بعد خمسين عاما من انتصار أكتوبر، ودماء سالت، لتخرج منها أشجار الأمان والبناء. هل فكر أحد ممن يحاول أن يشوه انتصارنا العظيم، وبعد إفراج إسرائيل عن وثائق الحرب، ماذا كان سيحدث لو انتصرت إسرائيل ؟!. لقد منينا بزرع يد للدول الغربية (الكيان المحتل) بجوار مصر؟! فلماذا مصر بالتحديد هي التي أختيرت لهذا الجوار؟! يجيب لنا جمال حمدان في كتابه المهم شخصية مصر الجزء الرابع فيقول: ” إن زعامة مصر في المنطقة زعامة حسمتها الجغرافيا مرة واحدة وإلى الأبد، فإن دور مصر القيادي والريادي في العالم العربي لم ينقطع أبدا حتى في الفترات التي آلت فيها الزعامة الشكلية لغيرها وحتى في فترات احتلالها”
ومن العوامل أيضا : موقع مصر كأكبر كتلة سكانية بين القسمين الإفريقي، والأسيوي، وكذلك تشكلها الثقافي وثرواتها العامة؛ كل هذا وبالتحديد الشخصية المصرية التي ظهرت في قوادها جميعا كانت السبب وراء تلك الزعامة حتى في فترات الاحتلال، والتي حاول الكيان الغربي بدعاوي كثيرة كالتشدد الديني تارة، والانحلال الأخلاقي تارة، واللّوثة الفكرية تارة ثالثة، أن يشكلها من بعيد ويصنعها في أجيال قادمة من الأبناء، لتهتز تلك الشخصية وتكون صالحة إما للبيع، أوالنسيان، أو الاستهانة بالثمن الذي دفع من أجل ذلك. لو لم ننتصر لكنا الآن نشرب آيات الذل في كل مكان، ولهدمت بيوتنا، وقتلت أبناؤنا، وسكنا المخيمات، وتفاوضنا على كل شئ وأي شئ ولم نحصد حتى التراب.
ولا كانت كشفت الوثائق المفرج عنها عن الذعر الذي أصاب إسرائيل عندما أدركت القوة الحقيقية للجيش المصري والسوري، والانتصار الساحق لمصر؛ ولما كشف كيسنجر عن هذا في مقابلة نادرة مع صحيفة “معاريف” العبرية مؤكدا أن الهدف الرئيسي من المساعدات الأمريكية للكيان؛ كان منع أي انتصارعربي وحماية للمصالح الأمريكية، ومنع الاتحاد السوفيتي من تسجيل نصر على واشنطن في الشرق الأوسط. ولما كتبت الصحف الغربية كصحيفة الديلي تلجراف يوم 7 أكتوبر 1973 ” لقد غيرت حرب أكتوبر مجري التاريخ بالنسبة لمصر، وبالنسبة للشرق الأوسط بأسره؛ عندما اقتحم الجيش المصري قناة السويس، واجتاح خط بارليف”. ولما كتبت صحيفة بماحنية الإسرائيلية بعدها بسنوات طويلة في يوم 20 سبتمر سنة 1998 : ” إن هذه الحرب تمثل جرحا غائرا في لحم إسرائيل الحي”
ولما كتبت صحيفة التايمز البريطانية في 11/ 10/ 1973 ” واضح أن العرب يقاتلون ببسالة ليس لها مثيل… ينتاب الإسرائيليين إحساس عام بالاكتئاب لدى اكتشافهم الأليم أن المصريين والسوريين ليسوا في الحقيقة جنودا لا حول لهم ولا قوة؛ إن الإسرائيليين يتقهقرون أمام تقدم هؤلاء الجنود على طول الخط” يستطيع الجميع أن يضغط على زر الهيئة القومية للاستعلام ليرى هذا التقرير المهم للصحف العالمية الذي أعده الكاتب أحمد موسى في ذكرى 44 سنة على انتصار أكتوبر ليشاهد بنفسه الصحف العالمية وقتها كيف رأت مصر وكيف أقرت بعظمتها وانتصارها الماحق الذي شل أدمغة الجميع، فالتاريخ لا يكذب مهما حاولوا تشويهه أو دس السم في العسل.
لو لم ننتصر لما شاهدنا هؤلاء الأدعياء الآن أعداء الوطن بأبواقهم المأجورة يحاولون التشكيك في هذا الانتصار العظيم؛ لطمس هذا من أذهان جيل لم يشاهد عظمة مصر. لقد انتصرنا نصرا ساحقا وعلينا بعد خمسين سنة أن نعد العدة لنوقظ أبناءنا من براثن المجرمين الذين يأكلون أدمغتهم بحشوها بأفكارالنصر بطعم الهزيمة.