مع إنطلاق مدفع رمضان يُسرع المصريون إلى تناول مشروبات تروي عطشهم بعد صيام يوم طويل ، خاصة إذا جاء رمضان في فصل الصيف ، وحتى لو جاء كذلك في فصل الشتاء ، فقد أصبح أول شيء يوضع على مائدة الإفطار هو المشروب الغني بالبلح والمكسرات والذي يطلق عليه إسم ( الخشاف ) ، وكذلك يوضع على مائدة المصريين مشروب قمر الدين ، وأما الخشاف فهو غني بالمكسرات والزبيب وغيرها من ياميش رمضان، ليتربع الياميش على المائدة الرمضانية ، ويكون ضيفها الدائم كل يوم ، فمظاهر شهر رمضان الكريم ليست طقوس روحية فقط ، فهناك العديد من الطقوس والعادات التى تناقلها المصريون خلال الشهر الكريم عبر عقود مختلفة، إستمر بعضها باستمرار الاحتفال بالشهر المبارك حتى أصبح من علاماته المميزة، ومنها “ياميش رمضان”.
( افرحوا يا بنات يلا وهيصوا رمضان أهو نور فوانيسه، ياحلاوة التين والقمر الدين وأكياس النُقل وقراطيسه ) ، تلك أغنية مصرية شهيرة تعلو نغماتها دائماً في شهر رمضان المبارك، وتذكرنا جميعاً بما يعرفه المصريون بـ”ياميش رمضان”، تلك الفاكهة المجففة والمكسرات التي يحرص الجميع في البلدان العربية على شرائها مع قدوم شهر رمضان الكريم، حيث يعد الياميش من أكثر الطقوس الرمضانيه المصرية أصالة ، ويعتبر شراء «الياميش» الرمضاني شيئا أساسيا لصنع الخشاف و كذلك أنواع أخرى من الحلويات الرمضانية.
فلن تجد ألذ من شرب كوب “قمر الدين” أو كوب ” خشاف ” يدخل جوفك وتكسر به صيامك وتسد به ظمأك وتنعش به روحك ، فتبدأ فى تناول ملعقة تضم قطع التمر مع الزبيب والمشمشية والقراصيا، وياحبذا لو كان الخشاف يحتوي على بضع من المكسرات ، لتبدأ بعدها أداء صلاة المغرب ، ثم تناول كل ما لذ وطاب من طعام، فالخشاف صديق لا غنى عنه على كل مائدة إفطار ، وإن كنت مِن مَن لا يفضلون كوب الخشاف فقد خسرت الكثير .
ومن خلال سلسلة ” طقوس رمضانية ” التى أقدمها لكم يوميا وأبحث لكم فيها عن أصل العديد من الطقوس الرمضانية الدينية والاجتماعية خلال الشهر الكريم، نتحدث اليوم عن “ياميش رمضان” وما هو أصوله وما هي حكايته.
يعتقد العديد من علماء التاريخ أن تناول الياميش يعود إلى قدماء المصريين الذين صنعوا الحلويات وزينوها ليأكلها الأطفال ،فيما تذهب بعض المراجع والموسوعات التاريخية إلى أن الياميش مصطلح يطلق على الفواكه المجففة والمكسرات، واشتقت كلمة ياميش من اللهجة المصرية، وتَم استخدامها فى العهد الفاطمى، أما الآن فتناول الياميش من العادات الرمضانيّة التى سرعان ما انتشرت فى الوطن العربى.
والياميش هي كلمة مصرية استخدمت في العصر الفاطمي، ومعناها هي الفواكه المجففة والمكسرات، ويعد المشمش المجفف والتين وجوز الهند والبندق والفول السوداني والكاجو من بين الأنواع الرئيسية للياميش.
و يشتهر الشعب المصري بأنه شعب ذواق، فلا تتعجب إذا عرفت أن قدماء المصريون كانوا يتناولون المكسرات والياميش ، فكانوا يصنعون الحلوى على شكل الإله (بس) إله الضحك واللعب عند الأطفال، ولقد أعيد إحياءه و إستخدام المكسرات وأنواع الياميش المختلفة مع دخول الفاطميين لمصر .
وكان الخلفاء في العصر الفاطمي يوزعون الياميش على الفقراء طوال شهر رمضان، حيث بدأ المصريون عادة شراء ياميش رمضان في عهد الدولة الفاطمية في الفترة 365 هـ – 567 هـ التي حكمت مصر قرابة قرنين من الزمان.
ومن أشهر وأقدم أسواق الياميش مبيعًا في مصر منطقة وكالة قوصون التي أسسها الأمير سيف الدين قوصون في شارع باب النصر خلال القرن الثامن عشر الهجري ، حيث كان السوق مقصدًا لمعظم التجار القادمين من سوريا وبضائعهم من الزيت والصابون والفستق والبندق والجوز ليتم بيعها قبل رمضان.
وفي القرن التاسع الميلادي إنتقلت تجارة المكسرات من وكالة قوصون إلى وكالة مطبخ العمل بالتمبكشية بحى الجمالية ،والتى خصصت لبيع أصناف الياميش،
وانتقل سوق الياميش في القرن التاسع إلى منطقة الجمالية ثم بولاق أبو العلا، ثم إلى روض فرج، ومن ثم إلى سوق السكرية، التي تبيع أصناف من الياميش والمشروبات والتي وفرت السلع الرئيسية كنوع من الترفيه وأيضاً للضيوف، كما كان يُعطى الياميش للأطفال الذين يحملون الفوانيس ويتجولون وسط المنازل وهم يغنون أغاني رمضان الشهيرة.
أما في الوقت الحالي فإذا كنت ترغب فى شراء ياميش رمضان فلا تتردد فى زيارة سوق البلح بحي روض الفرج بشبرا ، وحي بين السورين بالجمالية ، لتنعم بكل الخيارات وكل ما هو طازج وجيد .
ويشمل الياميش الجوز ، عين الجمل ،والبندق ، واللوز والفستق، وكلها مواد مغذية غنية بالبروتينات والدهون والزيوت، ومن الفواكه المجففة الزبيب ، والمشمش (العنب المجفف الخالى من البذور) ، والمشمش المجفف (القيسى) ، وقمر الدين ،والتين المجفف، والأراصيا الغنية بالسكريات والفيتامينات والمعادن والألياف.
وبحسب كتاب “شهر رمضان فى الجاهلية والإسلام” للكاتب أحمد المنزلاوى، فإن كلمة “ياميش” خلت منها القواميس العربية، وقيل إنها تعنى بالتركية الثمار الجافة، كالتين والبلح وغيرهما، وقد أستخدمت فى مصر للدلالة على الجوز واللوز والبندق والتمر والزبيب وقمر الدين وغيرها من أطعمة شهر رمضان.
وكانت وكالة قوصون بشارع باب النصر أشهر أسواق بيع الياميش فى مصر، خلال القرن الثامن الهجرى، الموافق القرن الرابع عشر الميلادى، ويأتى إليها التجار من الشام ومعهم بضاعتهم لبيعها قبل حلول الشهر الكريم، ثم انتقلت سوق الياميش فى القرن التاسع الهجرى إلى الجمالية ثم وكالة البلح ببولاق أبو العلا، وساحل روض الفرج.
ويعتقد بعض العلماء أن أصل كلمة ياميش ترجع إلى تركيا وتعني “الفواكة المجففة” ، أما كلمة “خشاف ” فقد إختلف على أصلها العلماء، ففي اللغة التركية تعني “منقوع التمر” وفي الفارسية تعني “الشراب اللذيذ” ، والخشف فى اللغة العربية يعني “الثمار الجافة أو اليابسة”، ورغم الإختلاف حول أصل التسمية إلا أن الجميع إتفق على حلاوة الطعم وإرتفاع قيمته الغذائية.
فقيمة ياميش رمضان الغذائية لا يمكن أن يضاهيها أي شئ آخر ، فعلى سبيل المثال تجد ان فواكه رمضان المجففة تحتوي على فيتامينات “هـ” و “ب2” ، والماغنسيوم ، والنحاس ، والفوسفور ، والبروتين ، والدهون الأحادية غير المشبعة ، وحمض الفوليك ، وفيتامين ب3 ، و أوميجا3 ، والمنجنيز في المكسرات الرمضانية ، والحديد، وفيتامينات “أ” و “ج” ، وحمض الفوليك، والبوتاسيوم ، وفيتامين “ج” ، إضافة إلى الحديد ، والبوتاسيوم ،والفلورايد ، في التمر ، فلا تتردد في تناولهم لتثري في جسدك بكل تلك الفوائد.
وقد أبدع المصريون في استخدام ياميش رمضان خلال شهر رمضان ، فتجده منقوعاً وقد لقبوه بإسم سيد العصائر في رمضان، كما يستخدمونه في ” حشو القطايف والمكسرات، ويبدع البعض ليضعه داخل العديد من الحلويات ، مثل صناعه البسكويت ، والكيكات والمهلبية والأرز باللبن لزيادة قيمتهم الغذائية للأطفال .
لذلك فأيا كانت الطريقة التى تتناول بها الياميش فأنك لن تستطيع الاستغناء عنه ، ولن تشعر بفرحة رمضان إلا من خلال وجوده على مائدة إفطارك .