معظمنا رومانسيون وحالمون في نظرتنا لعالمنا
فالبعض منا يتخيل أن الدنيا بمبي في بمبي، ويعتقد أن الحياة ستمنحه نجاحات متواصلة، ولا يريد أن يصدق أن السعادة قد تزوره لساعات أو تمضي معه أياماً ثم تنهي زيارتها والحقيقة أن الدنيا لا تبتسم لنا دوماً، ولكننا نكابر ونصدق ولا نريد أن نفهم أنها أحياناً تبرق كالألماس ثم نكتشف بعد فوات الأوان، أن ليس كل ما يلمع ذهباً، ولحظتها ندفع ثمن براءتنا وسذاجتنا؛ فكم من طموحات وأحلام أجهضت، وكم من آمال ماتت، وكم من خطط رسمناها لم يكتمل نموها، وهذه ليست نظرة تشاؤمية للحياة، ولكن التوازن مطلوب حتى لا يكون هناك فرق شاسع بين الواقع والحلم، وتضطرب المشاعر وتتضارب الأحاسيس ويثور الوجدان، وبعدها نضع خيباتنا كعادتنا على شماعة الظروف.
نجاحاتنا لن تتحقق إلا بضمير يقظ وهدف نبيل، يسبقنا التفاؤل وحسن الظن برب العباد.
فما ينتظرنا هو في علم الغيب، وعلينا أن نستعد لمواجهة أية صدمة تعترض طريق مسيرتنا؛ متسلحين بقوة إيماننا وثقتنا بقدرة الله، عز وجل، فلا ندع الهزيمة والفشل والمرارة والإحباط والمرض ترافقنا في رحلتنا؛ فالله سبحانه قادر على أن يحول الغني في لحظة إلى فقير وقادر في لمح البصر أن يجعل الشقي من أسعد مخلوقاته، ويشفي المريض ويجعل الفاشل ناجحاً والناجح فاشلاً، ويحول بقدرته العظيم إلى ذليل، ويسقطه من القمة إلى السفح، ويرفع بقوته الضعيف من القاع للقمة.
فإذا أردنا أن نحيا في سعادة وراحة بال، علينا بتغيير نظرتنا للحياة، وأن نتقبل بكل رضا قضاء الله وقدره، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط.
علينا أن نعود إلى توثيق صلتنا بخالقنا، وأن نهزم أحزاننا حتى لا تهزمنا، ونتحلى بالصبر الجميل ونتقبل واقعنا ونزرع الأمل في طريقنا،ونبث في نفوسنا التسامح لكل من حولنا، ونعبر بكل صدق وصفاء عن مقدار حبنا لهم، ولا نؤجل أي أمر قد يبعث الضحك والسرور لأنفسنا ولاحبابنا؛ فالدنيا ليس لها قانون ثابت، ولا تسير على وتيرة واحدة؛ فمن لحظة لأخرى يغير الله ما يشاء؛ فلا نتجرأ بعد ذلك ونتهم الحظ أو الظروف؛ بل علينا أن نلوم أنفسنا التى دائماً نبرئها من كل التهم، علينا أن نفكر ونخطط ونعمل ونشقى ونحفر ونعرق لنحقق ما نريد؛ فلا نكابر وندخل في صراع مع ذاتنا؛ فحينما نفهم أنفسنا سنفهم الحياة ونفهم أين وكيف ومتى نتقدم أو نتأخر، والأهم كيف نرضى بما قسمه الله لنا، ونتعود في اللحظات السعيدة أن نشكر الله، وفي الأوقات العصيبة أن نحمد الله ونحتسب، وفي اللحظات الصامتة يلهج لساننا بذكر الله.. وفي الأوقات الأليمة نثق برحمة الله.. وفي كل أحوالنا نكون مع الله سبحانه ولا نبالي فمن رضي بقضاء الله جرى عليه وكان له أجر، ومن لم يرضَ بقضاء الله جرى عليه وكان عليه الوزر، فقضاء الله نافذ وأمره واقع لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه، والعبد هو الذي يربح أو يخسر بحسب رضاه وسخطه.