بقلم د : خالد السلامي
في خضم عالم يموج بالتناقضات والصراعات، يبرز الضمير كمنارة تنير دروب البشرية نحو الحق والعدل. إنه ذلك الصوت الداخلي الذي يوجهنا نحو الخير ويحثنا على التصرف بما يتوافق مع القيم الإنسانية النبيلة. يظل الضمير كناري في منجم الحياة، مصدراً للنور في أعمق ظلمات اليأس. “الضمير… صوت الحق في عالم الصراعات” هو الشعلة التي تضيء درب البشرية نحو السلام والعدالة، محارباً بصمت الشرور التي تعتري النفوس في لحظات ضعفها وتنازعها. في هذا اليوم العالمي للضمير، دعونا نتأمل في أهمية هذه الملكة الفطرية التي وهبنا الله إياها، ونستكشف دورها في بناء مجتمعات أكثر عدلاً وأمانًا.
الضمير هو ذلك الصوت الخفي الذي يهمس في أعماق كل منا، يرشدنا نحو الخير، ينبهنا إلى الشر، يجعل منا أبطالاً في قصصنا الخاصة حين نختار الوقوف إلى جانب الحق. في عالم يعج بالصراعات، حيث تبدو الحدود بين الخطأ والصواب غامضة وملتبسة، يظل الضمير هو البوصلة التي تقود الإنسانية نحو شواطئ الأمان.
ليس الضمير إلا انعكاساً للقيم والمبادئ التي تُشكل على مر الزمن داخل كل فرد، فهو ينمو ويتطور بناءً على تجارب الحياة والتعليم والتأثيرات الثقافية. ولكن، في جوهره، يظل الضمير صوتاً عالمياً، دليل الإنسانية نحو الخير والعدالة.
في الحروب والنزاعات، حيث تتصارع الأيديولوجيات والمصالح، يصبح الضمير ذلك الخيط الرفيع الذي يفصل بين الإنسانية والوحشية. إنه يذكّر المحارب بإنسانيته، يوجه القائد نحو الرحمة، ويحفز المجتمعات على البحث عن السلام. الضمير هو ذلك الجندي المجهول الذي يقاتل في صفوف كل الأطراف، داعياً إلى العقلانية والتعاطف في أحلك الأوقات.
الضمير في الإسلام
يحتل الضمير مكانة رفيعة في الإسلام، فهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإيمان والتقوى. يعتبر الضمير في المنظور الإسلامي هو الرقيب الداخلي الذي يحاسب الإنسان على أفعاله وينبهه إلى الصواب والخطأ. وقد حث القرآن الكريم والسنة النبوية على تنمية الضمير والحفاظ على صفائه ونقائه. فالمؤمن الحق هو من يتبع ما يمليه عليه ضميره، ويبتعد عن كل ما يشوبه أو يدنسه.
في قوله تعالى: “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا” (الشمس: 7-8)، يشير القرآن الكريم إلى الدور المحوري للضمير في توجيه الإنسان نحو الخير والصلاح. فالله سبحانه وتعالى قد زود كل نفس بملكة الضمير، وجعلها قادرة على التمييز بين الخير والشر. وعلى الإنسان أن يصغي إلى صوت ضميره، ويسعى جاهداً لتزكية نفسه وتطهيرها من الرذائل والآثام.
الضمير والمسؤولية الاجتماعية في الإسلام
يؤكد الإسلام على أهمية الضمير في تحقيق العدالة الاجتماعية والتكافل بين أفراد المجتمع. فالمسلم الحق هو من يشعر بمسؤوليته تجاه الآخرين، ويسعى لمد يد العون والمساعدة للمحتاجين والمستضعفين. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” (رواه مسلم).
فالضمير الحي هو الذي يدفع المسلم للتصدي للظلم والفساد، وللعمل على إقامة مجتمع قائم على العدل والمساواة. وهو الذي يحثه على التكافل والتضامن مع إخوانه في الإنسانية، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية. فالإسلام دين الرحمة والتسامح، وهو يدعو أتباعه إلى نشر المحبة والسلام بين الناس أجمعين.
الضمير والأخلاق الإسلامية
يربط الإسلام بين الضمير والأخلاق ربطًا وثيقًا، فالضمير هو الدافع الداخلي للتحلي بمكارم الأخلاق والابتعاد عن الرذائل. والمسلم الحق هو من يسعى لتهذيب نفسه وتزكيتها بالفضائل والقيم النبيلة، كالصدق والأمانة والعفة والتواضع والإيثار. فهذه الأخلاق هي جوهر الدين الإسلامي، وهي التي تميز المؤمن الصادق عن غيره.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قدوة في الأخلاق والقيم، فقد وصفه الله تعالى بقوله: “وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ” (القلم: 4). فكان صلى الله عليه وسلم مثالاً يحتذى في الصدق والأمانة والرحمة والعدل، وكان يحث أصحابه على التمسك بهذه الأخلاق في حياتهم وتعاملاتهم. فالضمير الحي هو الذي يقود المسلم إلى طريق الأخلاق والفضيلة، ويجعله نموذجًا يحتذى في الخير والصلاح.
الضمير والتربية الإسلامية
تؤكد التربية الإسلامية على أهمية تنمية الضمير لدى الناشئة منذ الصغر. فالطفل يولد على الفطرة، وعلى الوالدين والمربين مسؤولية تنشئته على القيم والأخلاق الإسلامية. ويتم ذلك من خلال القدوة الحسنة والموعظة الحكيمة، ومن خلال تعليم الطفل آداب الإسلام وأحكامه، وتشجيعه على ممارسة العبادات والطاعات.
كما تحث التربية الإسلامية على تعزيز ملكة التفكير والتأمل لدى الناشئة، وتنمية قدراتهم على التمييز بين الحق والباطل. فالإسلام دين العقل والمنطق، وهو يدعو أتباعه إلى إعمال الفكر والتدبر في ملكوت الله وآياته. ومن خلال تربية العقل والضمير، يمكن بناء جيل واعٍ ومستنير، قادر على مواجهة تحديات العصر بإيمان وحكمة.
الضمير… حصن الإنسانية
يمثل الضمير الحصن المنيع الذي يقف في وجه الظلم والاستبداد. إنه القوة الداخلية التي تدفعنا للوقوف في وجه الطغيان ورفض الخضوع للأهواء والمصالح الشخصية. عبر التاريخ، كان أصحاب الضمائر الحية هم من صنعوا التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم. فمن المناضلين في سبيل الحرية والمدافعين عن حقوق المستضعفين، إلى العلماء الذين كرسوا حياتهم لخدمة الإنسانية، يبرز الضمير كشعلة تنير الطريق في أحلك الظروف. ولنتذكر أن الضمير لا يعرف الحدود الجغرافية أو الانتماءات العرقية والدينية، فهو لغة إنسانية مشتركة تجمعنا على قيم الخير والعدل. فكم من شخصيات عظيمة غيرت مجرى التاريخ بفضل تمسكها بضميرها. إنهم نماذج مضيئة تذكرنا بقوة الضمير في مواجهة الظلم والقهر.
الضمير والعدالة الاجتماعية
في عالم يشهد تفاوتًا صارخًا بين الأغنياء والفقراء، يلعب الضمير دورًا محوريًا في تحقيق العدالة الاجتماعية. فهو يدعونا إلى التعاطف مع الآخرين والتضامن مع المحرومين والمهمشين. يحثنا الضمير على العمل من أجل القضاء على الفقر والجهل والمرض، وتوفير الفرص المتكافئة لجميع أفراد المجتمع. إنه صوت العدالة الذي يذكرنا بأن لكل إنسان الحق في العيش بكرامة وأمان، بغض النظر عن انتمائه العرقي أو الديني أو الطبقي. ويدفعنا الضمير أيضًا إلى مكافحة الفساد والمحسوبية، وتعزيز الشفافية والمساءلة في المؤسسات العامة والخاصة. فبدون ضمير حي، تنتشر الرشوة والمحاباة، وتضيع حقوق الضعفاء والمستضعفين. لذا، فإن تنمية الضمير الجمعي هو السبيل الأمثل لبناء مجتمعات تقوم على العدل والمساواة وتكافؤ الفرص.
الضمير في مواجهة التحديات البيئية
في ظل الأزمات البيئية المتفاقمة التي تهدد مستقبل كوكبنا، يبرز الضمير كحليف أساسي في معركة الحفاظ على البيئة. إنه يذكرنا بمسؤوليتنا تجاه الأجيال القادمة وواجبنا في حماية الموارد الطبيعية والتنوع الحيوي. يدفعنا الضمير إلى تبني أنماط حياة مستدامة وصديقة للبيئة، والعمل على الحد من الانبعاثات الكربونية والتلوث. كما يحثنا على مساءلة الحكومات والشركات عن ممارساتها غير المسؤولة تجاه البيئة، والمطالبة بسياسات أكثر مراعاة للتوازن البيئي. فالضمير البيئي هو الذي يجعلنا ندرك أن الأرض ليست ملكًا لنا، بل هي أمانة في أعناقنا، وأن علينا الحفاظ عليها وتسليمها للأجيال القادمة بحالة أفضل مما تسلمناها. وهو أيضًا الذي يذكرنا بأن التنمية الاقتصادية يجب ألا تتم على حساب البيئة، وأن هناك طرقًا مستدامة لتحقيق الرخاء دون الإضرار بالنظم البيئية الطبيعية.
الضمير… نبراس الأخلاق
يشكل الضمير الأساس الأخلاقي الذي ينظم سلوك البشر ويوجه تفاعلاتهم مع بعضهم البعض. فهو يغرس فينا قيم الصدق والأمانة والتسامح والاحترام المتبادل. يدعونا الضمير إلى التحلي بالشجاعة في قول الحق ومواجهة الباطل، حتى لو كان ذلك يتطلب التضحية والمثابرة. إنه يذكرنا بأن الغاية لا تبرر الوسيلة، وأن السلوك الأخلاقي هو الطريق الوحيد نحو بناء مجتمعات سليمة ومزدهرة. كما يحثنا الضمير على التعامل مع الآخرين بالحسنى، وتجنب إيذائهم بالقول أو الفعل. فهو يدعونا إلى تقدير التنوع واحترام الاختلاف، وعدم التمييز على أساس العرق أو الدين أو الجنس. ويذكرنا الضمير أيضًا بأهمية العطاء والتطوع وخدمة المجتمع، فبقدر ما نعطي للآخرين، بقدر ما نثري حياتنا ونجد السعادة الحقيقية.
الخاتمة
في هذا اليوم العالمي للضمير، دعونا نجدد التزامنا بصوت الحق والعدالة في داخلنا. فلنعمل على تنمية ضمائرنا وتقويتها، ولنجعل منها بوصلة أخلاقية تقودنا في دروب الحياة. ولنتذكر دائمًا أن الضمير هو أغلى ما نملك، وأنه السلاح الأقوى في مواجهة الظلم والاستبداد. فبالضمير الحي والفعال، يمكننا بناء عالم أكثر إنسانية وعدلًا وازدهارًا. ولنعمل على غرس قيم الضمير في نفوس أطفالنا، فهم مستقبل الأمة وصناع التغيير القادمون. ولنتعاون جميعًا، كأفراد ومؤسسات ودول، من أجل إعلاء قيم الضمير في كل مجالات الحياة، من السياسة والاقتصاد إلى التعليم والإعلام. فكلما ارتقت ضمائرنا، ارتقت مجتمعاتنا وازدهرت حضارتنا الإنسانية. فلنجعل من هذا اليوم العالمي للضمير منطلقًا لبناء غد أفضل، غدٍ يسوده العدل والسلام والمحبة.
المستشار الدكتور خالد السلامي – سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة ورئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021 وحاصل على جائزة الشخصيه المؤثره لعام 2023 فئة دعم أصحاب الهمم وحاصل على افضل الشخصيات تأثيرا في الوطن العربي 2023 وعضو اتحاد الوطن العربي الدولي.