بقلم د. شيرين العدوى
يعد كتاب «الألم والأمل»: مشرط الجراح وضفائر الدم للدكتور جمال مصطفى سعيد من الكتب القيمة التى تتناول موضوع الألم والأمل من منظور علمى وإنسانى عميق. يقدم الكتاب تحليلاً شاملاً لعناصر الألم والأمل المختلفة، حيث يمزج بين المعلومات الطبية الدقيقة والتأملات الفلسفية والإنسانية، مما يجعله مصدراً مهماً للقراء من مختلف الخلفيات.
إنه يحمل وجهين لعملة واحدة: الألم الذى يأتى المرضى محملين به والأمل فى أن يطرقوا باب هذا الجراح العبقري. فما الدنيا إلا مستشفى كبير كما أشار لذلك الكاتب الصحفى الكبير أحمد الجمال عنوانا لمقدمة بديعة للكتاب، وقد اتخذت عنوانه هذا عنوانا لمقالى السابق كمقدمة لمقالى اليوم. يبدأ الكتاب بتقديم إطار نظرى شامل عن مفهوم الألم والأمل، يتضمن تعريفات علمية مبسطة ومعمقة.
يستعرض فيها تاريخ الألم من الناحية الطبية وكيفية تطور فهم الأطباء والعلماء له عبر العصور، وكيف أن الأمل كان دائماً عنصراً مرافقاً للتغلب على الألم. يُظهر هذا القسم قدرة الدكتور جمال مصطفى سعيد على تقديم معلومات معقدة بطريقة سلسة ومفهومة، مما يسهل على القارئ غير المتخصص فهم السياق الطبى والنظرى للألم والأمل.
كما أنه يؤرخ لتاريخ كل مرض ومتى انتشر فى مصر وكيف توطن وأعراضه، وكيفية التعامل معه بصورة علمية عميقة ومبسطة ليفهمها أى إنسان بسيط فهو كتاب تنويرى توعوي. وعبر فصوله يقدم الجوانب البيولوجية والفيسيولوجية للألم، بما فى ذلك الآليات العصبية والهرمونية التى تشارك فى شعور الألم. فيشرح الكتاب كيفية تفاعل الجسم مع الألم من خلال آليات معقدة تشمل المستقبلات العصبية والنواقل الكيميائية. يتميز هذا الجزء بالدقة العلمية والاعتماد على أحدث الدراسات والأبحاث، مما يعزز مصداقية الكتاب كمرجع علمى موثوق.
ولا يقتصر الكتاب على الجوانب البيولوجية فقط، بل يمتد ليشمل التأثيرات النفسية والاجتماعية للألم وكيف يلعب الأمل دوراً حاسماً فى التعامل معها. كما يناقش كيف يمكن للألم أن يؤثر على الحالة النفسية والاجتماعية للفرد، مشيراً إلى أهمية الدعم النفسى والاجتماعى فى التعامل مع الألم وتعزيز الأمل. هذا التنوع فى تناول الموضوع يعكس رؤية شمولية للألم والأمل كمفهوم يتعدى الجانب الجسدى ليشمل جوانب متعددة من حياة الإنسان.
ويرصد الكتاب فى أثناء هذا التغير الاجتماعى الذى أصاب شرائح المجتمع وطبقاته وكيف ظهرت ثنائية الأمراض المجتمعية التى تشبه السرطانات والأمل فى إصلاحها، فمشرطه الذى فجر به ضفائر الدم كان قاصدا به المجتمع أيضا، وما مرت به مصر فى عصرها الحديث من أحداث وثورات، موثقا هذا كشاهد عيان إذ يمكن اعتبار الكتاب شهادة على التاريخ أو التاريخ من أسفل وهو مصطلح تاريخى يعنى التاريخ الذى يحكيه أفراد الشعب لا المتخصصون.
ينقل الكتاب تجارب إنسانية وشهادات من مرضى يعانون الألم المزمن، وكيف ساعدهم الأمل فى التغلب على معاناتهم. هذه القصص الحقيقية تضيف بعداً إنسانياً للكتاب، حيث يستطيع القارئ أن يتعاطف مع الحالات المعروضة ويشعر بعمق المعاناة التى يواجهها هؤلاء الأفراد. استخدام الكاتب لهذه التجارب يضفى طابعاً شخصياً على الكتاب، لعب بها الدكتور جمال بحرفية مبدع على ثنائية الحياة بأبعادها الفلسفية والروحية جعلت تجربة الألم فرصة للنمو الشخصى والروحى والمجتمعي.فالكتاب يعد أتون التجربة وتشكيل الجوهر.