أخبار عاجلة

طقوس رمضانية  “أسواق رمضان زمان” ..  بقلم هبه عبد الفتاح

منذ بدء الإستعداد لإستقبال شهر رمضان الكريم، نجد حركة نشاط غير عادية في الأسواق المصرية، ومن أشهرها سوق «البلح» بحي روض الفرج بشبرا، الذي يباع فيه ويشترى كافة أصناف البلح من كل بقاع مصر، إضافة إلى أسواق المكسرات والياميش وقمر الدين بحي «بين الصورين»، وسوق «الفوانيس» بمنطقة تحت الربع، وسوق الملابس بالعتبة والموسكي، ولكن الأسواق في مصر  قديما كانت حكاية أخرى ، فقد كان لها أشكال وعادات وتقاليد مختلفة.

فبرغم روحانيات شهر رمضان الكريم  ،إلا أن المصريين جعلوا لهم  طقوسًا اجتماعية مميزة، خاصة فيما يتعلق بالأسواق وشراء مستلزمات الشهر الكريم ، وكذلك الأطعمة المميزة فيه، فمنذ مئات وربما آلاف السنين تستمر الحياة كما هى بنفس تلك الطقوس الرمضانية ، حيث تعيش  أسواق القاهرة فى وجدان الشعب رغم ارتفاع الأسعار، والتى لم تقهر عادات المصريين فى هذا الشهر المبارك .

و لم يترك الأدباء أى مناسبة إلا وكتبوا عن الأسواق في شهر رمضان الكريم،  أو وصفوها بكل ما فيها، فمنهم من نظم القصائد ، وآخرون لّمحوا إليها فى قصصهم أو روايتهم، بينما حاول البعض البحث والتعمق فى تفاصيل هذه الأسواق منذ البداية وحتى الوقت الحاضر .

حيث  أصدر الكاتب أحمد الصاوى كتابا له تحت عنوان «رمضان زمان» ، و عرض من خلاله كل مظاهر الاحتفال بهذا الشهر منذ  أول أيامه وحتى نهايته، فقد قال الكاتب أحمد الصاوى فى كتابه ،  أنه لو قيض القدر للقاهرة أن تحتفظ بأسواقها القديمة ، لعرفها العالم بوصفها مدينة الأسواق وليس مدينة الألف مئذنة.

حيث كانت مساحة القاهرة قديما صغيرة ، فلم تكن كبيرة بأى حال من الأحوال، فكان بها ٥٠ سوقا مفتوحة، ٣٣ مبنى مخصصا لأغراض التجارة تتنوع بين قيسارية أو خان أو فندق أو وكالة، وذلك كله خارجا عما كان فى الفسطاط وساحل بولاق وظواهر القاهرة، وكان كل أهل حرفة أو تجارة يجتمعون فى سوق خاص بهم ، وذلك تسهيلا لشيخ كل طائفة فى مراقبته لأبناء صنعته.

و من أشهر الأسواق التى ذكرها المؤرخ المشهور المقريزى هو «سوق القصبة»  ، أى سوق الشارع الرئيسى للقاهرة  ، وهو حاليا شارع المعز، فكان به ألف حانوت متخصصة في أنواع المأكل والمشرب والأمتعة التى تبهج رؤيتها، وقد تفرعت من هذا السوق أسواق صغيرة أخرى ،

 أهمها سوق بين القصرين، واعتبرت من أعظم أسواق الدنيا ،  ثم سوق السلاح ،  وسوق اللحميين أى الجزارين ، وسوق الجوخيين لتجارة أقمشة الجوخ ، وسوق الحلاويين ،  وسويقة أمير الجيوش ،  وسوق الصنادقيين،  والحريرين ،  والعنبريين ، والخراطين ، والقرابين لبيع قرب الماء.

 ولكن لم يتبق من هذه المنشآت التجارية التى تعددت مسمياتها إلي الآن بالعدد الكثير  ، فمنها ما يُعرف بالوكالة أو القيسارية أو الخان ، أهمها وكالة قايتباى قرب باب النصر  ، ووكالة الغورى بجوار الأزهر ،  وخان الخليلى بحى الجمالّية، وتعد وكالة الغورى أحسن هذه المنشآت اكتمالا وحفاظا ، فتتكون من فناء واسع مكشوف تحيط به أربعة أضلاع من البناء ،  كل منها مكون من خمسة طوابق ،  وكانت الأدوار السفلية مخصصة لعرض البضائع وتخزينها ، أما الأدوار العلوية فكانت معدة لسكن التجار الذى يجيئون من شتى أقطار الأرض.

و القاهرة منذ نشأتها  كانت مركزا للتجارة العالمية، وانعكس ذلك على حركة البيع والشراء بها، فأصبحت أسواقها أكثر بقاع القاهرة  ازدحاما وضجيجا ، وخلال شهر رمضان كان الازدحام والتكالب على الحوانيت من أكثر المظاهر تشويقا وإثارة فى سوق القاهرة، وخاصة حسبما لاحظ الرحّالون  ، حيث كانوا يشترون طعامهم مطهيا فى الأسواق، وكانت الفترة المحددة من الإفطار وحتى لحظة الغروب كان يسبقها صخب وتكالب يمتد إلى وقت السحور، واستمر هذا الوضع حتى قدوم  الفرنسية فى نهاية القرن الثامن عشر ، حيث كان يرجع ذلك إلى قلة الوقود اللازم لعمليات الطهي بالمنازل وارتفاع أسعاره .

وتحدث كتاب «معجم رمضان» لفؤاد مرسي   عن الأسواق في شهر رمضان بمصر قديما، راصدا عدد من أشهر الأسواق التي كانت تشتهر بها مصر في شهر رمضان، خاصة خلال فترة حكم المماليك والحملة الفرنسية على مصر.

فبمجرد مجيء شهر رمضان الكريم ، تنشط عددا من الأسواق المصرية ، ومن أشهرها سوق بين القصرين ، وسوق الشماعين بالنحاسين  ، والذي كان يمتد من جامع الأقمر إلى سوق الدجاجين في القاهرة، وكانت مشاهدة هذا السوق في الليل من الأشياء المحببة للمصريين ، وبفضل هذا السوق وتقاليد تجارته نشأت فوانيس رمضان التى نعرفها الآن  ، وسوق السكرية داخل باب زويلة ، وكان يعج بأنواع الياميش وقمر الدين ، وكان البدالون أي أصحاب البقالة يفرشون على أبواب محالهم الياميش وقمر الدين ، وأيضا سوق الحلاوين إذ كان من أبهج الأسواق ومن أجمل الأشياء منظرا، حيث كان يصنع فيه من السكر أشكال خيول وسباع وغيرها  ، والتي تسمى العلاليق ، وكذلك وكالة قوصون بشارع باب النصر، التي ترجع إلى القرن الـثامن الهجري، وكانت مقر تجار الشام، حيث  ينزلون فيها ببضائع بلاد الشام سواء الزيت والصابون والفستق والجوز واللوز والخروب ، ولكن  بعد هدم الوكالة في القرن الـتاسع  انتقلت تجارة المكسرات إلى وكالة مطبخ العمل بالتمبكشية بالجمالية ، وكانت مخصصة لبيع أصناف النقل كالجوز واللوز وغيرهما.

 ‏

وحالياً‏ ‏هناك‏ ‏عدد‏ ‏من‏ ‏الأسواق‏ ‏المصرية‏ ‏التي‏ ‏تنشط‏ ‏خلال‏ ‏هذا‏ ‏الشهر‏. ‏

ومن أشهرها ‏سوق‏ ‏البلح‏ ‏بحي‏ ‏روض‏ ‏الفرج‏ ‏بشبرا‏ ‏، حيث‏ ‏يباع‏ ‏ ‏ويشترى فيه  جميع أصناف‏ ‏البلح‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏بقاع‏ ‏مصر ‏، ‏إضافة‏ ‏إلي‏ ‏أسواق‏ ‏المكسرات‏ ‏والياميش‏ ‏بحي‏ ‏بين‏ ‏الصورين  و إذا كان «الياميش» و«الخضراوات والفاكهة» و«اللحوم والأسماك» أبرز ثلاثة اسواق تنشط فى رمضان ويزداد الإقبال عليها فى وقتنا الحالي، فما بالنا قديما حين كان يهل الشهر الكريم ، ولكن  أى الأسواق كانت تشهد رواجا قديما ؟

كانت أبرز الأسواق التى تنشط فيها الحركة خلال رمضان هي سوق الشماعين فى منطقة الغورية ، حيث كانت من أهم الأسواق فى القرنين الثامن والتاسع  الهجريين، إذ كان رمضان فرصة وموسم عظيم لشراء الشموع لايقادها فى الشهر الكريم، ولعل هذا يفسر وجود صناعة وبيع الشموع فى الغورية حتى الآن ، وهناك أيضا «سوق الحلاويين» والذى جاء اسمه من صانعى الحلويات، حيث كان هذا السوق مبهرا فى حد ذاته بسبب أنواع الحلوى التى كانت تباع فيه، وكذلك فقد  كان يزداد الإقبال قديما على سوق «السكرية» داخل باب زويلة بجوار سبيل نفيسة البيضا فى الغورية، والذى كان يمتلئ بمختلف أنواع المكسرات وقمر الدين، كما كانت وكالة قوصون في القرن الثامن الهجري  فى شارع باب النصر مقرا لتجار الشام،والذين كانوا يجلبون من بلادهم الزيت والصابون والجوز واللوز والخروب.

وربما قد يتعجب البعض عندما يسمع عن أكلة غريبة كانت تباع فى أسواق القاهرة زمان كطعام مميز لشهر رمضان، فقد كانت  أسواق القاهرة القديمة، ومنها سوق بين القصرين بالقرب من باب النصر، والذى كان يشهد فى أواخر رمضان عام 688 هجريًا زحامًا من الباعة للنداء على بضاعتهم وهم يبيعونها طوال الليل، حيث كانت سوقًا مكتظة بالخلق ومليئة بالصخب الذى كان يتوقف فى لحظة واحدة ، وذلك  إذا ما شعر التجار وعامة الناس بنزول المماليك إلى الشوارع للاقتتال ، وكان من غرائب ما يباع فى الأسواق من أصناف الطعام فى رمضان الدجاج المطبوخ بالسكر، وانتشار المحلات التى تبيع أصناف الياميش وقمر الدين وعلى رأسها سوق السكرية داخل باب زويلة ،  وبأسواق الشماعين تُعلق على واجهات الحوانيت وعلى جوانبها أنواع الفوانيس بالشموع، وكانت وكالة الأمير قوصون الساقى المنشأة حوالى عام 1340 م بالقرب من باب النصر مقرًا لتجار الشام .

سوق بين القصرين

أمدنا الرحالة المغربي «العبدري» بصورة حية لما كان عليه حال سوق «بين القصرين» في أواخر شهر رمضان من عام 788 هجرية ، إذا صادفه سوء الحظ فنزل بمدرسة «الكاملية» المطلة على السوق، فقال: «كنت قلما أرقد إلا منغصا لصياح الباعة وهم يبيعون طول الليل ، وقلما يكون طعام الشريف منهم والوضيع إلا من السوق، والطرق غاصة بالخلق حتى ترى الماشي فيها لا هم له سوى التحفظ من دوس الدواب إياه ، ولا يمكنه تأمل شيء في السوق، لأن الخلق مندفعون فيها مثل اندفاع السيل، وقد ضاعت لي بها دابة بسبب الزحام، وكان عليها شخص راكب فتكاثر عليه الزحام حتى أسقط عنها، واندفعت في غمار الخلق  ، ولم يمكنه التوصل إليها وهو يبصرها حتى غابت عنه، وكان آخر العهد بها».

ووفقا لـ«معجم رمضان»، كان هذا الصخب والضجيج يتوقف في لحظة واحدة، إذا ما شعر التجار وعامة الناس بنزول المماليك إلى الشوارع للاقتتال، وكثيرا ما كان يحدث ذلك، فيسرع أصحاب المتاجر إلى إغلاق أبواب حوانيتهم والهرب بحياتهم خلف أبوابها الضخمة، وتتحول الطرقات والدروب إلى مقبرة للصمت المخيف.

سوق «الشماعين»

كان يوجد العديد من الأسواق التي كانت تنشط فيها الحركة خلال شهر رمضان بشكل خاص، وبالتحديد خلال العصر المملوكي، وقال «المقريزي»: «كان سوق الشماعين بالنحاسين الذي كان يمتد من جامع الأقمر إلى سوق الدجاجين في القاهرة، من أهم الأسواق خلال القرنين الـثامن والتاسع  الهجريين، فكان به في شهر رمضان موسم عظيم لشراء الشموع الموكبية التي تزن الواحدة 10 أرطال أو أقل».

وأضاف المقريزي : «وكان أرباب سوق الشماعين يحتفلون بمقدم هذا الشهر بتعليق الفوانيس المتخذة من الشمع على واجهات الحوانيت وعلى جوانبها، وكانت أحجام الشموع تتنوع ما بين كبيرة وصغيرة فمنها شموع المواكب الكبيرة، ومنها ما يزن 10 أرطال، ومنها ما يحمل على العجل ويبلغ وزن الواحدة منها القنطار» ، وكانت مشاهدة هذا السوق في الليل من الأشياء المحببة للمصريين، وبفضل هذا السوق وتقاليد تجارته نشأت فوانيس رمضان التي نعرفها الآن.

سوق «السكرية»

لم يضاهي سوق «الشماعين» حركة ونشاطا في شهر رمضان سوى الأسواق والحوانيت التي كانت تبيع أصناف الياميش وقمر الدين ، وعلى رأسها سوق «السكرية» داخل باب «زويلة»، وكان يعج بأنواع «الياميش» و«قمر الدين ،  وكان  أصحاب البقالة يفرشون على أبواب محالهم الياميش وقمر الدين، وكانت رخيصة السعر في متناول الجميع، حتى كانت تقدم للضيوف في رمضان للتفكه والتسلية، بل كانت توزع على الأطفال الذين يسيرون في زفة بالفوانيس.

سوق «الحلاوين»

كان سوق «الحلاويين» تروق رؤيته في شهر رمضان، إذ انه كان من أبهج الأسواق ومن أجمل الأشياء منظرا، حيث كان يصنع فيه من السكر أشكال خيول وسباع وغيرها تسمى «العلاليق» ، و ترفع بخيوط على الحوانيت، فمنها ما يزن 10 أرطال إلى ربع رطل، وتشترى للأطفال، فلا يوجد أحد في السوق سواء كان فقيرا أو ثريا حتى يبتاع منها لأهله وأولاده.

وكالة “قوصون “

كانت وكالة «قوصون» بشارع «باب النصر»، التي ترجع إلى القرن الـثامن الهجري مقر تجار الشام، ينزلون فيها ببضائع بلاد الشام من الزيت والصابون والفستق والجوز واللوز و الخروب ، وبعد هدم الوكالة في القرن الـتاسع انتقلت تجارة المكسرات إلى وكالة مطبخ العمل بالتمبكشية بالجمالية، وكانت مخصصة لبيع أصناف النقل كالجوز واللوز وغيرهما، ومن الطعام الغريب الذي كان يباع في الأسواق في شهر رمضان، الدجاج المطبوخ بالسكر، وقد يضاف إليه الفستق فيعرف بالفستقية أو الجوز، وكان يسمى بـ«الجوزية».

وكانت الأسواق في العصر المملوكي تخضع لمراقبة «المحتسب»، الذي كان يمر من حين لآخر على أسواق المدينة  ، ويتقدمه عامل يحمل الميزان والصنج، وخلفه الجلادون والخدم، وهو يمر على الدكاكين والأسواق واحدا بعد الآخر ،  يفحص الموازين والمكاييل، ويستفسر عن ثمن المأكولات، ويتأكد من نظافتها، وإذا اكتشف مخالفة يعاقب مرتكبها على الفور .

وتذكر كتب التاريخ ان هناك عقوبات غريبة أنزلها «المحتسب» على الغشاشين، وأشهرها الرجل الذي كان يبيع الكنافة ناقصة الوزن، فأمر المحتسب بجلوسه عاري المؤخرة فوق صينية الكنافة الساخنة، وأحيانا كان المحتسب يقطع جزءا من الأذن أو الأنف للغشاشين في الميزان .

وكانت السوق تتكون غالبا من مجموعة من الدكاكين المتجاورة التي تتاجر في نفس الصنف، ويصف المستشرق الإنجليزي إدوارد لين شكلها خلال العصر العثماني قائلا : «يتكون الدكان من كوة مربعة الشكل ، أو حجرة صغيرة ارتفاعها 6 أقدام أو 7 تقريبا ، وعرضها 3 أقدام أو 4 ، وقد يتألف الدكان من حجرتين تتقدم الواحدة الأخرى ،  وتستعمل الأخيرة مخزنا  ويقام أمام الدكان ،  وترتفع المصطبة عادة قرابة قدمين ونصف أو 3 أقدام ويكون عرضها كارتفاعها».

وأضاف المستشرق الإنجليزي : «وتجهز واجهة الدكان بثلاثة مصاريع سهلة الطي ، يعلو بعضها بعضا ،  فيثنى أعلاها إلى فوق، ويطوى الآخران إلى أسفل فوق المصطبة ، فتكون مقعدا مستويا يفرش بالحصر أو البسط أو بالوسائد أحيانا، وتستبدل بعض الدكاكين بالمصاريع السابق ذكرها بأبوابا منثنية ،  ويجلس التاجر غالبا على المصطبة، ما لم يضطر إلى الانسحاب قليلا داخل الدكان ،  ليخلي المكان لمن يصعد إليه من حرفائه ، الذين يخلعون أحذيتهم قبل أن يطأوا الحصيرة أو البساط بأقدامهم ،  ويقدم التاجر الشبك إلى حرفائه الدائمين ، أو من يشتري بضاعة كثيرة ، ثم يرسل إلي أقرب مقهى في طلب القهوة لزبائنه ، حيث تقدم في فناجين صغيرة من الخزف الصيني داخل ظرف من النحاس الأحمر .

الغردقه - شارع الشيراتون القديم بجوار فندق روما علي البحر - تليفون  0653447115  موبايل  - 01020238453

عن 1

شاهد أيضاً

د شيرين العدوي تكتب : ألف

هل نحن مستعدون للتفكير فى حياتنا، وقراراتنا، وما نخفيه داخل أعماقنا؟! هل نعيش حياتنا بصدق؟ …