أضعاف معاناتك؛ ورغم ذلك فالابتسامة لا تفارق عينيه، والرضا مرسوم على وجهه كذلك عندما تستلقي في فراشك وتعاني أحياناً من بعض الأرق، وتأتيك الرسالة لأناس حرموا من النوم لمرض أو من يجافيهم النوم لكثرة الأنابيب والأجهزة المثبتة في أجسامهم، وقد تعاني من ضيق التنفس أو سعال شديد، وتأتيك الرسالة أنَّ هناك من لا يتنفس إلا من خلال ثقب بالرقبة أو بجهاز الأكسجين، وقد تصاب بالتهاب حاد في معدتك، وتظل لأيام تتغذى من خلال المحلول، وتضيق الدنيا في عينيك، وتأتيك الرسالة أنَّ هناك من حرموا طوال حياتهم من أكل الأطعمة، وهناك من لا يتغذى إلا عن طريق الأنابيب والمحاليل، قد تكون في قمة الحزن والاكتئاب، وتشعر بأنَّ الأمل قد انقطع بك، وفجأة تأتيك الرسالة تذكّرك بالتفاؤل وحسن الظن، وقد تخنقك الذنوب، ولا تكاد تستطيع ترفع يديك إلى الله خجلاً منه ورهبة؛ وإذ بك تسمع قوله تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»، فينشرح صدرك، وتدرك أنَّها رسالة طمأنينة من الرحمن الرحيم، وقد تتخاصم مع صديق، وتتضخم فيك مشاعر الكبرياء والاعتداد بالرأي؛ وإذ بعبارة عابرة تقرؤها حول نعمة الصداقة، أو تسمع خبراً عن موت عزيز؛ فتدرك أنَّ الحياة لا تجود علينا كل يوم بصاحب وفيٍّ، فتعود؛ لتجدِّد مشاعر الحبِّ مع الآخر، وفي كل لحظة في حياتنا تأتينا الرسائل الربانية وتصل لكل قلب ولكل مهموم ومغموم ومكروب ومبتلى ولكل من يأس من تغير حاله أو من أعياه مرضه ويأس من شفائه، ورأى استحالة تحقق آماله، لكل من ضاق عيشه وأنهكه تفكيره وأحاطته المخاوف من غَدِه و مسه الضر.
إنَّها رسائل كثيرة تذكرك بفضل نعمة الله عليك؛ فإنَّ من هذه الابتلاءات ما يشرح لك أبلغ معاني الصحة والعافية، التي كنت تتمتع بها سنين، ولم تتذوق حلاوتها ولم تقدِّرها حق قدرها، إنَّها إشارات مضيئة تُرسل إلينا.. من رب لطيف رحيم سبحانه..جلّ في علاه فهنيئاً لمن يعرف كيف يلتقطها؛ ليعيد ترتيب حياته من جديد.