كتب / رامي الشاعر
صرح المستشار الألماني أولاف شولتس مؤخرا بأن ألمانيا لن تتخذ خطوات “أحادية الجانب” بشأن إمدادات السلاح لأوكرانيا، حتى لا يكون هناك تصعيد بين “الناتو” وروسيا.
وكان المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي قد صرح بأن الولايات المتحدة سلمت ما يقرب من 100% من المساعدات العسكرية التي طلبتها كييف لشن هجومها المضاد، لكن، وفي الوقت نفسه، يشدد الرئيس بايدن على أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسلم أوكرانيا مقاتلات “إف-16″، ويؤكد على مبدأ “عدم وجود جنود على الأرض”.
يعني ذلك ببساطة ما سبق وكتبته مراراً وتكراراً بأن “الناتو” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية سيحاربون “حتى آخر جندي أوكراني”، وحتى “زوال الدولة الأوكرانية من الوجود”.
لكن ما يثير الاهتمام حقاً هو موقف بولندا التي رفعت من ميزانيتها للدفاع، وكانت 2.42% من الناتج المحلي الإجمالي، لتصبح 4% بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، علاوة على خططها لشراء الدبابات ومدافع الهاوتزر وراجمات “هيمارس” ومقاتلات “إف-35” الأمريكية (32 مقاتلة)، وأخرى خفيفة من طراز “FA-50” من كوريا الجنوبية (48 طائرة يتم تسليم أول 12 منها في عام 2023، والبقية ما بين 2025-2028(. تخطط بولندا كذلك لبناء “أكبر جيش بري في أوروبا” و”أقوى قوات مسلحة في أوروبا بعد أوكرانيا”، كما تبني صناعة الدفاع اللازمة لدعمها، وتعمل كذلك على تنويع الموردين وزيادة سرعة التسليم.
يثير ذلك الاهتمام إذا ما وضعنا تصريح السفير البولندي في فرنسا يان إيمريك روسشيزيفسكي، 18 مارس الماضي، بأنه سيتعين على وارسو الدخول في الصراع إذا ما هزمت أوكرانيا، إلى جانب الاستفزازات التي قامت بها السلطات البولندية مؤخرا باقتحام المدرسة الروسية التابعة للسفارة الروسية بوارسو والاستيلاء على الممتلكات الدبلوماسية في انتهاك فاضح وصارخ لاتفاقية فيينا.
يشير ذلك إلى نقطتين هامتين:
ـ أولاهما: أن “الناتو” لم يعد على قلب رجل واحد، فهناك صقور في أوروبا الشرقية، تتصدرهم بولندا، يسعون لزج “الناتو” إلى حافة الحرب مع روسيا، دون أن يدركوا مغبة هذا الصراع الدموي الذي يمكن أن يفضي إلى حرب عالمية ثالثة باستخدام الأسلحة النووية الاستراتيجية. وهناك “الناتو” الذي تقوده الولايات المتحدة وحولها أوروبا القديمة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، والذي يحقق من الأزمة الأوكرانية هدف “استنزاف” روسيا بأيدي الأوكرانيين، ومن خلال تدمير النظام في كييف لشعبه ودولته بكامل إرادته، دفاعاً عن المصالح الأمريكية والغربية، دون أن يتورط “الناتو” بأي شكل من الأشكال في الصراع على نحو مباشر.
ـ النقطة الثانية: هي أن أوكرانيا بالفعل على وشك الهزيمة، لا سيما أن الغرب الآن يحاول أن ينفض يديه من الصراع، قائلاً إنه “قام بتوفير كل ما طلبته أوكرانيا”، ولم يتبق سوى أن تقوم هي بالأدوار المنوطة بها. بعبارة أخرى: فقد فعلنا كل ما بوسعنا، لكن أوكرانيا هي التي خسرت وليس “الناتو”.
ما تطمح إليه بولندا، ومن ورائها أقزام البلطيق وبعض دول أوروبا الشرقية، هو “توريط الناتو” في هذا الصراع بأي ذريعة ممكنة، ذلك أنها تدرك أن هزيمة أوكرانيا يعني وصول روسيا إلى ثروة هائلة من موارد المعادن النادرة والغاز والنفط والفحم، فضلا عن مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وسوف تسيطر على جزء معتبر من صناعة الدفاع الأوكرانية ما سيمنحها القدرة على تعزيز دفاعاتها وخطوط المواجهة في المناطق المحررة في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين ومنطقتي زابوروجيه وخيرسون، وربما تنضم إليهما أوديسا ونيكولاييف، لتستعيد روسيا بذلك أراضيها التاريخية كاملة.
لكن ذلك، استناداً إلى التصريح الأخير للمستشار شولتس غير مرجح للحدوث، لا سيما أن بولندا التي تشارك بالفعل في القتال على الأرض من خلال المرتزقة، سوف تكون وحيدة، وسيؤدي ذلك إلى انقسام “الناتو” وانفراط عقده. فلا أحد في بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا أو إيطاليا يود مواجهة روسيا، والولايات المتحدة الأمريكية منشغلة بمشكلتها الرئيسية مع الصين، وبمشكلاتها الاقتصادية العويصة في الداخل، والانتخابات الرئاسية العام المقبل.
لهذا فإن ما يعلنه المستشار شولتس في واقع الأمر هو أن أوكرانيا ستكون وحدها في هذا الهجوم المضاد، وهو ربما فرصتها الأخيرة لاستعادة أي أوراق يمكن الجلوس بها على طاولة المفاوضات، وهو أمر صعب قد يرقى لمستوى المستحيل، أو الرضوخ للأمر الواقع، والتسليم بالهزيمة، التي قد لا يشاركها فيها سوى بولندا، لا “الناتو”، وهو ما قد يدفع بالصراع إلى مستويات أخرى، وربما يدفع بخط المواجهة نحو الغرب، دفاعاً عن الأمن القومي الروسي، الذي قامت من أجله روسيا بعمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا.