بقلم د : خالد السلامي
مع اقتراب اليوم العالمي للحرية، يُعاد فتح دفتر ذكريات التاريخ ليس فقط لنسترجع سقوط جدار برلين، ولكن لنعيد التأمل في مفهوم الحرية الذي لطالما كان محط أنظار الشعوب والأمم. في العام 1989، مثّل تفكك الجدار بداية عهد جديد من الانفتاح والتواصل الحر بين الشعوب. لم يكن الأمر مجرد انهيار لكتل خرسانية، بل كان تفككًا للحواجز الفكرية والاجتماعية التي فرضتها الحروب الباردة.
في السنوات التي تلت، ازدادت الأصوات المنادية بالحرية، وتحول اليوم العالمي للحرية إلى منصة للتأكيد على الحق في التعبير والتفكير والاختيار. هذا اليوم يُعد فرصة للتأمل في الإنجازات التي تحققت في سبيل الحرية، وكذلك للتفكير في التحديات التي لا تزال تواجهها. إنه يوم يجب أن نذكر فيه أن الحرية لم تكن أبدًا هدية مجانية، بل كانت ولا تزال مطلبًا يتطلب النضال والتضحية.
في زمن تكنولوجيا المعلومات والثورة الرقمية، أصبحت الحرية مفهومًا يتجاوز الحدود المادية ليشمل أبعاداً إلكترونية وافتراضية. اليوم، لا تقتصـر الحرية على حركة الأفراد وقدرتهم على التعبير في الأماكن العامة فحسب، بل تمتد لتشمل الحق في التصفح الحر على الإنترنت والوصول غير المقيد إلى المعلومات. ومع ذلك، فإن الحرية في العصـر الرقمي تواجه تحديات جمّة، فمن جهة نجد أن حكومات وسلطات تستخدم التكنولوجيا لمراقبة الأفراد وقمع الأصوات، ومن جهة أخرى، نجد أن الفضاء الافتراضي قد يتحول إلى ميدان للتنمر وانتهاك الخصوصية.
إن التناقض الذي نعيشه اليوم يتجلى في كيفية التوفيق بين حرية الفرد وأمن المجتمع. ففي حين نجد دعوات لتحرير الإنترنت من قيود الرقابة، نجد أيضًا مطالب بضبط النشـر والتعبير في الفضاء الرقمي لمنع الأضرار التي قد تنجم عن سوء استخدام هذه الحريات. إنها معضلة تتطلب تفكيرًا عميقًا وموازنة دقيقة لضمان تعزيز الحريات دون المساس بالحقوق الأساسية للأفراد.
من جانب آخر، يبرز تحدي مهم يتمثل في سوء فهم مفهوم الحرية وتطبيقه بشكل ينحرف عن مبادئ العدالة والمساواة. هناك خط رفيع بين استخدام الحرية كوسيلة للتعبير عن الذات وبين استغلالها للتمرد على النظام العام والإضرار بالآخرين. قد يستخدم البعض مظلة الحرية لتبرير الأفعال التي تعد على حقوق الآخرين أو تخلق فوضى اجتماعية. إن فهم الحرية بمعناها الحقيقي يتطلب النضج الفكري والوعي بأن لكل فرد حقوق ومسؤوليات.
في هذا اليوم، يجب أن نتذكر أن الحرية لا تعني الإفلات من العقاب أو اللامبالاة بحقوق الآخرين. الحرية الحقيقية تعزز التعايش السلمي وتشجع على التسامح والتفاهم المتبادل. ينبغي أن نتبنى تصورًا للحرية يحترم القانون ويعمل على تحقيق المصلحة العامة، ويقف ضد أي محاولات لإساءة تفسيرها أو استغلالها. إن الاحتفال باليوم العالمي للحرية يجب أن يكون بمثابة دعوة للتفكير والعمل نحو مجتمع أكثر عدلاً وحرية.
تسير دولة الإمارات العربية المتحدة بخطى واثقة نحو تعزيز مفهوم الحرية في إطار دستورها وقانونها الوطني. تدعم الإمارات الحريات الأساسية وتُعرف بتوفير بيئة ترحيبية للأفكار والابتكار والثقافات المتنوعة، مؤكدة على التزامها بحقوق الإنسان والحريات العامة. في اليوم العالمي للحرية، يُمكن النظر إلى الإمارات كمثال على كيفية التوازن بين الاحترام للتقاليد والانفتاح على المستقبل، وكيف يمكن للمجتمعات أن تزدهر في بيئة تحترم الحريات الفردية وتعمل جاهدةً لحمايتها وتنميتها.
المستشار الدكتور خالد السلامي -، سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة ورئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021 وعضو الامانه العامه للمركز الأوروبي لحقوق الإنسان والتعاون الدولي وعضو التحالف الدولي للمحامين والمستشاريين الدوليين .