لو أفصحنا منذ قرن عن أن الديمقراطية التى فرضتها الولايات المتحدة على دول العالم ما هى إلا ديمقراطية استعمارية، هدفها حماية مصالح الدولة العظمى أمريكا، وأن أى فكر يتجه لخدمة دولة واحدة دون الدول الأخرى سينهار فى يوم من الأيام، لو أفصحنا عن هذا وقتها لاتهمنا الناس بالعدائية وعدم تقدير الأمور.
فى لقاء جميل بصالون الكاتب أحمد المسلمانى التقيت السياسى اللبنانى الكبير كمال شاتيلا. كانت مصر تتهادى بحضنها الدافئ لضم نماذج وعناصر فاعلة ومؤثرة فى الحركة السياسية المصرية والعربية فى الصالون، وكان السياسى كمال شاتيلا يتهادى بصوته الرزين العاقل ذى اللكنة اللبنانية، يشرح ويفسر للحضور كيف أن الوحش الأمريكى الذى فرض سيطرته على العالم بدأ فى التداعى، معربا عن مشهد للعالم بدأ فى التحول،
إذ لم يعد تحت سطوة قوة واحدة تحرك الجميع كقطع الشطرنج، وإنما انتقل الثقل الفاعل إلى التنين الأصفر(الصين) المهيمن الآن على بعض المشهد؛ وأن العالم بصدد تشكل جديد يسعى فيه الوطن العربى إلى الصعود مرة أخرى من سُباته الطويل، والشرط الوحيد لهذا هو التكامل، مع الحفاظ على الثقافات والاختلافات والتعددية الفكرية والدينية والعرقية.
وأكد أن حكام الدول العربية اليوم حكام أقوياء، وعوا دورهم والدروس المستفادة من خريطة الدول العربية التى أسقطها النظام الغربى بفعل فاعل، كما أشاد بدور مصر ورئيسها فى الوقوف فى وجه المؤامرات التى تستهدف مصر. أما عن مفهوم الديمقراطية الاستعمارية فقد أوضحه من خلال كتابه الديمقراطية الاستعمارية..انهيار الإمبراطورية الأمريكية, حيث أشار إلى أن المشروع الديمقراطى الأمريكى فى المنطقة العربية ليس ديمقراطيا، وإنما هو مشروع الشرق الأوسط الجديد، ومضمون الديمقراطية فيه إيجاد نظم تحقق هيمنة إسرائيلية أمنية واقتصادية على الدول العربية.
أما ما استوقفنى فى الكتاب فهو كثير؛ منه نظرية الانهيار عند فوكوياما فى مبحث بعنوان شمس الحضارة تسطع اليوم.. من الشرق. فقد تنبأ فوكوياما بانهيار الولايات المتحدة فى مقال له بجريدة نيوزويك 2008 وسار على نهجه كل المحافظين الجدد فقال: لقد انهارت الولايات المتحدة كمؤسسة. وقد فسر كمال شاتيلا هذه المقولة بأننا أمام انهيارحتمى بالأيديولوجية،
والدولة والمشروع الإمبراطورى الأمريكى، مدللا على ذلك بأن الاقتصاد الأمريكى يعانى عجزا يساوى 12 تريليون دولار بعدما خرجت أمريكا من سباق التسلح، وأصابها الكساد الاقتصادى، وتحررت أمريكا اللاتينية التى كانت تعد الحديقة الخلفية للولايات المتحدة و تسد العجز عنها بذهبها وفضتها وبترولها المنهوب. إن الولايات المتحدة تنتقل فى المرحلة الحالية من الهيمنة إلى الانكفاء، فلم يعد لديها القدرة الاقتصادية كما كان يحدث فى الأزمنة الغابرة.
وقد تساءل الكاتب فى النهاية بسؤال: ما السبيل للخروج من مجموع أرقام هذه المديونية وهذا العجز وهذه الإفلاسات المالية والصناعية؟! بعدما فرغت من الكتاب ازددت اقتناعا بأن الغرب لم يستطع أن يقدم لنا نموذجا للديمقراطية الحقة يحتذى به على مدار تاريخه الطويل. وعلى كل دولة ان تصنع قوتها الفكرية وديمقراطيتها بما يتناسب مع شعوبها فلم يعد العالم يعانى طفولة فكرية تتبناها دول تفرض سيطرتها الابوية.