يعد صوت المدفع من أهم الطقوس الرمضانية في مصر باعتباره الوسيلة المفضلة لإعلان موعد الافطار لحظة مغيب الشمس ، معلنا بذلك انتهاء الصوم ، فقد إعتاد المسلمون على سماع مدفع رمضان إيذاناً بانتهاء الصوم وحلول وقت الإفطار في شهر رمضان من كل عام، وهو تقليد متبع في العديد من الدول الإسلامية، وكان قديما يقوم جيش البلد بإطلاق قذيفة مدفعية صوتية لحظة مغيب الشمس ، معلنًا فك الصوم خلال شهر رمضان ، وينتظر المسلمون شهر رمضان الكريم لسماع صوت مدفع الإفطار عند مغيب الشمس ، حيث يجتمع شمل العائلة قبل ضرب المدفع استعدادا للإفطار، وقبل وبعد اطلاقه يهلل الاطفال “مدفع الإفطار .. اضرب” ، “مدفع الإمساك … اضرب” ، مع هذه الكلمات التي يسمعها المسلمون بعد غروب شمس وقبل طلوع فجر كل يوم من أيام شهر رمضان ، يتناول المسلمون إفطارهم، ويمسكون عن تناول السحور منذ أكثر من 570 عامًا ، تلك الكلمات التي عاشت في وجدان كل المصريين ، وخاصة الأطفال .
كما يقوم التليفزيون المصري طوال شهر رمضان بإذاعة صوت المدفع ، يسبقه الصوت الشهير “مدفع الإفطار .. اضرب”.
كما يقوم الأطفال بشراء المفرقعات ( البمب ) ويقومون بضربه قبل أذان المغرب، حيث أصبحت هذه الظاهرة في كل بيت مصري وإحدى الطقوس الرمضانية المفضلة.
و قد حرصت الأمة الإسلامية على عدة طقوس وعادات خلال شهر رمضان المبارك، حتى أصبحت جزءًا أساسيًا من هذا الشهر العظيم، وخاصة المصريين الذين يضيفون نكهة خاصة لكل مناسبة ولكل عيد، وعند ظهور هلال رمضان يبدأ المصريون في استقباله بأغاني رمضان الخاصة، والزينة، والروحانيات، وأعمال الخير، ومدفع رمضان، والياميش، والمسحراتي، والفانوس، والخشاف، والتمر والعرقسوس ، وغيرها الكثير ، لذلك فإن أجواء ومظاهر رمضان في مصر لا تنتهي، ونحن جميعنا نشأنا على هذه العادات، ولكن الكثير منا لا يعلم أصول تلك الطقوس الرمضانية ، وكيف أصبحت ميراثا يتوارثه الأجيال جيلا بعد جيل ، حتى اعتاد عليه الأبناء والاحفاد ، بل وأصبح جزءًا لا يتجزأ من عاداتنا بحلول شهر رمضان الكريم .
وارتبط مدفع رمضان بوجدان المصريين على مدى حوالي قرن ونصف القرن، وأول مدفع تم توظيفه يحظى بمكانة كبيرة خاصة لدى سكان الخليفة والحسين والقلعة ، وإلى الآن فإن هذه الأحياء وما حولها تسمع انطلاق المدفع ، حتى بعد أن تحول مركز انطلاقه إلى الدراسة ، و أما المدفع القديم فما زال جزءا رئيسيا من متحف الشرطة بقلعة صلاح الدين على ارتفاع 170 مترا ، وهو موضوع على قاعدة حديدية تتوسطها عجلة لتحريك ماسورة من الصلب ، وكان صوته عندما ينطلق يتردد في الأفق لمسافة 10 كيلومترات.
ولكن الكثيرون لا يعرفون متى بدأ هذا الطقس الرمضاني ، ولا قصة استخدام هذا المدفع، وهناك العديد من القصص التي تروى حول موعد بداية هذه العادة الرمضانية التي أحبها المصريون وارتبطوا بها، ونقلوها لعدة دول عربية أخرى. وحتى علماء الآثار المصريون مختلفون حول بداية تاريخ استخدام هذا المدفع .
ويرجع أصل مدفع رمضان منذ فجر الإسلام، عندما كان يؤذن الصحابي الجليل بلال بن رباح، في المسلمين أوقات المغرب (الإفطار)، والفجر (الإمساك)، ثم تطورت أشكال التنبيه للصائمين في موعد الفطار والسحور، حتى وصلنا إلى مدفع رمضان.
وبحسب كتاب ” شهر رمضان في الجاهلية والإسلام” فإن مدفع رمضان انطلق في بدايته في مصر، وبعدها انتقل إلى مدن الشام الكبرى مثل دمشق والقدس وبغداد، لكن البداية الفعلية في مصر، و لكن اختلفت عليها عدة روايات.
الرواية الأولى:
تقول إن إطلاق مدفع رمضان بدأ في عصر دولة المماليك سنة 865هـ، أثناء حكم السلطان خوشقدم، والذي كان يجرب مدفعًا جديدًا ، جاء هدية للسلطان من صديق ألماني وقد صادف إطلاق المدفع وقت المغرب بالضبط حيث أرادوا اختبار صلاحية أحد المدافع عند غروب شمس أول أيام شهر رمضان، فظن الناس أنه تقليد جديد بدأه السلطان للتنبيه بموعد الإفطار، فخرجت جموع الأهالي إلى مقر الحكم تشكر السلطان على هذه البدعة الحسنة التي استحدثها، وعندما رأى السلطان سرورهم قرر المضي قدما في إطلاق المدفع كل يوم إيذانًا بالإفطار طوال شهر رمضان الكريم.
الرواية الثانية: تقول إن إطلاق مدفع رمضان بدأ في مصر أثناء حكم محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة سنة 1805، حيث أراد تجربة أحد المدافع الذي وصل إليه من ألمانيا في ساعة الغروب في أول أيام شهر رمضان، فقرر استمراره بعد أن صادف قبولا واستحسانا من المصريين.
الرواية الثالثة:
هناك أحد الروايات المشهورة والمتداولة عن أصل مدفع رمضان،و تدور أحداثها في عهد الوالي “محمد علي الكبير” الذي اشترى عدداً من المدافع الحربية ، في إطار خطته التي تهدف إلى إنشاء جيش مصري قوي، ولتجربة هذه المدافع قام الوالي بإطلاق أحدها في وقت صادف غروب شمس شهر رمضان الكريم، الأمر الذي جعل عامة الشعب يعتقدون بأن هذا المدفع تقليد جديد للاحتفاء بالشهر المعظم، لهذا عندما لم يطلق المدفع في اليوم التالي طالبوا الوالي بإطلاقه حتى يعرفوا موعد الإفطار، فوافق وأمر بإطلاق الذخيرة الحية مرتين من المدفع الكائن في القلعة المتواجدة في حي مصر القديمة ،
ورواية رابعه :
والتي تقول أن طقوس مدفع رمضان بدأت في عهد الخديوي إسماعيل ، حيث كان بعض الجنود في عهد الخديوي إسماعيل كانوا يقومون بتنظيف أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة على سبيل الخطأ وقت غروب الشمس ، وتصادف أن كان ذلك وقت أذان المغرب في أول أيام رمضان الكريم ، فظن الناس أن الحكومة اتبعت تقليدًا جديدًا للإعلان عن موعد الإفطار ، وقيل أيضا أن الأميرة فاطمة إسماعيل بنت الخديوي إسماعيل ، أمرت باستمرار المدفع بعد أن صادف القبول عند المصريين.
حكاية مدفع إفطار الحاجة فاطمة
الحاجة فاطمة هي الأميرة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل، وعرفت بحبها للخير والعلم وتبرعت بكامل أراضيها لإنشاء الجامعة الأهلية (جامعه القاهرة) ، وكذلك تبرعت بكل مجوهراتها الثمينة للإنفاق علي تكاليف البناء، وعندما كان الجنود يقومون بتنظيف أحد المدافع، فانطلقت قذيفة بالخطأ مع وقت أذان المغرب في أحد أيام رمضان فاعتقد الناس أنه نظام جديد للإعلان عن موعد الافطار ، فعلمت بهذا الامر فأصدرت فرمانا ليتم استخدام هذا المدفع عند الافطار والامساك وفي الأعياد الرسمية، وقد ارتبط اسم المدفع باسم الأميرة فاطمة .
وفي رواية أخرى عن المدفع، والتي ارتبط اسمه: “الحاجة فاطمة” أيضا ترجع إلى أيام حكم الوالي “خوشقدم” ، حيث كان جنوده يقومون باختبار مدفع جديد ، وكان الاختبار يتم أيضًا في وقت غروب الشمس، فظن المصريون أن السلطان استحدث هذا التقليد الجديد لإبلاغ المصريين بموعد الإفطار ، ولكن لما توقف المدفع عن الإطلاق ، ذهب العلماء والأعيان لمقابلة السلطان لطلب استمرار عمل المدفع في رمضان، فلم يجدوه، والتقوا زوجة السلطان التي كانت تدعى “الحاجة فاطمة” التي نقلت طلبهم للسلطان، فوافق عليه، فأطلق بعض الأهالي اسم “الحاجة فاطمة” على المدفع، واستمر هذا الإسم حتى الآن ، إذ يلقب الجنود القائمون على تجهيز المدفع وإطلاقه الموجود حاليًا بنفس الاسم ، وتقول رواية أخرى مفادها أن أعيان وعلماء وأئمة مساجد ذهبوا بعد إطلاق المدفع لأول مرة لتهنئة الوالي بشهر رمضان بعد إطلاق المدفع ، فأبقى عليه الوالي بعد ذلك كتقليد شعبي .
اسم مدفع “الحاجة فاطمة” لم يتغير إلي الآن ، فقد كان المدفع الأول إنجليزيًا، ثم تحول إلى ألماني ماركة كروب، ومؤخراً أصبحت تطلق خمسة مدافع مرة واحدة من خمسة أماكن مختلفة بالقاهرة، حتى يسمعه كل سكانها، لكن أدى اتساع وكبر حجم العمران وكثرة السكان وظهور الإذاعة والتليفزيون إلى الاستغناء تدريجيًا عن مدافع القاهرة، والاكتفاء بمدفع واحد يتم سماع طلقاته من الإذاعة أو التليفزيون، وأدى توقف المدفع في بعض الأعوام عن الإطلاق بسبب الحروب ، واستمرار إذاعة تسجيل له في الإذاعة ، إلى إهمال عمل المدفع حتى عام 1983 عندما صدر قرار من وزير الداخلية بإعادة إطلاق المدفع مرة أخرى، ومن فوق قلعة صلاح الدين الأثرية جنوب القاهرة، حيث أن استمرار شكوى الأثريين من تدهور حال القلعة وتأثر أحجارها بسبب صوت المدفع قد أدى لنقله من مكانه، خصوصًا أن المنطقة بها عدة آثار إسلامية هامة ، ويستقر المدفع الآن فوق هضبة المقطم، وهى منطقة قريبة من القلعة، ونصبت مدافع أخرى في أماكن مختلفة من المحافظات المصرية، ويقوم على خدمة مدفع ” الحاجة فاطمة” أربعة من رجال الأمن ، الذين يعدون البارود كل يوم مرتين لإطلاق المدفع لحظة الإفطار ولحظة الإمساك .
وكان أول مكان استقبل مدفع رمضان هو قلعة صلاح الدين بالقاهرة ، ومن ثم أمر الخديوى عباس والى مصر عام 1853 بوضع مدفع آخر يطلق من سراي عباس بالعباسية، ثم أمر الخديوى إسماعيل بوضع مدفع آخر ينطلق من جبل المقطم ، حتى يصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة ، وكذلك فى الإسكندرية تم وضع مدفع بقلعة قايتباى.
وقد استمر المدفع يعمل بالذخيرة الحية حتى عام 1859 ميلادية، ولكن مع امتداد العمران حول مكان المدفع قرب القلعة، وظهور جيل جديد من المدافع التي تعمل بالذخيرة “الفشنك” غير الحقيقية، أدى إلى الاستغناء عن الذخيرة الحية ، و أيضا كانت هناك شكاوى من تأثير الذخيرة الحية على مباني القلعة الشهيرة، ولذلك تم نقل المدفع من القلعة إلى نقطة الإطفاء في منطقة الدرّاسة القريبة من الأزهر الشريف، ثم نُقل مرة ثالثة إلى منطقة مدينة البعوث قرب جامعة الأزهر ، وقد تغيّر المدفع الذي يطلق قذيفة الإعلان عن موعد الإفطار أو الإمساك عدة مرات، بعد ذلك توقف نتيجة الزحف العمراني في المناطق المحيطة بالقلعة، وأصبحت تستخدم الذخيرة الغير حقيقية، تلك التي تصدر صوتاً قوياً فقط دون أي انفجار حقيقي.
كما تغير المدفع الرمضاني أكثر من مرة خلال السنوات الماضية ، لكن دون أن يفقد لقب “مدفع الحاجة فاطمة”، وقد تم وضع 5 مدافع حول قاهرة المعز حتى يسمع الجميع دويّه، لكن ذلك توقف نتيجة ظهور المذياع الذي أصبح يُعلم الشعب بموعد الإفطار والإمساك، وتوقف المدفع عن العمل فترة حتى العام 1983 ، ثم عادة مرة أخرى كطقس فلكلوري لا يتم الاستغناء عنه.
بعدما أصبح المدفع قطعة سلاح قديمة الطراز لا تستخدم فى الحروب أو خلافه، قرر المسئولون عن المدفع استبدال الذخيرة الحية بأخرى فشنك تصدر الصوت فقط وتؤدى الغرض منها ، وحتى هذا الصوت الفشنك توقف بعد ذلك ، فآخر مرة أطلق فيها المدفع كان عام 1992 ، حيث انه في مطلع الثمانينيات قررت السلطات إطلاق المدفع من “قلعة صلاح الدين الأيوبي” طوال رمضان في السحور والإفطار، إلا أن هيئة الآثار المصرية طلبت في بداية التسعينيات من وزارة الداخلية وقف إطلاقه من القلعة خوفا على المنطقة التي تعد متحفا مفتوحا للآثار الإسلامية، وحتى الآن يسمع المصريون صوت المدفع عبر الراديو أو عبر شاشات التلفزيون التى تعتبر من تراث وتقليد رمضان في مصر. ، و تحول مدفع القلعة الحقيقى إلى قطعة أثرية جميلة غير مستخدمة ، وما نسمعه فى الراديو أو نراه فى التليفزيون مجرد مؤثر صوتى ظل يتكرر لأكثر من عقدين كاملين .
وبدأت فكرة طقس إطلاق مدفع رمضان تنتشر في أقطار الشام والقدس ودمشق ومدن الشام الأخرى ثم إلى بغداد في أواخر القرن التاسع عشر، وبعدها انتقل إلى مدينة الكويت ، حيث جاء أول مدفع للكويت في عهد الشيخ مبارك الصباح، وذلك عام 1907، ثم انتقل إلى كافة أقطار الخليج قبل بزوغ عصر النفط ، وكذلك اليمن والسودان ، وحتى دول غرب أفريقيا مثل تشاد والنيجر ومالي ودول شرق آسيا ، حيث بدأ مدفع الإفطار عمله في إندونيسيا سنة 1944.
أما استخدام صوت المدفع فى الإذاعة، فجاء بعد تأسيسها عام 1934، وأيضا نقله التليفزيون المصرى عام 1960، وهو صوت مدفع الإفطار والإمساك، وكان يطلق 21 طلقة خلال أيام العيد.
وقد كان في القاهرة ٦ مدافع في أربعة مواقع، ٢ في القلعة، و٢ في العباسية، وواحد في مصر الجديدة، والأخير في حلوان، تطلق جميعها في نفس الوقت ليسمعها جميع سكان القاهرة، وهذه المدافع كانت تنطلق في خمس مناسبات فقط، وهي “شهر رمضان، المولد النبوي الشريف، عيد الأضحى، ورأس السنة الهجرية، وعيد الثورة” ، وكان خروجها في احتفال كبير على سيارات تسحبها الخيول.
وقد تم نقل المدفع من القلعة إلى نقطة الإطفاء في منطقة الدراسة القريبة من الأزهر الشريف، ثم نقل مرة أخرى إلى منطقة البعوث قرب جامعة الأزهر، ويستقر المدفع فوق هضبة المقطم القريبة من القلعة، بجانب المدافع المتواجدة بعدة محافظات ، حيث تغيّر المدفع الذي يطلق قذيفة الإعلان عن موعد الإفطار أو الإمساك عدة مرات .