أخبار عاجلة

طقوس رمضانية “ فانوس رمضان ”  .. بقلم هبة عبد الفتاح   

شهر رمضان في مصر يختلف عن أي دولة أخري وهذا ما يؤكده كل  زائر لمصر في هذا الشهر الكريم، فجميع طقوسه تُعد موروث لكل الحضارات التي شهدها وادي النيل، مما جعل لهذا الشهر مذاق مختلف عن جميع بلدان العالم الإسلامي ، وتمتاز مصر بالعديد من الطقوس المميزه في شهر رمضان الكريم التي تخلق من أجواءها سحرا لا يضاهيه شيء في كل البلدان العربية والإسلامية الأخرى.

فنجد أن شوارع القاهره بل وكافة ربوع مصر تضج  بالفوانيس وزينة رمضان، وصوت  مدفع الإفطار، وموائد الرحمن، وسماع صوت المسحراتي، وكنافة والقطايف، وصوت النقشبندي  الذي يُطربنا ساعة الإفطار، والكثير من الطقوس التي ظهرت في مصر، قبل أن تنتشر في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي أيضًا، وان كانت مصر هي صاحبة  المذاق الفريد من نوعه والمميز والذي يمتاز بالخصوصية التي تجعله يختلف عن أي بقعة من بقاع الأرض ، فما أن تهل علينا روائح  الشهر الكريم، حتي تخلع شوارع تلك القاهره المزدحمه  عباءتها الروتينية ، لترتدي ثوبًا جديدًا زينته تلك المصابيح الملونة،  التي أطلق عليها عليها منذ قديم الأزل اسم الفانوس، فبمجرد أن ينتصف شهر شعبان يخرج صانعوها من  سكونهم العميق ، لينطلقوا إلي ورشهم ليبدأوا في صناعة فوانيس رمضان.

تلك الفوانيس التي استقبل بها المصريين المعز لدين الله الفاطمي في رمضان، وكان ذلك يوم الخامس من رمضان عام 358 هجرية ، وطوال  أكثر من ألف عام يظل الفانوس من أهم الرموز التي تميز  شهر رمضان في مصر، بل ويعد من الطقوس الرائعة التي ارتبطت بحلول الشهر المبارك ، فقد انتقل هذا التقليد من جيل إلى جيل، وحتي اليوم يقوم الأطفال والصغار بحمل فوانيسهم طيلة شهر رمضان، والخروج بها  إلى الشوارع مرددين مجموعة  من أغاني الفولكلور  الرمضاني البديع ، كأغنية حالو يا حالو ،  وكذلك أغنية وحوي يا وحوي ، ويحرص الصغار والكبار قبل بداية شهر رمضان ببضعة أيام علي اقتنائه لتعليقه في الشوارع وأمام المنازل ، ولكن ما هو أصل  الفانوس ، وكيف كانت بدايته ، هذا ما سنعرف معا خلال السطور التالية ، أصل كلمة فانوس يعود إلى اللغة الإغريقية التي تعني إحدى وسائل الإضاءة، كما يطلق على الفانوس في بعض اللغات اسم “فيناس”، ويذكر الفيروز أبادي مؤلف القاموس المحيط أنّ أصل معنى كلمة فانوس هو (النمام) لأنه يظهر صاحبه وسط الظلام .

وتعد مصر من أشهر الدول العربية والإسلامية التي تستعمل فانوس رمضان، حيث يتطلع الأطفال لشرائها وهم يؤرجحونها ويغنون، في حين تزدهر تجارة الفوانيس في مصر بشكل لافت خلال رمضان .

هذا و يعود استعمال الفانوس إلى العصر الفاطمي ،  حيث كان يُصنع من النحاس ويوضع بداخله شمعة، ثم بعد ذلك أصبح الفانوس يُصنع من الصفيح والزجاج الملون ، ولكن في إحدى القصص المروية عن نشأة الفانوس تنسب إلى أحد الخلفاء الفاطميين الذي كان يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه ليضيئوا له الطريق ، و كان كل طفل يحمل فانوسه ويقوم الأطفال معاً بغناء بعض الأغاني الجميلة تعبيراً عن سعادتهم باستقبال شهر رمضان المبارك.

وهناك قصة أخرى عن أحد الخلفاء الفاطميين أنه أراد أن يضيء شوارع القاهرة طوال ليالي شهر رمضان، فأمر كل شيوخ المساجد بتعليق فوانيس يتم إضاءتها عن طريق شموع توضع بداخلها .

وتروي قصة ثالثة أنّه خلال العصر الفاطمى، لم يكن يُسمح للنساء بترك بيوتهن إلا في شهر رمضان ، وكان يسبقهن غلام يحمل فانوساً لتنبيه الرجال بوجود سيدة في الطريق لكى يبتعدوا ، بهذا الشكل كانت النساء يستمتعن بالخروج وفي نفس الوقت لا يراهن الرجال.

ولكن هناك قصة أخرى تقول إنّ الفانوس تقليد قبطي مرتبط بوقت عيد الميلاد المجيد (الكريسماس) ، حيث كان الناس يستخدمونه ويستخدمون الشموع الملونة بداخله  في الاحتفال بالكريسماس ،  فأقباط مصر قبل الفتح الإسلامي لها كانوا يستخدمون أشياء تعتمد على نفس فكرة الفانوس في احتفالاتهم بمناسبة الميلاد، حيث قال المقريزي في كتابه أنه قد حضر إحتفال المصريين الأقباط في مصر بالميلاد المجيد، وقد وصفه المقريزي بالموسم الجليل، وقال أن في هذا الموسم يبيع المصريون الشموع المزهرة والمصبوغة بالأصباغ الجميلة الملونة، وكانوا يصنعون التماثيل ويشتري الشموع والتماثيل كل البيوت لأطفالها، بل وأطلقوا عليها رغم اختلاف تكوينها وهيكلها الخارجي عن الفوانيس التي نعرفها اليوم اسم الفانوس وتراها معلقة في المتاجر والبيوت .

وهكذا تعددت واختلفت الحكايات التي نتعرف منها عن تاريخ استخدام الفوانيس للاحتفالات.

ظهر فانوس رمضان منذ ما يقرب من ألف عام، وبدأت حكاية فانوس رمضان عندما خرج أهل القاهرة لاستقبال المعز لدين الله الخليفة الفاطمي الذي وصل إلى القاهرة ليلًا، وكان يستوجب على المستقبلين له إنارة الطريق ، في هذا اليوم أمر نائب الخليفة والقائد العسكري آنذاك جوهر الصقلي  القائد العظيم الذي أرسله المعز لدين الله فتح مدينة القاهرة – الشعب المصري  باستخدام الشموع لإنارة الطريق عند استقبال خليفتهم في الليل، ولكن اجتهادًا من المصريين وضعوا الشموع على قواعد خشبية ليسهل حملها وغطوها بالجلود لكي لا تنطفئ من الهواء وتظل مشتعلة منيرة لطريقهم لاستقبال الخليفة الفاطمي .

وهكذا كانت فكرة بداية استخدام الفانوس للإنارة قبل أن يصبح فانوس رمضان أشهر أنواع الفوانيس.  

كان استقبال المصريين للخليفة في اليوم الخامس من رمضان 358 هـ، ، ولكنه ليس السبب الرئيسي لربط فانوس الإنارة بشهر رمضان المبارك، فمن بين الحكايات التي رويت أنّه كان من عادات الخليفة في يوم رؤية هلال شهر رمضان المبارك أن يتوجه ومعه الشعب متمثلين في أسر كاملة والأطفال في فرحة لرؤية الهلال حاملين الفوانيس للإنارة، وكان الخليفة يجوب شوارع القاهرة شرقًا وغربًا ووراءه الجموع  الغفيرة فرحين مغنين أغاني الفرحة بقدوم شهر رمضان المبارك حتى يصلوا إلى منطقة المقطم لاستطلاع هلال شهر رمضان المبارك.

كما أن الخليفة كان يأمر بإنارة الشوارع والمساجد بالفوانيس طوال شهر رمضان المعظم ،  ابتهاجًا بالشهر الفضيل، وتسهيلًا على المصلين الاتجاه للصلاة في المسجد طوال ليالي الشهر المبارك  ، وكان هذا باستخدام فانوس على باب كل مسجد وفي الطرقات المؤدية للمساجد.

إستخدم الفانوس فى صدر الإسلام في الإضاءة ليلاً للذهاب إلى المساجد وزيارة الأصدقاء والأقارب ،  وقد عرف المصريون فانوس رمضان فى الخامس من شهر رمضان عام 358 هـ  ، وقد وافق هذا اليوم دخول المعز لدين الله الفاطمى القاهرة ليلاً  ، فاستقبله أهلها بالمشاعل والفوانيس وهتافات الترحيب  ، وقد تحول الفانوس من وظيفته الأصلية فى الإضاءة ليلاً إلى وظيفة أخرى ترفيهية إبان الدولة الفاطمية ،  حيث راح الأطفال يطوفون الشوارع والأزقة حاملين الفوانيس ويطالبون بالهدايا من أنواع الحلوى التى ابتدعها الفاطميون، كما صاحب هؤلاء الأطفال  بفوانيسهم  المسحراتى ليلاً لتسحير الناس، حتى أصبح الفانوس مرتبطاً بشهر رمضان وألعاب الأطفال وأغانيهم الشهيرة فى هذا الشهر ،  ومنها وحوي يا حوي .

ازدهرت صناعة الفوانيس كثيرا  في القاهرة الفاطمية ،  وأصبحت ضرورة من ضرورات الحياة اليومية، فقد أمر الخليفة بتعليق فانوس أمام كل منزل  ، وكان يعاقب من لم ينفذ أوامره بإنارة الطريق أمام منزله، ولكنها ارتبطت بشكل أكبر وأجمل بشهر رمضان الكريم ، كما أصبحت صناعة الفوانيس حرفة يعمل بها الحرفيون طوال العام لصناعة فوانيس رمضان بأشكال مميزة  ، ويخزنونها من أجل موسم شهر رمضان المبارك لبيعها والتكسب منها.

وأتخذ الفانوس اشكالا متعددة ، فنجد فانوس رمضان في بدايته كان يدور حول الشمعة المضاءة التي وُضعت على قاعدة خشبية ومحاطة بشيء يحافظ على شعلة الشمعة من الانطفاء بسبب الهواء، وبتحول الفانوس إلى صناعة أصبح محاط بصفيح رخيص الثمن، ثم بدأت النقوش والزخارف تُزاد على جسم الفانوس لتزيينه، وقد امتازت هذه الفترة في التاريخ المصري بجمال فنون الزخارف والرسومات على المعدن والزجاج يظهر جليًا في نقوش المساجد والقطع الأثرية في القصور، ولعل شارع المعز لدين الله الفاطمي يضم أجمل المباني ولا تزال هذه الحرفة نشطة  فيه إلى الآن.

تطور فانوس رمضان وأضاف الحرفيون عليه تفاصيل جعلت منه قطع فنية بديعة  ، وتعمقت صلته بشهر رمضان المبارك بتصميماته المميزة وزخارفه البديعة، وأصبح الفانوس أكثر ارتباطًا برمضان بعد أن كان مجرد وسيلة إنارة للشوارع والبيوت، بحيث تطورت طريقة إنارته مع الوقت ، وأصبح يعتمد على الفتيل والزيت بدلًا من الشموع، غير أنّ أحجامه اختلفت وأصبح يتوفر منه كل الأحجام.

تفنن الصانع المصري والذي اتخذ من مناطق بعينها مجالا خصبا لصناعته ،  ومنها منطقة باب الخلق التى يتمركز فيها شيوخ الصناعة وأشاوستها والمتخصصين فى إعداد الفانوس فى أشكال شتى وأنماط متعددة  لكل منها إسم معين، وفي الفوانيس كبيرة الحجم كان الحرفي يحرص على تسجيل إسمه عليها، فأصغر فوانيس رمضان حجماً يسمى (فانوس عادي أو بز) وهو فانوس رباعي الشكل وقد يكون له باب  ذو مفصلة واحدة يُفتح ويًغلق لوضع الشمعة بداخله، أو يكون ذو كعب ولا يتعدى طوله العشرة سنتيمترات، أما أكبر الفوانيس  فيسمى (كبير بأولاد) وهو مربع  وفي أركانه الأربعة فوانيس أخرى أصغر حجماً، و (مقرنس أو مبزبز كبير) وهو بشكل نجمة كبيرة متشعبة ذات إثنى عشر ذراعاً ،  ومن الفوانيس ما هو (عدل) ويتساوى إتساع قمته مع قاعدته، ومنها ما هو (محرود) وتنسحب قمته بضيق نحو قاعدته  ، ومن ثم فقد تعددت أسماء الأشكال الأخرى لفانوس رمضان، فمنها ، مربع عدل – مربع محرود – مربع برجلين – مسدس عدل – مسدس محرود – أبو حشوة (وله حلية منقوشة من الصفيح أسفل شرفته ) – مربع بشرف (أي له شرفة منقوشة من الصفيح حول قمته) – أبو لوز ويُطلق عليه فانوس فاروق أو فانوس أبو شرف  ، وهو يُشبه فانوس بز ،  لكنه أكبر منه فى الحجم – أبو حجاب – أبو عرق – مقرنص الذى تكون جوانبه على شكل المقرنصات الموجودة بالمساجد – شقة البطيخة (مربع أو مدور) – شمسية بدلاية – البرلمان – تاج الملك ، ومن الفوانيس ما يتخذ شكل الترام والقطار والمركب والمرجيحة ،  وهذه يعلق بها عدد من فوانيس البز الصغيرة لتدور حولها مشابهة لمراجيح الموالد والمواسم والأعياد.

وقد ظهرت أشكال جديدة ودخيلة من الفوانيس، والتى يتم استيرادها من الصين وتايوان وهونج كونج، وهي مصنوعة  ميكانيكياً  من البلاستيك وتتخذ أحجام تبدأ من الصغير جداً  ، والذى قد يُتخذ  كميدالية مفاتيح  ، ومنها الأحجام المتوسطة والكبيرة نسبياً، وتُضاء جميعها بالبطارية ولمبة صغيرة، وتكون أحياناً على شكل عصفورة أو جامع أو غير ذلك من الأشكال التى تجذب الأطفال، ومزودة بشريط صغير يُردد الأغانى والأدعية الرمضانية، فضلاً عن بعض الأغانى الشبابية المعروفة للمغنيين الحاليين ، ولا شك أن هذه الأنواع الدخيلة تُهدد الصناعة المحلية التى تميزت بإنتاج الفانوس الشعبي ذو القيم الجمالية الأصيلة ،  والذى يحمل رموز وإبداعات الشعب المصري عبر التاريخ،  فالفانوس الصيني في الفترة الاخيرة بدى متفوقاً من خلال أشكاله وأحجامة وسعرة التنافسي  ، حيث بدأت المحال التجارية في مصر  في عرض فوانيس شهر رمضان المبارك مبكراً ابتهاجا بقدوم الشهر الكريم،

أما وضع الفانوس المصري في الشوارع والأزقة فيمكن رصده عقب الإفطار وعند قدوم المسحراتي ،  حيث اعتاد الأطفال بعد ذلك على حمل فوانيسهم ومصاحبة المسحراتي ليلاً لإيقاظ الناس من النوم لتناول وجبة السحور، مرددين نشيد (إصحى يا نايم وحد الدايم)  ، وعلى مر السنوات المتوالية أصبح الفانوس مرتبطاً بشهر رمضان.

فقد كان الأطفال في العصر الماضي قبل انتشار الكهرباء يستمتعون بالفانوس، حيث كان يستمتع كل طفل بالإضاءة التى يحصل عليها من فانوسه ، و كانوا يخرجون للشوارع بعد الإفطار إذ تكون الشوارع مظلمة إلا من أنوار فوانيسهم ، و كانوا يجتمعون معاً ويغنون بعض الأغاني مثل “وحوي يا وحوي”، ويستمتعون باللعب معاً أو يذهبون لزيارة أحد الكبار ليحكي لهم حكاية.

و ساعد اهتمام الناس في العصر الفاطمي بالاحتفالات الدينية على توطيد الصلة بين الفانوس ورمضان ليطلق عليه  بعد ذلك اسم  فانوس رمضان  ، وأصبح استخدامه لا يتوقف على إنارة الطريق لاستقصاء الهلال فقط ،  بل أصبح وسيلة احتفال وزينة مخصصة للشهر الفضيل، كما استخدمه المسحراتي في تنبيه الناس ليلًا لموعد السحور .

 استمرت صناعة فانوس رمضان بل وتطورت وانتشرت خارج مصر في الدول العربية الأخرى، وأصبحت رؤية فانوس رمضان بشارة فرحة قدوم أفضل الشهور وأعظمها على الإطلاق ، فصناعة فانوس رمضان صناعة تمتد طوال العام، وقد أبدع صناعه في تصميمه وتطويره عامًا بعد الآخر بحيث كان دائمًا يواكب التطورات والأحداث، فقد  تطورت إنارة فانوس رمضان ، وأصبحت تعتمد على البطاريات واللمبات الصغيرة الملونة، بل وأصبح الفانوس يغني أغاني رمضانية أيضًا.

وقد تولت بعض الدول الصناعية الكبرى  تصنيعه ،  لكثرة الطلب عليه كل عام دون تناقص، ولكن تظل القاهرة التي ولد فيها فانوس رمضان منذ قرون هي المكان الأشهر والأكبر والأفضل لصنع فانوس رمضان التقليدي المميز،  وذلك في منطقة “تحت الربع” حيث تتواجد بها ورش تصنيع فوانيس رمضان التي يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد وتعمل بها عائلات بأكملها .

الغردقه - شارع الشيراتون القديم بجوار فندق روما علي البحر - تليفون  0653447115  موبايل  - 01020238453

عن heidi1news

شاهد أيضاً

د شيرين العدوي تكتب : ألف

هل نحن مستعدون للتفكير فى حياتنا، وقراراتنا، وما نخفيه داخل أعماقنا؟! هل نعيش حياتنا بصدق؟ …