إن الطلاق المبكر والمباغت، يعتبر بكل المقاييس تجربة مؤلمة؛ فالفتاة تسعى لزواج مستقر وسعيد، ترسم في أعماقها صورة إيجابية عن علاقة الحب والتفاهم والانسجام التي سوف تجمعها مع شريك حياتها للأبد، ولكن مع الأسف هناك من يصطدم بعلاقة فاشلة، وأحيانًا قبل أن تبدأ، وبالتأكيد تتلقى لحظتها الزوجة صدمة نفسية غير متوقعة؛ لأن الشعور برفض الآخر، إحساس مؤلم.
فكما أن للزواج قواعد ومواثيق؛ حتى الطلاق له آداب تجب مراعاتها، ومشكلتنا تكمن في الجهل بما يسمى أدب ما بعد الطلاق؛ فالكثير من الأزواج لا يدركون هذا الأدب، ولا يستوعبون مفرداته،لجهلهم بمقاصد الشرع وأحيانًا عنادًا واستهتارًا، والطلاق مع الأسف أصبح ظاهرة في المجتمع، وعلى جميع المستويات والأصعدة، ولكن الأمر غير الصحي في مسألة الطلاق، عدا زيادة نسبته، هو التغير الذي لامس هذا القرار الخطير، والذي وصل إلى درجة الاستخفاف واللامبالاة بالقيم والثوابت والمشاعر حين يحدث غيابيًا دون علم الزوجة؛ حتى وصل في زماننا إلى مجرد كلمة سهلة لاحقتها التكنولوجيا، والتي باتت ترسل عبارة الطلاق أحيانًا عبر وسائل الاتصال، وهناك حالات حاولت فيها الزوجة إثبات طلاقها عن طريق رسائل الإيميل أوالهاتف المحمول، وأثار هذا النوع الغريب والعجيب من الطلاق جدلاً واسعًا؛ خاصة أن من آداب العشرة، أن تكون هناك محاولات للإصلاح بين الزوجين قبل وقوع الطلاق، وبالتأكيد في تلك الحالات التكنولوجية، تلاشى دور الصلح، وفقدت العلاقة دورًا مهما لاستقرار الأسرة، وقد أكد علماء الدين على رفض هذا النوع من الطلاق، وعدم صحته لعدم استكمال الشروط الأساسية والرئيسية لوقوعه؛ فلا بد أن تظل للطلاق حرمته؛ فلا يقع إلا بإقرار مباشر؛ فما الذي يثبت أن الزوج هو من كتب الرسالة، ومن جانب آخر هناك العديد من التساؤلات تدور في ذهني؛ فهل من حق الزوجة الاعتراض والتظلم عندما تطلق بدون علمها، أو عندما يقع عليها الطلاق بصورة تعسفية وبدون أسباب واضحة؟ وهل الطلاق المزاجي من حق الزوج ينفذه وقتما يريد، وفي أي زمان وأي مكان فجأة وبلا مقدمات ولا حتى مبررات؟ وهل على الزوجة أن ترضخ للطلاق وتستسلم لقدرها، دون أن يكون لها الحق في أن تعرف حتى السبب؟ فيزداد الضغط النفسي عليها.
ومع الأسف هناك قصص قاسية نسجت تفاصيلها صدمة الطلاق التعسفي والمفاجئ، منها: ما أخبرتني به إحدى الزوجات فقالت: رغم قصر حياتي الزوجية، إلا أنني تذوقت فيها السعادة؛ فقد كنت أحلم بمن يملك فؤادي ويملأ دنيتي، وأن يكون حبه جواز مرور لأحلامي وبالفعل شعرت بأنه الرجل الذي سأكمل معه حياتي، ولكن مع الألم لم تستمر سعادتي طويلاً؛ فبعد أشهر قليلة، فقدت إحساسي بالأمان، عندما بدأ زوجي يكثر الخروج من المنزل، وأحيانًا ينام خارجه، وشعرت بالخوف عليه؛ خاصة أنه لا يرد على اتصالاتي ولا رسائلي ولا حتى على تليفون العمل، ولم يمنحني فرصة معرفة السبب وراء تصرفاته الغريبة؛ حتى بدأت أتعود على غيابه، وكم حاولت ألا أصعّد الموضوع، وتكلمت مع والدته التي أخبرتني بأنها لا تحب التدخل في خصوصيات أبنائها؛ حتى والدي حاول الاتصال به، لم يخبره بشيء، ويكتفي بأن يخبره بأن كل شيء على ما يرام، ولا توجد أية مشاكل، ولكن في تلك المرة تجاوز غيابه أكثر من أسبوع، وانتابني القلق من أن يكون قد حدث له مكروه، وعلمت من أهله بعد محاولات مني وتردد منهم، بأنه مشغول وبعد أيام قليلة وبدون إبداء الأسباب، أرسل ورقة طلاقي التي استلمتها بدموع الإحساس بالقهر والظلم، وأصبت بانهيار عصبي، ومازلت أعاني من تصرفه الذي لا أعلم عنه أي شيء، حاولت ولكنه تعمد ألا يراني أو يتحدث إليّ، كانت هناك أسئلة يهمني أن أطرحها عليه لأعرف إجابتها منه شخصيًا، لماذا لم يواجهني بعدم رغبته في الاستمرار معي؟ ولماذا طلقني دون علمي؟ وما هو الذنب الذي اقترفته.. كان من حقي أن أكون أول من يعرف قراره، ولكنني في النهاية استسلمت وحاولت بعدها ألا أستهلك طاقتي في التفكير وسأتقبل واقعي، أعرف أن ذلك سيكون صعب، ولكن بالتدريب سأعتاد على الوضع الجديد، ولن أستغرق في الشعور با اللوم، ولن أرهق مشاعري وأحاسيسي؛ لأنني لن أستطيع أن أغير ما حدث.
فالطلاق المفاجئ قصة قاسية نسج تفاصيلها بطل واحد وهو ذلك الزوج، الذي أعطى لنفسه الحق في أن ينزل من قطار الحياة في أية محطة من محطاته، دون إبداء الأسباب؛ مسببا بذلك صدمة عنيفة لأي زوجة تنهشها حيرة من غدر لم تكن تتوقعه.
بصفة عامة فالطلاق وانهيار بيت وتصدع كيان أسرة وتشتت أطفالها، كلها جرائم لا يعاقب عليها القانون، وهناك الكثير ممن لا يعلمون حدود وقوع الطلاق من عدمه، وكم حذر الشرع من هذا السلوك غير السوي، والذي ينم عن شخصية ضعيفة لا تمتلك منطقًا مقنعًا لتسيير حياتها إلا بالهروب، وأحيانًا بالتهديد بالطلاق، كل تلك التصرفات تنم عن عدم الخوف من الله، يصاحبها قلة وعي ديني وثقافي واجتماعي.
أميمة عبد العزيز زاهد