حينما شرع الله الطلاق بين الزوجين كان الهدف من هذا التشريع هو إراحة النفس البشرية بعد استحالة العشرة بين الزوجين ، وقد شرع الله لكل طرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات بعد انتهاء علاقة الزواج ، ولكن .. يبقى الأبناء هم من يدفعون ثمن هذا الانفصال ليكونوا بين شقي رحى ، فهاهم قد تمزقت أوصالهم بين الأب والأم ، وأصبحوا أمواتا وهم على قيد الحياة بعد أن شاهدوا بأعينهم صراعات أسرية يندى لها الجبين ، ومع إبراز صورة ذهنية سيئة من كل طرف للطرف الآخر يصبح الأبناء في صراع فكري ونفسي قاتل ، بل وفي كثير من الأحيان يتم استخدام الأبناء كورقة ضغط من أحد طرفى النزاع لإجبار الطرف الآخر للتنازل عن حقوقه وهو ما لا يقره شرع ولا قانون .
وبصفتي باحثة متخصصة في شئون المرأة والطفل وبعد تزايد حالات الطلاق بنسب مخيفة في المجتمع المصري، أرى أنه لزاما على المجتمع بكافة طوائفه – أفراد ومؤسسات – العمل قدر الامكان حتى لا تصل الأمور بين الزوجين إلى هذه المنطقة المعتمة التى لا يجدي فيها تفاوض ولا إعمال لصوت العقل ، وإنما تكون نبرة التهديد والتربص والنيل من الآخر هي اللغة السائدة بين الطرفين .
فقادة الرأي في المجتمع لهم اليد الطولى في التأثير في الجماهير بشأن هذا الصدد ، فرجال الدين والفنانين والأدباء وأساتذة الجامعات وغيرهم من الشخصيات الاعتبارية قد يؤخذ برأيهم في هذه القضية الحساسة ، وقد يكون أحدهم سببا مباشرا في عودة المياه إلى مجاريها بين الزوجين لا سيما إذا كان يتحدث بلغة المنطق والحيادية .
كما أن لوسائل الاعلام دور بارز في هذه القضية ، فتقديس الحياة الزوجية ، وإبراز قيمة الترابط الأسري وتأثيره الايجابي على نشأة وتربية الأبناء ، والتحذير من الصراعات الزوجية وآثارها النفسية السيئة على الأبناء … وغيرها من القضايا الأسرية التي من الممكن أن تقدم – على سبيل المثال – في صورة درامية توعوية قد يكون لها أبلغ الأثر في ترسيخ صورة ذهنية إيجابية عن قيمة ومكانة الأسرة ودورها المؤثر والفعال في تشكيل المجتمع بأسره .
ولكن إذا لم تؤت كل هذه الآليات ثمارها ووصلت الأمور بين الزوجين إلى طريق مسدود ، هنا يكون الانفصال هو الحل الأنسب ، وساعتها لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب ، وإنما يجب العمل بالمثل القائل ” زي ما دخلنا بالمعروف .. نخرج بالمعروف ” ، وما أرقاها من قاعدة ذهبية لو تم تطبيقها بعد أن يؤدي كل طرف للآخر حقوقه التى كفلها له الشرع والقانون ” ، فلا يجب أبدا حرمان الوالد من رؤية أبناءه ، كما لا يجب أن يمتنع الوالد عن تحمل واجباته المادية والمعنوية تجاه أبناءه .
وإذا حدث هذا فلن نجد مطلقا الزحام التي تعج به ساحات المحاكم ، ولن نسمع صيحات الاتهامات المتبادلة ، ولن نلمح نظرات الشماتة والتربص .
فهل من الممكن أن نصل إلى هذه المرتبة الرفيعة من الرقي رغم الخلاف ؟ أم أن أحلام اليقظة التي تراودني من حين لآخر لن يتم تحقيقها على أرض الواقع ؟ سؤال … يبحث عن اجابة .