مع قدوم شهر رمضان الفضيل بأجوائه المميزة، ليهل علينا بتباشير الرحمة والغفران، وبث الفرحة والسرور في قلوب المسلمين ، ومن ملامح شهر رمضان المميزة زينة رمضان ، التي تعيد لنا روايح الطقوس الرمضانية التي اعتدنا عليها دوما ، ونشعر معها بالأجواء الرمضانية، وتملأ المكان بروحانيات هذا الشهر الكريم ، فمنذ بداية نسايم الاحتفال بشهر رمضان الكريم ، بدأت زينة رمضان في الظهور بالمنازل والشرفات والطرقات، بألوان مبهجة مريحة للقلب والعين ، سواء كانت الزينة، والفوانيس، و الأقمشة التراثية الملونة، وكذلك الأهلّة وحبال الإضاءات المبهجة ، فكلّها مظاهر تعكس الرغبة في التعبير عن السعادة بحلول شهر رمضان المبارك ، والأجواء الروحانية التي يشيعها، ومن الملاحظ أنّ زينة رمضان أخذت في الازدياد عاماً بعد عام.
ولكن ما هو أصل زينة رمضان ، اختلفت الروايات حول زينة رمضان، وهل كانت خاصة بالمساجد ، أم منتشرة في الشوارع والطرقات أيضا ، و ما هي أصولها ؟
تشير بعض الكتابات إلى أن زينة رمضان تقليد رسمي في الأساس، في عهد الدول الإسلامية التي حكمت مصر من الفاطمية والمماليك وغيرهم، ويعد العهد الفاطمي هو الأكثر ارتباطا بالاحتفاء بالمظاهر الدينية، حيث كانوا يعلقون الفوانيس في الشوراع، بجانب أشكال الزينة المختلفة.
ولكن اختلف المؤرخون حول بداية تزيين الدور والطُرقات لاستقبال شهر رمضان والاحتفال به، كما أنّ عصور التاريخ الإسلامي شهدت عادات وطقوساً مُختلفة لدى المُجتمعات الإسلامية والعربية ، وتأصلت مع الزمن باختلاف الغايات،
بحسب دراسة تاريخية لعضو اتحاد المؤرخين العرب، إبراهيم عناني، ترجع أصول زينة رمضان إلى الليالي الدينية في الدولة الفاطمية، وكانت تسمى ” ليالي الوقود” ، ويقوم الناس برفع القناديل والفوانيس فوق المآذن ساعة الإفطار ، ويتم إنزالها يوميا عند ساعة الإمساك.
كما ذكرت العديد من الدراسات أن الزينة تطورت في العصر الحديث بعد دخول الكهرباء في نهاية القرن التاسع عشر، كما يرجع الاحتفال في مصر بشهر رمضان مع بداية الدولة الفاطمية ، فقد كانوا يحتفلون به من خلال فتح أبواب الأزقة والشوارع والمدينة كلها حتى صباح اليوم التالي، ويتم تزيين الشوارع بلافتات عليها شعارات الدولة واسم الحاكم مع إنارة المساجد بالمسارج ، ثم اتخذت شكلا جديدا مع الفانوس الذي تم اختراعه لاستقبال المعز على أبواب القاهرة وهو قادم من تونس عام 262 هجرية .
ولكن هناك روايات تؤكد أن أصل زينة رمضان يعود إلى الصحابي الجليل تميم بن أوس الداري، حيث يعتقد أنه أول من رسخ فكرة زينة رمضان ،
وذلك عندما أنار المساجد بقناديل كل ليلة جمعة، باعتباره يومًا مقدسًا عند المسلمين، حسب ما جاء في كتاب “دليل الأوائل” للكاتب إبراهيم مرزوق .
ولكن تشير الكثير من الروايات إلى أن الخليفة عمر بن الخطاب هو أول من زين المساجد وأنارها مع قدوم شهر رمضان، حتى يتمكن المسلمون من إحياء الشعائر الدينية أثناء الليل ، حيث أن فكرة الزينة اعتمد عليها الصحابي وخليفة المسلمين عمر بن الخطاب الذي أمر بتزيين كل مساجد الدولة احتفالا بقدوم شهر رمضان وإضاءة جميع المساجد لتمكين المسلمين في شتى بقاع الدولة من أداء صلاة التراويح بسهولة، ومن هنا أصبحت تلك العادات «رمضانية» دائمة ومستمرة .
أما الزينة في الشوارع فبدأت في عهد الدولة الطولونية، حيث أمر خلفاؤها بتزيين الشوارع بالقناديل إلى جانب المساجد احتفالا بقدوم شهر رمضان ، واستمرت خلال العصور التي تلت عهد الدولة الطولونية ، لكن الموضوع أخذ شكل أكبر وأشبه بالشكل الموجود في شوارع مصر حاليا، وكان هذا في عهد الدولة الفاطمية التي انتشر فيها كثير من عادات المصريين في الاحتفالات مثل حلاوة مولد النبي والفوانيس وزينة الشوارع وغيره.
ويتضح هنا أن فكرة تزيين الشوارع للاحتفال بشهر رمضان بدأت مع فترة عهد الدولة الطولونية، حيث أمر الخلفاء بتزيين الشوارع بالقناديل بجانب تزيين المساجد، حسب ما جاء في كتاب “أبوبكر الجصاص ” باب الإجماع ،والذي توفي عام 370هـ ، وأكد فيه الاحتفال بالأعياد وشهر رمضان في القرن الرابع وأوائل الخامس الهجري ، أي خلال فترة تأسيس الدولة الطولونية ، حيث ظهرت فيها العديد من المظاهر مثل إضاءة الساحات وتزيين الشوارع أثناء شهر رمضان والأعياد .