من زار القاهرة، ولم يزر قهوة الفيشاوي، فكأنما لم يزر مصر..
رغم مرور مائتي عام عليها إلا أنها ما زالت تمتلك الريادة بعد أن انسحبت مقاه شهيرة أخرى من حلبة المنافسة.
خان الخليلي الشهير الذي زادت في شهرته الرواية الرائعة التي خطتها براعة الروائي الكبير نجيب محفوظ ، الذي وشحها بالاسم ذاته (خان الخليلي) ونحن وآباؤنا والجيل الذي سبقنا من الذين نهلوا من كتاب مصر ، طه حسين ، وعباس محمود العقاد ، وزكي مبارك ، واحمد حسن الزيات ، واحمد شوقي ضيف ، ومحمد عبد المنعم خفاجي ، وعائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) ، ولويس عوض ، ومصطفى لطفي المنفلوطي ، ويحيى حقي ، واحسان عبد القدوس ، وتوفيق الحكيم ، وإبراهيم عبد القادر المازني ، وعلي ادهم ، ومحمود امين العالم ، وعبد الرحمن بدوي ، ونجيب محفوظ ، وسهيل ادريس ، ومصطفى محمود ، ومصطفى صادق الرافعي ، وخالد محمد خالد ، ورجاء النقاش ، والشيخ علي عبد الرازق ، ومصطفى سويف ، و. و. و.القائمة تطول.
لذا كنا دوماً نهفو لزيارة خان الخليلي ومقهى الفيشاوي في الخان ، والتي كان يرتادها الأديب نجيب محفوظ وجمهرة من كتاب مصر، فضلا عن مقهى (ريش) و (جروبي) ، او زيارة حديقة الازبكية حيث الكتب والمجلات، مما يقترب من ظاهرة الجمعة في متنبي بغداد.
يُعدّ مقهي الفيشاوي الأكثر شهرة في العالم العربي، ويمثل أسلوبًا اجتماعيًا تقليديًا من الاسترخاء مع الأصدقاء والزملاء، داخل محور مزدحم كثيرًا بالزائرين في منطقة القاهرة الإسلامية والمؤسسات التاريخية، مثل سوق خان الخليلي والمسجد الأكثر شعبية مسجد سيدنا الحسين عليه السلام والأزهر الشريف.
المقهى جلب شهرته من الأديب الراحل نجيب محفوظ، حيث كتب أجزاء من ثلاثيته الحائزة على جائزة نوبل في الغرفة الخلفية للمقهى، وأيضًا من جلوس الشاعر الغنائي أحمد رامي ، والذي كتب أغاني مازال العالم يذكرها للراحلة أم كلثوم، وغيرهم من الشخصيات التي أثرت في التاريخ الثقافي والفني.
يعد مقهى الفيشاوي هو أولى اللوحات التي نبضت بخطى وحكايات محبيها ، فاستحقت إلقاء الضوء عليها، فالمقاهي هي تاريخ ونبض البشر والنقطة التي التقت فيها خطوط أعمار كثيرين ، وهي تقع في قلب القاهرة الفاطمية في إحدى الأزقة المجاورة لمسجد الحسين بحي الأزهر.
فقبل نحو 245 عاما، كان هناك رجل يدعى الحاج فهمي الفيشاوي، بدأ تقديم القهوة فقط إلى أصدقائه والزائرين لمنطقة الحسين في زقاق خان الخليلي في القاهرة، مساء كل يوم بعد صلاة العشاء، حتى أصبحت تعرف باسم “قهوة الفيشاوي” حتى استطاع أن يشتري المتاجر المجاورة له، ويحولها إلى مقهى كبير ذي ثلاث حجرات.
اكتسب مقهى الفيشاوي جزءاً من شهرته من أديب الوطن العربي – نجيب محفوظ- الذي بدأ فيها مسيرته الأدبية كما سجل في مذكراته، فقد أعتاد أن يجلس وحيداً في أحد أركان المقهى يتأمل، أمامه كوب الشاي الأخضر الذي يحتسيه وبيده القلم، فقد أدرك أن مهد الفكرة ومنشأها هناك، ونصوص محفوظ الروائية مليئة بالأقاصيص عن عالم المقاهي التى استلهمها من إحدى أركان مقهى الفيشاوى، الذي أصبح مسرح العديد من روائعه الأدبية كالثلاثية ، وزقاق المدق ، وخان الخليلي، إضافة إلى الأعمال التى استحقت فيما بعد نيل جائزة نوبل للآداب.
في مقهى الفيشاوى اجتمع عبق التاريخ والشعبية معاً، فموقعه في قلب خان الخليلي والطابع الفاطمى الذي اتسم به غرفاته الثلاث “الباسفور- التحفة – القافيه” المصممة بخشب الأرابيسك والمطعمة بالأبنوس فضلاً عن المرايا المذهبة، فبداخل غرفة “القافيه” أكبر غرف المقهى مرآة ثلاثية فريدة وساعة حائط كبيرة، يرجع تاريخها إلى العصر التركي، إلى جانب راديو أثري، ونجفة ضخمة تعتلي الحجرة يرجع تاريخها إلى عام 1800م، ولا يستطيع أحد دخول الغرفة أو الجلوس بها، إلا لمن اعتاد التردد عليها أمثال “الأديب نجيب محفوظ والعندليب عبدالحليم حافظ والسياسي عمرو موسى” تلك التحف الأثرية التي جعلت منها واجهة تاريخية في أكثر مناطق القاهرة شعبية.
تتعاقب الفترات الزمنية على المقهى، فالمكان الذي أعد قديما للحلقات الثقافية وملتقى للمتنافسين من الأدباء والشعراء انعزل اليوم في أركان القاهرة الفاطمية آوياً رواده من مختلف الفئات، حتى تعيد علينا الذاكرة مشهداً احتضر مع رحيل قاهرة المثقفين .
و في يوم الخميس من كل شهر لأوائل القرن العشرين اعتادت صالة القافيه بمقهى الفيشاوى أن تستقبل العديد من الأشخاص من مختلف أنحاء مصر القديمة، يتجمعون في حلقات ، على أن يتركوا مساحه كبيرة خالية في وسط الصالة خالية من المناضد ومن الأشخاص أيضاً، لعقد المباراة “المنتظرة” التى يخوضها شخص ممثلاً عن كل حى من أحياء مصر القديمة “الحسين والجمالية والسيدة زينب والروضة” وغيرها، من سماته خفة الظل وسرعة البديهة وطلاقة اللسان والسخرية، والفائز هو من يستطيع مواصلة المباراة الكلامية في كل ما يخص الشعر والأدب الساخر، إلى النهاية محتفظاً بشغف الجمهور.
لعب موقع المقهى وانعزاله عن زخم الحياة وصراعات الإنسان الدنيوية، دوراً في جذب زوراه، فرواد المقهى معظمهم من السائحين أو قلة من المثقفين لرائدى الأدب والفن لمصر الحديثة أمثال الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم ، وجمال الغيطاني ، والعديد من السياسيين، فضلا عن مجموعات من كبار السن لمرتادي القهوة منذ سنوات، وبعض الحلقات الشبابية التي تفد للتنسم بعبق التاريخ من كراسي المقهى وأركانها، فكراسي المقهى مصنوعة من الخشب الآرابيسك المصنوع بدقة، مصطفة حول منضدة حديدية مستديرة، عليها الآنيات الحديدية للشاي والأكواب الحديدية أيضاً حتى المصابيح مصنوعة على شكل فوانيس ليكتمل الجو التاريخي للمكان.
يمر الزمن ومقهى الفيشاوى قابعة في مكانها كشاهد، فهنا عاش الجد والابن, وهنا اختلط الماضي بالحاضر في صورة حضارية، شهدت الثورات ومرت بالحلقات الثقافية التى نظمها الرواد، وعلى أحد كراسيها مكث أديب الوطن العربي يكتب، ليترك المقهى بصماته في أجمل لوحة حضارية بحي الحسين.
فكما يقول الفيشاوي الصغير عن المقهى: “هو الأثر الذي لا يقل في امتداده التاريخي عن الأهرامات، ويحمل في جوانبه أسرار رواده الراحلين من عباقرة الفن والأدب”.
يعد مقهى الفيشاوي هو أحد مقاهي القاهرة الشهيرة ، ويقع بحي الأزهر ويعد من أقدم مقاهي القاهرة، حيث يرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1797م ، و اتخذ المقهى شهرته وبريقه، بفضل الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ الذي كان «الفيشاوي» مقهاه المفضل، حيث شهد المقهى الكثير من المسودات الأولى لرواياته، وكان بمثابة فضاء حي يلتقي فيه مع أصدقاءه ومحبيه من الكتاب والفنانين وبسطاء الناس ، وأول ما يشد انتباه الشخص داخل المقهى، غرفة صغيرة أشبه بمتحف وأثر معماري، اعتاد الجلوس بها الأديب نجيب محفوظ والعندليب عبد الحليم حافظ، تحوي بداخلها مرآة ثلاثية فريدة وساعة حائط كبيرة، يرجع تاريخها إلى العصر التركي، إلى جانب راديو أثري قديم جدا، بالإضافة إلى (نجفة) ضخمة يرجع تاريخها إلى عام 1800م، تزين هذه الغرفة، ولا يستطيع أحد دخول الغرفة أو الجلوس بها، إلا لمن اعتاد التردد عليها، وتميز عن غيره.. أمثال العندليب ومحفوظ.
أجمل الأوقات تلك التى نمضيها حول فنجان القهوة فى «مقهى الفيشاوى» ، تزول مرارة البن بصحبة الناس الطيبة ، من يمتلكون قلوبا نقية بلون الحليب ، ناس صحبتهم أحلى من السكر.
والمقهى تمتاز بواجهة أنيقة ، و دهليز طويل تزينه المرايا ذات الأطر الذهبية ، وطاولات نحاسية وكراسى خشبية ، يمر النادل بين زحام زبائن المقهى، حاملا أكواب الشاى بالنعناع، والكركديه، واليانسون ، يتحرك بين كتلة البشر بخفة ورشاقة متناهية ، كأنه يرقص فالسا رائعا من مؤلفات تشايكوفسكي.
لا يخلو المقهى من الباعة الجائلين ببضائعهم من كل لون ، كما ينتشر حاملو المباخر بوجوههم السمحة ليباركوا المكان ، ويشيعوا فيه عطر البخور الفوّاح ، أما قارئة الطالع وبائعة الحنّة، فإن جمهورهن فى الغالب من الفتيات ، يجلسن فى الركن بعيدا عن الأعين يستمعن إلى التنبؤات والتحذيرات من الآت ، الأحاديث والضحكات لا تتوقف ، أحاديث ودّ وضحكات من القلب.
«مقهى الفيشاوى»، ارتاده – فى السابق- القائد الفرنسى «نابليون بونابرت»، والملك فاروق، والرئيسان الجزائريان أحمد بن بيلا وهوارى بومدين، وغيرهم من الزعماء ، وقد ذاع صيته بعد أن أصبح المكان المفضل للأديب الكبير نجيب محفوظ، والذى كتب منه الثلاثية الخالدة: (بين القصرين)، و(قصر الشوق)، و(السكرية) ، وهو حاليا محطة أساسية يتردد عليها الأشقاء العرب طوال العام، خاصة فى شهر رمضان ليتنسموا فيه عبق التاريخ وسحر الشرق ، على أنغام موسيقى هواة العازفين على العود والناى في سهرة حب وطرب تمتد حتى منتصف الليل.
يقول الحاج “أحمد متولي” حفيد الحاج فهمي الفيشاوي، أن نجيب محفوظ كان محبوبا ويفتقد الجميع أفكاره من المترددين على المقهى سواء عامل، أو بائع عرقسوس، أو مواطن وكان يضيف خبرته كأديب، وكانت كتاباته دائما صادقة خاصة مُعبّرة عن الحارة الشعبية، لأنه واحد من أهالي حارة الجمالية حتى حصل علي جائزة نوبل.
وأضاف الحاج متولي إن نجيب كان دائما يحب أن يجلس بجوار العمال والفقراء، ليستمع إليهم، حتى يجمع رصيده من المعلومات في كتابة القصص ومنهم السكرية، وسي السيد، وأمينة، وكان المقهي ملتقي للفنانين والأصدقاء واستمر به سنوات عديدة.
أخذ مقهى الفيشاوي شهرته من موقعه في حي الحسين، قريبا من جامع الحسين والأزهر، وعلى امتداد خان الخليلي السوق الأشهر في مصر والعالم العربي ، ومن نوعية رواده ، فالمقهى يقبع في أحد الأزقة الضيقة المتاخمة لمسجد الإمام الحسين بمنطقة الأزهر، في قلب القاهرة ، بمنطقة خان الخليلي ، ويرتاده مزيج من المصريين والسياح العرب والأجانب من كل الجنسيات الذين يبهرهم جو المقهى الشرقي الخالص، بموائده الخشبية المشغولة، ومقاعده الأشبه بالأرائك العربية الوثيرة، والمرايا المعلقة على جوانبه ذات الأطر الخشبية المشغولة بالصدف.
ولعل مقهى الفيشاوي، من أشهر المقاهي في مصر والذي يحمل عبق التاريخ في كل ركن من أركانه، و يوجد المقهى بقلب حي الحسين المتاخم لخان الخليلي.
وأنشئ المقهى عام 1797، وهو أحد أبرز المقاهي في شهر رمضان، حيث اكتسب شهرته من خصوصية المكان الذي يوجد فيه ، بجانب اعتباره قبلة لعدد من المشاهير والساسة ، بداية من نابليون بونابرت الذي قصده لتناول مشروب الحلبة ، ومرورا بشخصيات مصرية مشهورة مثل جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده ، والكاتب الراحل نجيب محفوظ ، وأحمد زويل، ويكتظ مقهى الفيشاوي بالحضور خلال شهر رمضان بشكل خاص ، نظرا لموقعه المتاخم لمسجد الحسين، ناهيك عن خصوصية المنطقة، التي تتسم بكونها قبلة للسياح نظرا لتاريخها القديم.
مقهى الفيشاوي هو المقهى الأشهر في مصر، مر على تأسيسه أكثر من مائتي عام، وبفضل تردد الأدباء والمشاهير أمثال عباس محمود العقاد والمازنى والشاعر أحمد رامي ونجيب محفوظ، أصبح مقهى الفيشاوي قبلة المصريين والسياح العرب والأجانب الآتية إليها للاستمتاع بليالي رمضان هناك، وسط أجواء الحسين والازهر فى قلب القاهرة الفاطمية.
فبمجرد دخولك لمقهى الفيشاوي سوف تشم عبق التاريخ بلون الخشب البني المحروق وحوائطه الصفراء بفعل دخان الشيشة وآثار الزمان، جعلت منه مزارا لعشاق الأصالة والتراث ، كما أن وجوده في قلب القاهرة الملئ بالبازارات والمزارات السياحية الأثرية جعل رواده مزيجا مختلطا بين المصريين والسياح العرب والأجانب من كل بلدان العالم ، و الذين أصبحوا من عشاق المقهى وجوها الشرقي الخالص.
يتولى إدارة مقهى الفيشاوي الحاج ضياء الفيشاوي حفيد الحاج فهمي الفيشاوي، حيث يقول: إن جده كان معلم بمعنى الكلمة ينصت إليه الجميع ،وكام زعيما لمنطقته يصلح بين المتخاصمين.
وبالعودة إلى التاريخ وكما نشرت مجلة «بناء الوطن» عام 1964 في موضوع موسع عن الفتونة في مصر قالوا فيه: إن أشهر فتوة في حي الحسين كان المعلم فهمي الفيشاوي، الذي تبوأ عرش الفتونة في الحي بعد معركة حامية الوطيس مع فتوة الحي السابق مهدي العجمي، بعدما أنزل به الفيشاوي هزيمة منكرة وطرده خارج الحي، ولم يستقر له الحال في منطقة الحسين إلا بعد تأكده من أن مهدي العجمي سافر بلا رجعة لموطنه الأصلي بالإسكندرية، وارتقى الفيشاوي عرش الفتونة في حي الحسين.
هنا مقهى الفيشاوي العريق، أو “قهوة الفيشاوي” كما يطلق عليها المصريون، المكان الذي نسج فيه الأديب المصري نجيب محفوظ ثلاثيته الشهيرة “بين القصرين” و”قصر الشوق” و “السكرية” لكن هذا ليس كل شيء عن المقهى. فهناك الكثير الذي نحب ان نعرفه عن المكان الذي جلس فيه المفكر جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده أحد رموز التجديد في الفقه الإسلامي، وهنا كذلك جلست كوكب الشرق أم كلثوم وغيرها من الشخصيات التي صنعت تاريخ مصر الحديث.
وبدأ الفيشاوي حياته ببوفيه صغير، ثم أهدته إحدى الأميرات مساحة من الأرض عام 1760 ، وتم الترخيص له عام 1798 لبناء مقهى، وكانت المقهى في بداية نشأتها تتكون من ثلاث حجرات على مساحة 400 متر ، أول غرفة تسمى غرفة البسفور، وهي مبطنة بالخشب الأبنوس، وأدواتها من الفضة والكريستال، وكانت مخصصة للملك فاروق وكبار الضيوف.
وكانت أرقى غرفة هي «الباسفور» ، وهي مليئة بالتحف والكنب العربي المكسو بالجلد الطوبي، وأدواتها من الفضة والكريستال والصيني، وكانت مخصصة للملك فاروق، آخر ملوك أسرة محمد علي، خلال شهر رمضان، وكبار ضيوف مصر من العرب والأجانب.
والغرفة الثانية تسمى «التحفة»، وهي مكسوة بالجلد الأخضر، ومزينة بالصدف وكانت مركزا لأهل الأدب والفن، ولطالما شهدت مناقشات فنية وجلسات الغناء والطرب ، وهي اسم على مسمى، وهي مزينة بالصدف والخشب المزركش والعاج والأرابيسك والكنب المكسو بالجلد الأخضر وهي خاصة بالفنانين.
غرفة التحفة
أما أغرب الغرف فهي غرفة القافية ، وكانت مخصصة للقافية، وهى تختص بالطبقة الشعبية التي كانت تشهد مسامرات أبناء الأحياء الشعبية ، ففي كل خميس من شهر رمضان تتبارى عن طريق شخص يتميز بخفة الظل والسخرية وطلاقة اللسان ويتولى القافية يتولى القول فيرد عليه زعيما من حى آخر وهكذا فى منازلة كلامية مضحكة ، وكانت الأحياء الشعبية بالقاهرة في النصف الأول من القرن العشرين تتبارى كل خميس من شهر رمضان في القافية، عن طريق شخص يمثلها من سماته خفة الظل وسرعة البديهة وطلاقة اللسان وقابلية السخرية، فكان يبدأ ثم يرد عليه زعيم آخر يمثل حيا آخر، ويستمران في المنازلة الكلامية حتى يُسكِتَ أحدهما الآخر .
وتميزت المقهى بتقديم مشروب الشاي، فبعد مائة عام من إنشاء المقهى أصبح مشروب الشاي من أشهر علاماتها، خاصة عندما انفردت بتقديم الشاي .
قد لا تعرفون أن بداية المقهى كانت مجرد طاولة خشبية رخيصة دُشنت في زقاق (حارة ضيقة جداً) بمنطقة خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة القديمة، نصب هذه الطاولة الحاج فهمى على الفيشاوي قبل أكثر من مئتي عام، حيث أراد من خلالها أن يصنع بعض المشروبات لرواد الخان، ثم بدأ يضع بعض المقاعد ليجلس الناس عليها.
كان للفيشاوي طموح كبير، فلم يكتف بالطاولة الخشبية الصغيرة، واستطاع أن يشتري بعض المتاجر المجاورة، وكان حلمه أن يصنع مقهى ضخماً مكوناً من ثلاث حجرات، وكانت فكرته الأساسية أن يشبه المقهى المنزل العادي، كي يشعر الناس فيه بالراحة.
أصبح المقهى أقرب لمنزل مكون من ثلاث غرف، والفكرة أن يشعر الزائر أنه في بيته وليس في مقهى مثل باقي المقاهي، وكانت هناك فكرة مختلفة تعبّر عنها كل غرفة من غرف المقهى، فالغرفة الأولى يطلق عليها غرفة الباسفور، وهي مبطنة بالخشب المطعم بالأبنوس، وتحوي أدوات مصنوعة من الفضة والكريستال والصينى، وهذه الغرفة كانت مخصصة بشكل أساسي للملك فاروق، وضيوفه فى شهر رمضان.
أما الغرفة الثانية فيطلق عليها التحفة، والسبب أن صاحب المقهى أراد أن تكون فعلاً أقرب لتحفة فنية منها لمساحة في مقهى، فجعل جدرانها مزينة بالصدف والخشب المزركش والعاج والأرابيسك، أما أرائكها فهي مبطنة باللون الأخضر، وهذه الغرفة خاصة بالفنانين.
لكن أغرب غرفة في هذا المقهى هي غرفة القافية، وهي أقرب للعبة ساخرة، يطرح فيها فرد سؤالاً على شخص آخر، فيرد عليه بكلمة “اشمعنى” فيرد عليه صاحب السؤال بإجابة كوميدية، وبعدها يطرح الشخص الثاني سؤالاً فيرد عليه الأول بنفس الكلمة “اشمعنى” وهكذا يستمر الشخصان في المنازلة الكلامية حتى يسكت أحدهما الآخر.
وكان هدف هذه اللعبة الساخرة إظهار أي منهما يتميز أكثر بخفة الظل وسرعة البديهة وطلاقة اللسان والسخرية، وكانت لعبة القافية تدار كل خميس من شهر رمضان.
يمكن للجميع زيارة المقهى، لكن ممنوع دخول غرفة القافية، التي تعد أكبر غرف المقهى، لأنها تحوي بعض الكنوز الأثرية، مثل مرآة تاريخية فريدة من نوعها وساعة حائط كبيرة، يرجع تاريخها إلى العصر التركي، وراديو أثري يقال إنه أول راديو عرض للبيع في مصر ، تحوي الغرفة أيضاً نجفة ضخمة تعتلي الحجرة يرجع تاريخها إلى عام 1800
كان يجلس في هذه الغرفة الأديب نجيب محفوظ والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، وفي العصر الحديث فتحت الغرفة أبوابها لشخصيات مهمة مثل السياسي المصري عمرو موسى، والعالم المصري الراحل أحمد زويل.
قهوة الفيشاوي تعتبر من أهم قهاوي القاهرة، ورمز من رموز الحسين، كان يجلس فيها كبار الكتاب والمغنيين والمفكرين والسياسيين، و مازالت الي الآن لها رونقها الخاص، ومهما ظهرت قهاوي جنبها ستظل اهم قهوة من حيث السير والسمعة والشهرة “الفيشاوي” مستمرة وإلي الأبد.
من خلال السير خلال شارع ضيق عبر سوق “خان الخليلي” في القاهرة يبدو مقهى “الفيشاوي” مبدعًا وملفتًا للنظر، مجاوراً المشهد الحسيني، إذ تشاهد تلبيسة المشربية الخشبية والجدران المطلية باللون الأصفر، فتجلس منتشياً وتطلب كوباً من الشاى بالنعناع الأخضر المشروب الشهير للمقهى ورواده.
ويأتى إليك المشروب ساخناً، في أقداح زرقاء داكنة، وصواني ذهبية كبيرة، وتصب في أكواب مزخرفة، في حين تظهر الثريات الضخمة والمرايا مؤطرة في الخشب، في هذه اللحظة يعتريك شعور أنك في حضرة مئتي عام مضت.
وحكاية تأسيس قهوة الفيشاوى غريبه وجميله في نفس الوقت ، وتحكي قصة طموح رائعة لشاب ، استطاع ان يحقق أعلى ما كان يطمح إليه ، فقبل نحو أكثر من 240 عامًا، كان هناك رجل أسمه “فهمي علي الفيشاوي”، بدأ بتقديم القهوة فقط إلى أصدقائه والزائرين لمنطقة الحسين في زقاق حي “خان الخليلي” في القاهرة، مساء كل يوم بعد صلاة العشاء، حتى أصبحت تعرف باسم “قهوة الفيشاوي”.
وبداخل المقهى تجد الفيشاوي الكبير ينظر إليك ويرحب بك من خلال صورة ضخمة وضعت في إطار يحكي أصالة وعمارة المقهى، وهو يمتطي جوادًا يختال به فخرًا، حيث يومئ الفيشاوي إلى ناظره بالنظر في مرآة عتيقة تأخذ جانبًا كبيرًا من المقهى، أبدع صانعها في تزيينها بالأرابيسك النادر، تشد الناظر إليها فيتأملها من جوانبها الأربعة، ولكل جانب منها عبق كلاسيكي مميز يعكس شكلا آخر لمرآة أخرى، وضعت في آخر الممر توهم الجميع أن هناك ممرًا آخر، حتى تصطدم به فتتوقف لتتأملها، فهي عبارة عن أثر تاريخي يندر وجوده، ورائع في تصميمه.
تأسست قهوة منذ عام 1797 بحي خان الخليلي لتكون شاهدة على العصر ، بدأ مقهى “الفيشاوي”، ببوفيه صغير أنشأه الحاج فهمي علي الفيشاوي عام 1797 في قلب خان الخليلي ليجلس فيه رواد خان «الخليلي» من المصريين والسياح، واستطاع أن يشتري المتاجر المجاورة له، ويحولها إلى مقهى كبير ذي ثلاث حجرات. بدأ الفيشاوي، الذي بدأ عمله بتقديم القهوة فقط إلى أصدقائه والزائرين لمنطقة الحسين في زقاق حي خان الخليلي في القاهرة مساء كل يوم بعد صلاة العشاء، حتى أصبحت تعرف باسم “قهوة الفيشاوي”، يعتبر هذا المقهى تاريخ غني لكونه يحظى بشعبية كبيرة بين النخبة المصرية، وهناك شارع خان الخليلي الذي يمكن أن يكون مكانا مربكا للغاية بسبب الزحام.
يقع المقهى على شارع ضيق من سوق خان الخليلي في القاهرة، يبدو المقهى مبدعا وملفتا للنظر مع حلول الظلام، إذ تشاهد تلبيسة المشربية الخشبية والجدران المزكرشة الصفراء، ويتم تقديم مشروبات لذيذة ساخنة في أقداح زرقاء داكنة تأتي في صواني ذهبية كبيرة وتصب في أكواب مزخرفة، في حين تظهر الثريات الضخمة والمرايا مؤطرة في الخشب، ما يمثل روعة بصرية للمصورين والسياح العرب والأجانب , وبها قاعة “البسفور” التي كانت مخصصة للملك فاروق وضيوفه .
فقد حملت مقهى«الفيشاوي» أسرار العديد من ارتاده من عباقرة الفن والأدب والسينما، أمثال نجيب محفوظ ويوسف إدريس وعبد الحليم حافظ وبيرم التونسي وصلاح جاهين وصلاح عبد الصبور، إضافة إلى أهل الفن، مثل سعد زغلول وأم كلثوم ، لما تتمتع به من المقاعد العربيه والموائد الخشبيه المطرزه والمرايات المعلقه على جميع جوانب المقهى.
قهوة الفيشاوي تحولت من بوفيه صغير إلى مقهى تاريخي كبير جلس على طاولته الملوك والأمراء والفنانين ، سطروا أحداثاً وأزمنة وحكايات ظلت تتوارث عن هذا المكان الذى أنشئ في قلب خان الخليلي ، أى منذ ما يقارب ال250 سنه ، وعلى الرغم من انه من أشهر الاماكن فى حى الازهر ، إلا ان مكانه فى احدى الشوارع الضيقه المتفرعه من مسجد الامام حسين .
وقد إختلف المؤرخون في وصف هذا المقهى ، هل هو مقهاً للمثقفين أم مقهاً شعبياً ، نظراً لكثرة ما مر به من أحوال وأوضاع على مر التاريخ ، إلا أن مكانه الحالي في منطقة خان الخليلي أكسبته وبقوة الصفة السياحية.
و في حي “خان الخليلي ” ، تقع قهوة«الفيشاوي»، وبتلبيسة المشربية الخشبية وشغل الأرابيسك والجدران العتيقة، وبأقداح زرقاء داكنة تأتي في صواني ذهبية كبيرة وأكواب مزخرفة، تظهر الثريات الضخمة، وتفتح أبوابها ومجالسها لجميع الزائرين من مختلف الأعراق.
ووجودها فى قلب القاهره جعلتها مختلفة نوعا ما عن بقية المقاهى ، فيوجد بجانبها العديد من المزارات السياحيه والتراث المصرى القديم ، التى جعلت الكثير من مختلف الجنسيات من الزبائن ليس المصريين فقط يغدو اليها .
ومقهى الفيشاوي هو أحد المقاهي الكبرى المطلة على المشهد الحسيني ، وعلى مر التاريخ إرتاده زعماء ومفكرون وسياسيون عرب وأجانب وكذلك ملوك وأمراء وفنانين.
وفي عهد الخديوى إسماعيل حصل علي أول ترخيص عام 1863 ، وظل المقهي يتسع تدريجياً ، وكان عصر النهضة بالنسبة له في عهد “فهمي الفيشاوي” حيث وصلت مساحته لأكثر من تسعمائة متر ، ومنذ العشرينيات من القرن الماضي وفهمي الفيشاوي يكافح لكي يجعل للمقهي شخصية مميزة لا يحيد عنها ، كان الشكل العام للمقهي عبارة عن ممر طويل كما هو الآن ، ولكن كان به (ايوانات) أو غرف علي اليمين واليسار ، كل ايوان كان مسمي باسم أديب أو فنان مشهور ، فهذا ايوان نجيب محفوظ ، وهذا ايوان أحمد رامي ، وايوان حافظ إبراهيم وهكذا ، وكان الأثاث قوامه دكك خشبية يعود تاريخها إلي عام 1910 ، وقطع من الأرابيسك ، وترابيزات رخامية وصواني نحاسية موغلة في القدم.
وقد عكف “ضياء الفيشاوي” ، حفيد الحاج فهمي صاحب المقهى على إكساب مقهاه شكلاً مميزاً عن طريق حفاظه على النمط الشرقي في الأثاث والديكورات، وحافظ كل أولاده من بعده على هذا النهج، الأمر الذي أكسب المقهى طابعا ميزه عن بقية المقاهي التي انتشرت في كل أرجاء خان الخليلي، فكان يرى في تزيين المقهى بالمرايا ناحية وظيفية غير الناحية الجمالية، وهي أنها تسهل له رؤية كل أركان المقهى، وهو جالس في مكانه المفضل، بجوار باب المقهى من الداخل،ويضم المقهى حالياً ثلاثة حجرات لكل منها جمهوره الخاص.
قامت الحملة الفرنسية على مصر فى نفس عام إنشاء مقهى الفيشاوي 1797 ، فى محاولة للسيطرة على البلاد ، ولاقى نابليون المقاومة من كل أفراد الشعب ، ولم تكن نزهة عسكرية كما ادعى (في 21 أكتوبر 1798، بينما كان بونابرت في القاهرة القديمة، كان سكان المدينة ينشرون الأسلحة في الشوارع ويعملون على عمل تحصينات، خاصة في المسجد الكبير. ، وكان قائد اللواء «دوبوي»، حاكم القاهرة، أول من قتل، ثم سلكوفسكي، صديق بونابرت ومعاونه في المعسكر ، بعد تحميسهم من قبل الشيوخ والأئمة، أقسم المصريون أن يبيدوا كل الفرنسيين، وأي فرنسي قابلوه تم قتله ، وتجمعت الحشود على بوابات المدينة لمنع بونابرت من الدخول، الذي صُدِم وأُجبر على اتخاذ منعطف للدخول عبر بوابة بولاق ) . وبينما العالم كله مشغول بالحب والحرب أنشأ الحاج فهمى على الفيشاوى بوفيه صغير بزقاق خان الخليلى الضيق يقدم الشاى بالنعناع والقهوة المحوجه والنرجيلة (الشيشة).
ظل الحاج فهمى داخل مكانه الصغير ، ولكنه اكتسب شهرة وزبائن اعتاد الناس الجلوس بجانبه يحكى من يحكى ويسمع من يسمع ، وأحيانا يلقى البعض النكات والقافية ، وكلما زاد العدد احتاج إلى مكان أوسع ، مما دفع الحاج فهمى إلى شراء محل صغير بجانبه لينقل إليه قاعدة الأحبة ويزيد من رزقه ، ومع صباح كل يوم يحمد الفيشاوى ربه ويبدأ فى تجهيز اليوم الطويل ، و اتسع المقهى وارتفعت يافطة أعلاه بأسم مقهى الفيشاوى بالخط العربى المزركش وأصبحت أشهر مقاهى الحسين .
و تميزت المقهى بتقديم مشروب الشاي، فبعد مائة عام من إنشاء المقهى أصبح مشروب الشاي من أشهر علاماتها، خاصة عندما انفردت بتقديم الشاي الأخضر.
وكان من رواد الفيشاوي منذ إنشائها جمال الدين الأفغاني،عمر مكرم، عبدالله النديم، عبد العزيز البشري، ونجيب محفوظ الذي تم إطلاق اسمه على أحد أركان المقهى المصمم من الأرابيسك، وهو نفس الركن الذي كان يجلس به لكتابة أشهر رواياته. يظهر في الصورة ملك العود الفنان الراحل القدير فريد الأطرش، وبجواره الفنانة تحية كاريوكا والفنان كمال الشناوي، والفنانة شادية والفنان عادلي كاسب، والفنان حسن فايق، والفنانة لولي صدقي، والفنانة سامية جمال، والفنان محسن سرحان.
ومن أشهر الشخصيات التي زارت المقهي نابليون بونابرت ، وروميل القائد الألماني الشهير ، وجان بول سارتر ، وسيمون دو بوفوار ، هذا بالإضافة إلى عدد كبير من الأمراء العرب ، كما زارته الإمبراطورة أوجيني أثناء الاحتفال بافتتاح قناة السويس عام 1869 ، وأعجبت بالورود الصناعية العجيبة التي كانت محفوظة في غرفة زجاجية تخدع الناظرين بأنها طبيعية.
كما زار المقهى الرئيس جمال عبد الناصر ومعظم أعضاء مجلس قيادة الثورة وكبار الشعراء مثل أحمد شوقي ، وحافظ إبراهيم ، ومطران خليل مطران ، والعقاد ، وتوفيق الحكيم ، ونجيب محفوظ ، وأم كلثوم ، وعبد الوهاب ، وعبد الحليم ، ويحتفظ المقهي بسجل الزوار وبه كلمات تاريخية لشخصيات عديدة .
كان نجيب محفوظ دائم الجلوس بالمقهى، وكان صديقاً للحاج فهمى الفيشاوي صاحب المقهى، وألف معظم رواياته في المقهى، وكان يحب في ليالي شهر رمضان الاستماع إلى غناء المطربين الشعبيين محمد عبد المطلب ، ومحمد الكحلاوي ، وهما يشدوان بأغانيهما على المقهى، بل كثيرا ما يشاركهما محفوظ الغناء ومعه بقية رواد المقهى.
فبمجرد انتهاء الموظف نجيب محفوظ عبدالعزيز إبراهيم أحمد الباشا من وظيفته بديوان وزارة الأوقاف المصرية إدارة القرض الحسن بحى الحسين، يترجل حتى مكتبة الحسين المجاورة للميدان ليشترى بعض الكتب وأوراق بيضاء وبعض الأقلام الجديدة ، فهو لم يعتد على الاستعانة بأقلام الوزارة ابداً ، و بعد الانتهاء ومحاسبة البائع يبتسم وفى هدوء و يحمل حاجاته إلى أقرب مقهى داخل زقاق صغير ليجلس على طاولته المعتادة كل يوم ، ويبدأ فى كتابه السطر الأول من روايته الجديدة أو يقابل أصدقائه وتلاميذه ، وكان الكل يعرف مكانه بسهولة ،وكانت فى تلك الفترة تباع الكتب على المقاهى ، يعتبر ليس غريباً أبدا أن تجد شخصاً يحمل عدداً كبيراً من الكتب ويعرضها على رواد المقهى ، وبعدها يستريح على سور الأزبكية الذى اشتهر فيما بعد ، وكان نجيب يشترى الكتب من البائع السريح ، ويحتفظ الأرشيف بعدد من صور نجيب وهو يشترى الكتب ، يأتي صاحب القهوة ليرحب بالجميع ويبدأ فى تقديم واجب الضيافة الشاى بالنعناع المعتاد داخل أبريق خاص والسكر عادة “بره” ، وكان نجيب محفوظ ياخذ فنجان قهوة مزركش على صينية ذهبية والكرسى الخشب المطعم بالنقوش البارزة ، ويعد ذلك مشهد يومى لصاحب نوبل داخل أشهر قهاوى مصر قهوة الفيشاوى.
وعن نجيب محفوظ يحكى الكاتب يوسف الشريف “كانت فرحتى لا توصف بينما أترقب وصول نجيب محفوظ لعلي أفوز بالحديث معه، وكان على عادته حين يصل في تمام الثانية والنصف ظهراً قادماً من عمله في إدارة القرض الحسن بوزارة الأوقاف، حيث يبادر صديق عم إبراهيم الضرير بائع الكتب بمداعباته اللطيفة ويطلب منه سماع نداءاته عن بضاعته من كتب التراث (قائلاً) “معانا الأغانى للأصفهانى … معانا مروج الذهب… معانا ابن إياس”.
وكان من المرافقين لنجيب محفوظ في مقهى الفيشاوي المفكر والكاتب الكبير محمد عوده، وكثيراً ما كان يصاحبه معه بريماكوف مراسل البرافدا في القاهرة ، الذي أصبح فيما بعد رئيساً للحكومة الروسية، وكان يعشق النارجيلة وشرب الشاي الأخضر..
يضم مقهى الفيشاوي العديد من التحف المتناثرة والإهداءات التي تلقاها من بعض الأمراء والوزراء ومنها التمساح الإفريقي الذي يجلب الحظ ومهدى من رئيس وزراء السودان ، وستائر زجاجية من الأحجار الكريمة والمرجان كانت تحجب وتشف في آن واحد ، هذا إلى جانب المرايا الضخمة التي اشتهر بها المقهى ، للحد الذي جعل الكتاب يطلقون على مقهي الفيشاوي في المراجع الفرنسية بـ “مقهي المرايا”.
ويعود تاريخ أقدم المرايا بها إلى عصر محمد علي وهي مرايا بلجيكية حصل عليها الحاج فهمي ووالده من القصور الملكية التي كانت تجدد مفروشاتها وأثاثها ، وهي إلى جانب وظيفتها الجمالية فلها وظيفة أخرى ، حيث كان الحاج فهمي صاحب المقهى يراقب عماله من خلالها في هذا الممر الطويل.
الأديب الكبير يوسف القعيد، كان أحد أبرز من كانوا مقربين من محفوظ ورفيق جلساته في مختلف المقاهي، و قال إنه بالفعل تعرف على روائي نوبل في مقهى ريش، ثم كان الانتقال فيما بعد لمقاهٍ عديدة، أبرزها الفيشاوي بالحسين، وبحسب القعيد فـ”أديب نوبل كان يحكي كثيرا عن شخصية الحاج فهمي الفيشاوي، صاحب المقهى، الذي لم ينجب إلا الفتيات وكان يدير القهوة سفير مرموق، هو زوج إحدى بناته”، و يتابع: “الأديب الراحل كان يحب كثيرا أن يتوقف بالتاكسي الذي يقله خارج الحي، ثم يستمتع بالسير إلى المقهى على قدميه، ونفس الشيء حينما يغادر، فكانت له طقوس ثابتة، وكان منضبطا بها بشدة، حتى أنه في جلسة باخرة “فرح بوت” التي كان يتجمع فيها مع الأصدقاء كل ثلاثاء، حتى دخوله المستشفى قبيل رحيله، كان يأتي في السادسة بالدقيقة ويغادر في الثامنة تماماً، يواصل القعيد: “يمكن أن نضبط عليه ساعتنا، فالراحل كان يحب تجمع الصحبة، ويختار مكانا يرتاح فيه، لأنه لم يكن يحب لقاء أحد بمنزله ليحافظ على خصوصية أسرته”.
من أهم رواد مقهى الفيشاوي رؤساء مصر والجزائر والسودان واليمن ، حيث يقبع أشهر وأقدم مقهي في قاهرة المعز “قهوة الفيشاوي”، والتي أسسها الحاج فهمي الفيشاوي عام 1797، والذي لقب آنذاك بـ”فتوة الجمالية”.
“قهوة الفيشاوي”، لا تقل شهرة عن متاحف ومعالم مصر السياحية فقد لقب بالمقهي العالمي ، ويرجع أهميته إلى الشخصيات الهامة التي كانت تحرص على الجلوس عليه، وأيضا بأثاثها العتيق ومقتنياتها التي تحمل في تصميماتها أصالة المنتج المصري، كما أنه يعكس تاريخا ثريا من الفن المصري الأصيل، لذا تعتبر من أهم علامات الاحتفال بقدوم شهر رمضان، ففيها يتم تأصيل الطقوس الخاصة بالشهر المبارك.
ولم تقتصر المقهي على تقديم المشروبات والنارجيلة “الشيشة، بل كانت بمثابة ملتقي للادباء والفنانيين والكتاب ، وأيضا للرؤساء والأمراء العرب، فقد جلس عليها الرئيس جمال عبد الناصر، الجزائري بوتفليقة، أنور السادات، اليمني علي عبد الله صالح، السوداني جعفر النميري، وسعد زغلول.
وكانت المكان المفضل للملك فاروق وحاشيته، يقضون فيها طقوس شهر رمضان ، ففي المقهي يوجد قاعة “البسفور” وهي مخصصة للملك وضيوفه وبها أروع أنواع الأثاث وأفخمها، جدرانها مبطنة بالجلد الطبيعي، وكل مقتنياتها تحمل الأصالة وطعم التراث المصري العربي القديم المطعم بالصدف والأرابيسك، فكانت بذلك مفخرة للضيوف والرؤساء الأجانب ولذا اصطحب فيها إمبراطورة فرنسا الامبراطورة “اوجيني .
و في أركانها، تجد عبق الأحداث التاريحية الشعبية، والتي دار حولها معظم الأعمال الروائية للأديب العالمي نجيب محفوظ، وقد شهد المقهي العديد من المسودات الأولي لرواياته الشهيرة، فكانت مصدر إلهام للكاتب وكان يحلو له التردد عليها ولقاء أحبائه من الوسط الفني مثل الكحلاوي، و عبد المطلب ، و كان نجيب محفوظ طواقا لسماع أغانيهم ، بل إنه في بعض الأحيان كان يشترك معهم في الغناء ودندنة لبعض المقاطع.
وكان الشاي الأخضر لا يحلو للعالم المصري أحمد زويل، إلا من مقهي الفيشاوي ، فعندما كان يأتي إلى القاهرة كان حريصاً علي الذهاب إلي المقهي ، لينال منها رصيداً كافياً من عبق التاريخ المصري وتراثها العتيق.
وتحمل المقاهي عادة تاريخ ونبض البشر، وتلخيصاً جذرياً لحياتهم ، فكانت مقهي الفيشاوي شاهدة علي العصر، فعندما تم تعيين الدكتور بطرس غالي أمينا عاماً للأمم المتحدة ، قام التليفزيون الفرنسي بإجراء لقاء هام له ، و كان هذا اللقاء بين أركان المقهي .
وبذلك اعتبرت، مقهي الفيشاوي ملجأ لكثير من الفنانيين ، فكانت بمثابة ملتقي لهم يقيمون بها سهراتهم الرمضانية، ولقاءتهم يتبادلون فيها الآراء والخبرات، يعرضون أفكارهم وألحانهم، بل في كثير من الأحيان يبدأوا بروفاتهم الأولية، ورؤيتهم لأعمالهم من خلال هذا المقهي ، وكان يهوي ويعشق التردد عليها نجوم الزمن الجميل مثل كمال الشناوي، شادية، فريد الأطرش ويوسف وهبي، ام كلثوم، عبد الحليم حافظ، وعبد الوهاب.
وساهمت الفيشاوي في ازكاء الروح الوطنية لدي الشباب المصري، وتعظيم قيمة الانتماء والذود عن الوطن ، فقد كانت ملتقي للحركات الوطنية الطلابية السرية التي تناهض الاحتلال الانجليزي ، فكان يجتمع فيها الطلاب تحت ستار،”المذاكرة وتحصيل الدروس”، ليخططوا للمظاهرات ضد الانجليز والتي كان لها صدي تاريخي مازال يذكر الي الان .
وكما أوضحنا سابقا ان بداية هذا المقهي الشهير كانت عبارة عن “بوفية” صغير كان يقدم فيه الشاي للسياح والاجانب، ولكن مع ازدياد ضيوفه ورواده فكر مالك المقهي الحاج فهمي الفيشاوي علي توسعته بضم احد المحال بجواره ليصل مساحته الي 400 مترا ، ثم جاء قرار محافظ القاهرة ليتقلص مساحته الي 150 مترا فقط الامر الذي احزن صاحب المقهي وكان من ضمن اسباب التي سرعت لوفاته لحسرته علي حلم عمره.
في عام 1961 تعرض مقهى الفيشاوي لاستقطاع جزء كبير من مساحتها ، بسبب توسيع ميدان الحسين، فتقلصت مساحة المقهى الشهيرة وكما يقول ضياء الفيشاوي ، إن هذا كان سببا في إصابة جدي بجلطة في القلب، وقام وقتها الأدباء والكتاب والصحفيين بنشر مقالات تطالب محافظ القاهرة بعدم الشروع في إزالة جزء من المقهى ، على اعتبار أنه ذو تاريخ طويل ويحمل عبق الماضي ، لكن محافظة القاهرة لم تبالي وأزالت جزءا كبيرا من المقهى ، ليصبح مساحة المقهى 150 مترا بدلا من 400 مترا ، فتوفي الفيشاوي الكبير متأثرا بصدمة الهدم.
وقد أسس القهوة الحاج فهمي الفيشاوي، وهو رحمه الله توفى حزنًا عليها، بعد ان اتخذت الحكومة قرارا بهدم جزء كبير منها من أجل تطوير منطقة خان الخليلي، واصبحت مساحتها 150 متر بدلا من 400 متر، وتوفي الحاج فهمي بعد أن عمل تاريخ عظيم بدء بطاولة خشب منذ أكثر من 200 عام ، يجهز عليها المشاريب لزوار خان الخليلي والمحلات، والطاولة اصبح لها كراسي، والكراسي اشترى لها طقاطيق للطلبات، وبعد فترة نجح في أن يشتري محل واتنين، وأصبحت أخيرًا “الفيشاوي” التي نعرفها حاليا ، وهي مكونة من 3 أجزاء، وديكوراتها كانها بيت قديم من عصر الأتراك أو المماليك.
ولابد ان نذكر ان الكاتب والروائي الكبير نجيب محفوظ كان مرتبط بيها جدًا، واشتهرت به واشتهر بوجوده عليها، وكتب عليها ثلاثيته “بين القصرين، قصر الشوق، السكرية”.
كما توجد بها سجادة حريرية، رسمت عليها مشكاة تطل منها الزهور، أهداها ملك الأفغان للمقهى، بالإضافة إلى الأواني النحاسية المزخرفة المصنوعة بيد أمهر حرفيي مصر والفناجين والأواني الخزفية التركية، و التي جاءت من بلاد شرق وأواسط آسيا.
وفي أعلى سقف الغرفة تشهد الإثارة الكلاسيكية والثقافية، حيث تجد قناديل تفنن الصانع في إبداعها، وتبهرك أجواء المقهى، فتجعلك لست في عجلة من أمرك، أثناء انتظارك لمشروبك، تتنقل عيناك بفضول في محتويات غرفة يطلق عليها غرفة “البوسفور”، وهي مبطنة بالخشب المطعم بالأبنوس، وأدواتها من الفضة والكريستال والصيني كانت مخصصة للملك فاروق، وكبار ضيوف مصر من العرب والأجانب.
وينتابك شعور خفي بأنك ربما تجلس على مقعد الشاعر الساخر “عبد الحميد الديب”، الذى كان من رواده الدائمين في الأربعينيات، حيث كان يلتقي بشاعر النيل حافظ إبراهيم ويجلسان لتبادل الأحاديث والنوادر والقفشات مع رواد المقهى من البسطاء والدراويش.
ويذكر رواد المقهى دائمًا، أديب نوبل “نجيب محفوظ” والذي كان من عاداته اليومية، بعد خروجه من عمله في إدارة القرض الحسن، التابعة لوزارة الأوقاف، أن يمر على المكتبة المجاورة للمقهى، ليشتري ما جد من الكتب والدوريات، ثم يصل إلى المقهى في تمام الثانية والنصف ظهرًا، ليلتقي بأصدقائه وتلاميذه، من أمثال الأديب جمال الغيطاني، ويوسف القعيد، ورجاء النقاش وغيرهم.
كما تطرقنا آنفاً فقد اكتسب مقهى الفيشاوي جزءاً من شهرته من الأديب العربي – نجيب محفوظ- الذي بدأ فيها مسيرته الأدبية كما سجل في مذكراته، فقد أعتاد أن يجلس وحيداً في أحد أركان هذا المقهى وهو يتأمل، أمامه كوب الشاي الأخضر الذي يحتسيه، وبيده القلم، فقد أدرك أن مهد الفكرة ومنشأها هناك، ونصوص محفوظ الروائية مليئة بالأقاصيص عن عالم المقاهي التى استلهمها من إحدى أركان مقهى الفيشاوى، الذي أصبح مسرح العديد من روائعه الأدبية كالثلاثية وزقاق المدق وخان الخليلي، إضافة إلى الأعمال التى استحقت فيما بعد نيل جائزة نوبل للآداب ، وتحاك الأساطير ويلف الغموض صاحب المقهى، المعلم “فهمي على الفيشاوي” وعلاقته بالإمبراطورة “أوجيني” زوجة الإمبراطور “نابليون الثالث” إمبراطور فرنسا، أثناء زيارتها لمصر، وأثناء حفلات افتتاح القناة.
ففي أثناء جولة الإمبراطورة بالمنطقة القديمة، ومشاهدتها للجوامع الأثرية بشارع المعز لدين الله، ألمت بها وعكة خفيفة من شدة الحر، ولم يكن هناك مكان قريب لتستريح فيه الإمبراطورة المتوعكة غير مقهى الفيشاوي، وبالفعل هرع الحرس إلى المقهى لتنظيفه وتهيئته لاستقبال الإمبراطورة.
واقترح الحرس على المعلم “الفيشاوي” إحضار أطقم للشاي والقهوة من القصور الخديوية لتليق بمقام الزائرة، لكن المعلم رفض ذلك، وقال إن لديه مقتنيات من الأطقم الخزفية والأكواب الزجاجية ليس لها مثيل في أعظم القصور الخديوية، ووقف المعلم ابن العشرين ربيعًا والذي كان يعرف بالألفي “لمضاجعته ألف امرأة منذ بلوغه”، على باب المقهى، لاستقبال الإمبراطورة والترحيب بها في المقهى.
وفي اليوم التالي، طلبت الإمبراطورة أن يتم إحضار المعلم صاحب المقهى كي يعد لها الشاي الأخضر المعطر بالنعناع في قصرها، وذهب الرجل إلى القصر وأعد لها الشاي الأخضر المعطر بالنعناع ، وسقاها بيديه أيضًا.
وكانت قد جاءت الملكة أوجينى إلى مصر بدعوة من الخديو إسماعيل بمناسبة افتتاح قناة السويس ، وقد بالغ الخديو فى مظاهر الاحتفاء بها، فقد جاءت وحدها دون الإمبراطور الذي كان مشغولاً بالظروف السياسية التي تمر بها فرنسا، وكانت هي في الثالثة والأربعين من عمرها، ولكنها بالغة الأنوثة والتألق والجمال، وجاءت إلي مصر قبل ثلاثة أسابيع من الاحتفال زارت خلالها الآثار المصرية في الأقصر، وقد عبرت الإمبراطورة نفسها عن البذخ والترف في احتفالات افتتاح قناة السويس قائلة : لم أر في حياتي أجمل ولا أروع من هذا الحفل الشرفي العظيم .
وقد نسج البعض قصصاً وهمية عن حب الخديو إسماعيل للملكة ، وانه انشأ حديقة الأسماك بالزمالك والسرا يا لها ، وكلها حكايات من نسج الخيال لا أساس لها من الصحة ، ومن الحكايات التى تحتاج إلى بعض التدقيق ، ولكن نحكيها هنا من باب رصدنا للفيشاوى المكان والزمن ، أن الملكة أوجينى أثناء جولتها فى منطقة الحسين وخان الخليلى قبل افتتاح قناة السويس بأيام قليلة شعرت بعض التعب من المشى داخل الحارات الضيقة ، واحتاجت الاستراحة قليلاً ، ولما كان من الصعب إحضار العربة الخاصة بها داخل الحارة الضيقة ، لم يجد الحراس إلا الجلوس على أحد المقاهى ، وكان الاختيار لقهوة الفيشاوى وبسرعة جرى الحراس إلى صاحب المقهى لتجهيز المكان والذهاب فوراً إلى قصر الخديو لاحضار الأطقم الذهبية لتقديم المشروبات بها ، إلا ان صاحب المقهى رفض ، وطالبهم بالجلوس على أى مقهى آخر أو استعمال أدوات قهوته المزركشة الجميلة ، ولما كان الوقت لا يحتاج الى مزيد من النقاش ، جاءت الملكة لتجلس على كراسى القهوة الخشبية المزينة بالنقوش اليدوية والحيطان الخالصة والمرايا المحاطة بإطار مذهب ، و أعجبت الملكة بالمكان جداً ، وقدم لها صاحبه الشاى بالنعناع على صينية فضية وكوب ماء وبراد وسكر بره ، فى أجواء مصرية خالصة ، جلست الملكة واستمتعت جدا بأجواء مقهى الفيشاوي الرائعة .
ماذا قال المعلم “الفيشاوي” للامبرطورة “أوجيني”؟.. هذا ما أرادات الإذاعة البريطانية أن تعرفه حينما أرسلت مندوبًا له إلى القاهرة، وجاء إلى المقهى ليعرض على المعلم “شيكًا على بياض” مقابل أن يخبره عما دار من حديث مع الإمبراطورة “أوجيني” عندما التقاها منذ 70 عامًا؟، ولكن المندوب كان قد ألقي خارج المقهى، بعد أن أتم سؤاله على العجوز الذي قارب المائة من العمر، دون أن يتلقى أي إجابة.
وفى حوار مع الأديب نجيب محفوظ حول ذكرياته في رمضان قال فيه: القهوة هي المكان الذي كنت التقى فيه بأصدقائي الخصوصيين، وهي بعد ذلك مكان التقاء المثقفين والصحفيين والأدباء بعد أن اشتغلت بالأدب، و أيضا هي المكان الذي أجلس فيه وحدي لاتأمل من يمرون بالشارع أمامى، وهى في بعض الأحيان المكان الذي كنت أرتاده لكي أدخن الشيشة التي لا أستطيع تدخينها بالمنزل ، وقد كان بإمكاني أن أمكث يوما كاملا مع الشيشة.
وتابع الأديب الكبير: فى الحالة الأولى كان رفيقي في القهوة هم الأصدقاء، وفي الحالة الثانية كان الأدباء وفي الحالة الثالثة كان المارة في الشارع، وفي الحالة الرابعة كانت الشيشة، وفي بعض الأحيان كانوا يجتمعون جميعا في جلسة واحدة، وأعمالي الأدبية لا أستطيع كتابتها إلا على مكتبي، لكنى كنت أتوصل إلى بعض أفكارها أثناء جلوسي على القهوة، وكنت أنتظر حتى عودتي إلى البيت لأدونها، وأكثر قهوة استلهمت فيها أفكار وحوادث رواياتي كانت مقهى الفيشاوي بالحسين.
صور كثيرة معلقة ما زالت تزيّن جدران قهوة الفيشاوي تحتفظ بمشاهير الفنانين والشخصيات البارزة فى المجتمع وهم يجلسون على “قهوة الفيشاوي”، من أشهرهم جمال الدين الأفغاني أحد أعلام الفكر الإسلامي، والشيخ محمد عبده، والرئيس الجزائري بوتفليقة، والرئيس اليمني علي عبد الله صالح، والرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري، وعمرو موسى الذي اصطحب معه عددًا من وزراء الخارجية العرب ، كما قامت إحدى المحطات التلفزيونية الفرنسية بتسجيل لقاء مع الدكتور بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بالمقهى ، كما يحرص العالم المصري الحائز على جائزة نوبل الدكتور أحمد زويل على زيارة المقهى ، وذلك كلما كان في القاهرة لتناول الشاي الأخضر ، ومن زبائن المقهى من الفنانين، أم كلثوم ، ومحمد عبد الوهاب ، وعبد الحليم حافظ ، وفريد الأطرش ، وسميحة أيوب ، وكمال الشناوي ، وعزت العلايلي ، وفاروق الفيشاوي ، وليلى علوي، ومحمود عبد العزيز ، ونور الشريف ، وعادل ادهم، واحمد زكي، ومحمد هنيدي ، ومنى زكي ، وحنان ترك ، واحمد السقا ، واحمد حلمي ، وغيرهم.
يقول الحاج أكرم الفيشاوي الذي يدير المقهى حالياً وهو من الجيل السابع من أحفاد الفيشاوي، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية: “إن مقهى الفيشاوى محبب للكثير من المصريين خاصة في شهر رمضان ، فمنهم من يعزف على العود والكمان مستمتعاً بالجو والمكان التراثي الأصيل.”
ويضيف الفيشاوي أن المقهى يبدأ في الازدحام بعد الإفطار مباشرة وحتى السحور، حيث يستمتع رواده بروح المكان، الذي تخطت شهرته مصر والوطن العربي، على الرغم من انتشار الكثير من المقاهي المتاخمة لمسجد الحسين، ولكن تبقى مقهي الفيشاوي هي الاكثر إقبالا ، حيث يقف الكثيرون انتظاراً لدورهم.”
ويشير الفيشاوي إلى أن “الكثير من الشخصيات المشهورة قامت بزيارة المقهى ، ومن بينهم الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس غالى ، والأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسي ، والشاعر الراحل أحمد رامي ، والكاتب والروائي العالمي الراحل نجيب محفوظ ، والذي كتب ثلاثيته الشهيرة بالمقهى، بالإضافة إلى العديد من الأدباء والفنانين والرؤساء والوزراء ، ” .
ورغم تقليص مساحة مقهى الفيشاوي وتغير بعض ملامحه، فلا زال يشكل مقصدا لكل فئات المجتمع المصري من الذكور والإناث من مختلف الأعمار ، كما يقصده السياح العرب والأجانب لمعايشة جانب من أجواء الحياة الشرقية الأصيلة ، كما لازال مقهى الفيشاوي يشكل مزارا لبعض الأسماء الوازنة في مجال الإبداع الأدبي المصري والعربي، في مقدمتهم الروائي الكبير جمال الغيطاني الذي يعد واحدا من المرتادين الأوفياء لهذا المقهى.
وأما عن أهم أصدقاء نجيب محفوظ علي قهوة الفيشاوي فيقول الحاج “أحمد” أن منهم الشيخ إبراهيم بائع الكتب، والذي كان رجلا كفيفا يبيع للمشايخ كتب دينية ، لان أغلبهم من طلاب في جامعة الأزهر، وكان عندما يسأله أحد الزبائن عن كتاب معين يشير بأصبعه علي اسم الكتاب، وكان من أقرب الأصدقاء لنجيب محفوظ علي قهوة الفيشاوي والذي اشتهرت صورته مع نجيب محفوظ.
يشتهر المقهى بالشاي الذي يقدمه، سواء الأسود منه أو الأخضر، حيث يقدم في إبريق معدني صغير، تفوح منه رائحة النعناع، على مائدة معدنية صغيرة، كما تقدم فيه النارجيلة (الشيشة) بنكهات مختلفة، وهو أكثر شيء يقبل عليه مرتادو «الفيشاوي» خاصة من الشباب والسياح الأجانب ، كما أن فنجان القهوة في مقهى الفيشاوي تشعر انه بمذاق الحب في كل صباح، هناك فنجان قهوة باكرا، يستودعه الناس أسرارهم وأمنياتهم ليوم جديد وطويل ،يرسم فى قاعه خطوط أيامهم ، يحصر بين جنباته محيط أسرارهم ، البعض يطيل فيه النظر ويتأمله، فتطل منه الخيالات ، رائحة البن الساخنة المتصاعدة منه يفوح منها عبق التاريخ ، تذيب الهموم تماما، لتجد نفسك مدين بالشكر إلى مكتشف شجر القهوة ، هذا العبقرى الذى تحكى الأسطورة انه فى زمن بعيد لاحظ راعى ماعز حبشى – اسمه كلدي- أن ماشيته تصبح أكثر نشاطا وحيوية عندما تأكل من نوع معين من الأشجار البرّية فكان ذلك الاكتشاف الأول لثمار شجرة البن.
رغم أن منطقة خان الخليلي باتت مليئة بعدد ضخم من المقاهي، ذات المستويات المختلفة، ومنها مقاهي تطل مباشرة على مسجد الإمام الحسين، لم ينجح أي مقهى في القاهرة من منافسة مقهى الفيشاوي، حتى يمكن أن تجدوا أغلب المقاهي الأخرى في المنطقة خاوية على عروشها، وعمالها يسعون لإقناع الزبائن بالجلوس بشتى الطرق، بينما لن تجدوا مقعداً خالياً في الفيشاوي، وفي كل مرة ستضطرون للانتظار حتى تخلو طاولة فيه.
هل نقول لكم سراً ؟ لا تذهبوا في المساء، فالزحام شديد، أفضل وقت للجلوس في المقهى والتمتع بمشروب الشاي الشهير فيها هو الفجر ، حيث يعتبر أفضل وقت تستمتع فيه بشرب براد الشاي الذي اشتهرت به قهوة الفيشاوي، هو وقت الفجر لأن فترة الليل تكون مزدحمة كثيرا ، ومن الممكن إلا تجد مكان في القهوة .