أما قبل؛ فأنا أعتذر للقارئ عن معلومة أتت في مقالي السابق من أن الكنيسة قد أعدمت عالم الفلك جاليليو جاليلي وهي لم تعدمه بل نفته عندما توصل لنظريته بمركزية الأرض ودوران الشمس حولها، وفي الحقيقة حدث سقط لأني ذكرت عدة أسماء تم إعدامهم بالفعل على اجتهادهم العلمي ثم ذكرت جاليليو، وقد عدت للمقال وتخففت من الأسماء فبقى اسم العالم ليظهر وكأنه من الذين تم توقيع عقوبة الإعدام عليه، ولذلك وجب التنويه والاعتذار، وأشكر القراء المتابعين الذين لفتوا انتباهي.
أما بعد، فثمة شئ يحدث في الأفق، كأن الصمت يخيم من بعيد لا يمكن لأحد التنبؤ بما سيحدث، لكن العالم يتشكل من جديد، دول تحيا ودول تموت، قوى تظهر، وقوى تخور، وبين هذا وذاك، يسكت الكلام، ويبقى من المشهد المرعب الشعر، والتاريخ يعبران عن خوفنا وترقبنا، ويشهدان على الذكاء الاصطناعي الذي سيقضي على الذكاء الإنساني ويحاربه،
فقد ظهرت المذيعات الدمى يدرن الحوارات على قنوات عدة مثل الكويت والصين في خطوة للتخلي عن البشر لمثل هذه المهنة المهمة من وجهة نظري، ومن عدة أيام شاهدت قصة ترويها فتاة أجنبية عن تواصلها مع شخص عبر الإنترنت، وتطور الأمر بينهما عبر الهاتف ليقررا الالتقاء بعدما شعرا أنهما يريدان أن يكملا حياتهما مع بعضهما لتكتشف أنها كانت تتحدث مع رجل من عالم الذكاء الاصطناعي مثل الدمية صوفي، وأن له مشاعر جياشة رغم ذلك؛ بل إنها في البداية لم تستطع أن تفرق بينه وبين الإنسان الطبيعي شكلا وحديثا. فإلى أين نحن ذاهبون؟!
لقد نادى أغلب المثقفين منذ أواخر القرن 18 وأوائل القرن 19 بالقطيعة المعرفية ليتم السيطرة على عالم المشاعر، ويتحول الإنسان إلى كائن بلا مشاعر، وكان يقف أمام تحقيق تلك القطيعة عدة أشياء منها: المعرفة التي انتهت بتدمير التعليم، والشعر، والتاريخ والعلوم الإنسانية، والدين، والغناء. وقد تم محاولة القضاء عليهم بوضعهم في قائمة العلوم المحتقرة غير ذات الجدوي. وعلى الجانب الآخر لقد كرم كل من نادي بتلك القطيعة المعرفية، ونال حظا من الشهرة والمجد في دولهم وتم تلميعهم، وتزويدهم بالعلم والمال وأصبحوا نجوم المجتمع بلا منازع. وتم اتهام من حافظ على الإرث الثقافي والفني بالرجعية والتخلف؛ ولم لا؟!
فما يخطط له العالم مخيف، وما كنتم تشاهدونه في أفلام الرعب سيحدث في القريب العاجل؛ سيظهر السفاحون الذين يقتلون بلا رحمه وسيكونون هجينا بين الإنسان والآلة مبرمجين بشرائح إلكترونية توجههم، وسنرى من كل إنسان عدة نسخ فلا نستطيع أن نحدد من يحارب أو مع من نتحدث في عالم الميتافرس، وسيطير الإنسان في الهواء بدون طائرة، وسيختبئ الإنسان البشري في عقل “غدنديزر” الإنسان الآلي ويحارب أخيه الإنسان بأسلحة الحرق، والصعق ، وغيرها مما كنا نشاهده في أفلام كرتون الأطفال ، وسيحضر لدى الإنسان كل ما يريده بمجرد التفكير فيه بظاهرة التخاطر، ولن تكون الحروب بالبشر بل بالآلات ورجال الذكاء الاصطناعي فلن نفرق بينهم وبين البشر. لقد تأخرنا كثيرا عن إدراك ما كان حولنا، وكان مطلوبا أن نظل هكذا. لقد أفقنا متأخرا وحاولنا اللحاق بركب التقدم ولكن الاقتصاد سيف مصلت على رقابنا. أما الأمل ففي اتحاد القيادات الرشيدة.