كتب – علاء حمدي
أكدت الدكتورة ليلي الهمامي – الخبيرة السياسية التونسية واستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن ، أن السياسة الفرنسية ما زالت تفرض سيطرتها علي تونس رغم الاستقلال وأن السلطات الفرنسية قامت بوضع تشريعات، عشية إقرارها استقلال تونس، ما يسمح لها باستغلال الثروات التعدينية التونسية، وضمان وضع يدها على تلك الثروات، حيث قامت بتكوين شركات بلغ عددها 10 شركات منحتها حقوق استغلال الحقول النفطية والمناجم، وعقود استغلال ورخص تنقيب عن النفط والغاز، واستغلال الملح، لمدة 99 سنة، مع إعفاء هذه الشركات من الضرائب والإتاوات، أبرزها شركة “سيرابت وايراب”، وشركة “كوتيسال” التي تستخرج الملح في منطقة الجريد جنوبي تونس سعر متدني.
واضافت ” الهمامي ” ان المشهد السياسي التونسي اثار جدل حول التدخل الفرنسي في الخيارات الاقتصادية لتونس منذ الاستقلال واستغلال للثروات الطبيعية التونسية، ومطالبات قوى سياسية ومدنية بتأميم واسترجاع الثروات الوطنية وطرد الشركات الفرنسية. و أن اتفاقية الاستقلال الداخلي، التي وقعها الرئيس الحبييب بورقيبة مع السلطات الفرنسية في أذار/مارس عام 1956، تضمنت فصلين لم يتم إلغائهما في اتفاقية الاستقلال التام، وتتضمن تمتع فرنسا، في إطار “حمايتها لمصالحها الاستعمارية”، بالتزام الدولة التونسيّة بمنح حق الأفضلية للمشاريع الفرنسية في رخص التنقيب والاستثمار، وعدم قدرة الدولة التونسيّة على تغيير آجال العقود والاتفاقيات ورخص التنقيب الاستثمار الممنوحة للشركات الفرنسية إلا بموافقة الطرف الفرنسي”.
واشارت الهمامي إلى أن فرنسا ظلت تحصل على “امتيازات استغلال الثروات الباطنيّة التونسيّة بطريقة مجحفة، واستغلال الأراضي التونسية لنقل البترول من الجزائر دون منح تونس أية حقوق، حيث قامت شركة ” ترابسا” الفرنسية سنة 1958 بمد أكثر من 510 كيلو متر من قنوات نقل البترول من منطقة عين أميناس الجزائرية إلى ميناء الصخيرة، حتى تأميم الجزائر للمحروقات في 24 شباط/فبراير 1971.
واضافت ” الهمامي ” : لقد تكونت المشكلة التونسية يوم احتلَّت فرنسا الجزائر في أواسط القرن التاسع عشر، فأخذت فرنسا تتدخل في شئون تونس شيئًا فشيئًا تمهيدًا للاستيلاء عليها، ولم يتيسر لها احتلالها عام ١٨٨١ إلا بعد مناورات دولية دامت أكثر من ثلاثين سنة، وكانت تخشى مزاحمة بريطانيا العظمى لها ومطامع إيطاليا المكشوفة، إلى أن تم الاتفاق مع الإنجليز بمساعدة رجل ألمانيا المحنك «بسمارك» على أن تكون بريطانيا مطلقة اليد في مصر وتكون فرنسا حرة التصرف بتونس، أما إيطاليا فوقع إبعادها بإعطاء بعض الترضيات لجاليتها بتونس . وهكذا كانت نتيجة وضع المشكلة التونسية في الميدان الدولي، احتلال الجيوش الفرنسية للبلاد وفرض الحماية عليها؛ لأن الدولة الاستعمارية قد اقتسمت العالم في ذلك الحين وتصرفت في الأقطار كما شاءت لها مطامعها؛ إذ القوة بيدها والمال في قبضتها والسياسية العالمية في حوزتها.
واشارت الخبيرة السياسية التونسية ” ليلي الهمامي ” الي استيلاء فرنسا على تونس أصبحت المشكلة التونسية تحتل مكانًا ممتازًا في السياسية الفرنسية البحتة التي لم تكن واضحة جلية في أول أمرها؛ لأن معاهدة «باردو» لم تحتوِ على لفظة الحماية، بل أبقت السيادة التونسية كاملة غير منقوصة، وكان المستعمرون ينادون بوجوب القضاء على الدولة التونسية وإلحاق البلاد التونسية بفرنسا مثل ما تم فيما يتعلق بالجزائر. وكان الأحرار الفرنسيون مثل «كليمنصو» ينددون بالعدوان على شعب صديق، ويطالبون بإجلاء الجيوش الفرنسية عن تونس، فاتخذ رئيس الحكومة الفرنسية إذ ذاك «جول فيري» موقفًا وسطًا وقال: إن فرنسا لا تريد استعمار تونس ولا ترمي إلى إدماج ترابها في التراب الفرنسي، وإن احتلالها لها إنما هو ضمان لبقائنا بالجزائر. فسياسة فرنسا نحو تونس تتلخص حسب عباراته في كلمتين: «لا إلحاق ولا انسحاب.»
واوضحت استاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن ، أما داخل البلاد التونسية، فقد كانت السياسة الفرنسية تناقض ما قررته الحكومة الفرنسية، وكان أكبر عامل في تبديلها وقلبها هو المقيم العام «بول كامبون» الذي اشتهر بمهارته الإدارية بفرنسا، ففرض على تونس اتفاقية جديدة (اتفاقية المرسى)، واستدرج الحكومة الفرنسية إلى الموافقة عليها، ثم اتخذها أداة للاستيلاء على السيادة الداخلية التونسية وإنشاء إدارة حديثة تكون آلة في قبضته؛ ليتمكن من حكم البلاد حكمًا فرنسيًّا مباشرًا، فيتصرف في الميزانية لتنفيذ أغراضه، ويشرع في سياسة تنمية الجالية الفرنسية بتشجيع الهجرة ومنحهم الوظائف العامة والأراضي الخصبة، ويسرع إلى تقسيم الثروة المعدنية على الشركات الفرنسية.
وقالت الهمامي : أن فرنسا في سياستها نحو الإمبراطورية عامة وتونس خاصة عجزت عجزًا ظاهرًا عن متابعة الظروف العالمية والداخلية، ولم تعرف كيف تتكيف لمجاراتها، ولم تتعظ بالدروس القاسية التي تلقتها في مختلف أنحاء العالم، فانجلت عن سوريا ولبنان صاغرة مقهورة، وأضاعت قواها العسكرية والمالية في حرب طاحنة لا هوادة فيها في الهند الصينية، ولم تعتبر بالعبر والشدائد التي قاساها غيرها من الدول، كأنها لم ترَ هولاندا تغادر إندونيسيا إلى غير رجعة، وأن تشاهد بريطانيا تعطي استقلال الهند طواعية، ولم تتفطن إلى انهيار إمبراطوريتها نفسها وتقطع أوصالها وانفصال أجزائها، ولم تراعِ العوامل والقوات التي تؤثر تأثيرًا مباشرًا على الوحدة الفرنسية
والجدير بالذكر أنه تعود الأطماع الفرنسية في تونس إلى حقبة بعيدة، تمتد لعام 1270م عندما قاد ملك فرنسا لويس التاسع حملة عسكرية للسيطرة عليها كان مصيرها الفشل، وبعدها تمكنت فرنسا عام 1685 من فرض معاهدة مع تونس تخولها أحقية الامتياز على بقية الدول الأخرى. وعقب الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830 أولت فرنسا اهتماما خاصا لتونس التي عدتها امتداداً للجزائر من الجهة الشرقية، وأخذت تختلق المسوغات لاحتلالها. في ضوء ذلك جاء هذا البحث ليسلط الضوء على السياسة الفرنسية حيال تونس 1881 -1914، وقد قسم على أربعة محاور رئيسة تناول الأول منها الأوضاع العامة في تونس حتى عام 1881، واستعرض بشكل موجز طبيعة العلاقات الدولية التي أعطت لفرنسا الحجج في احتلال تونس وإرغامها على توقيع معاهدة باردو 1881، في حين تطرق المحور الثاني إلى الأوضاع السياسية في تونس (١٨٨١ -١٩١٤)، ونوقش فيه طبيعة تلك السياسة من الناحية الإدارية وسياسة الهجرة والتجنيس وأثارهما على تونس من كافة الجوانب. في حين درس المحور الثالث، الأوضاع الاقتصادية في تونس (١٨٨١ -١٩١٤) ومدى تأثرها في سياسة فرنسا الاستعمارية، لاسيما بعد هيمنتها على أهم القطاعات الاقتصادية (الزراعية والتجارية والصناعية)، أما المحور الأخير فقد عالج مدى انحدار الأوضاع الاجتماعية في تونس إلى عام 1914، عن طريق الاستيلاء على الأوقاف، وتدهور النظام التعليمي والصحي. أما الخاتمة تطرقنا إلى أهم الاستنتاجات التي توصل إليها الباحثان منها كشف السياسة الاستعمارية الفرنسية عن وطبيعتها الاستحواذية، والحيف والظلم الذي وقع على الشعب التونسي طيلة زمن الاحتلال الذي حاول تجريد الشعب من هويته العربية الإسلامية.