حوار الاعلامي : عمر شريقي
الشعر الصادق والناتج عن مهارة الشعور وتوجيه الانفعال وترقيق اللغة سلس يصل إلى القلب مباشرة ودون حواجز، وبالتالي يترصده الملحنون والمغنون على حد سواء، إذ يضمن هذا النوع نجاح كل أغنية. وقصائد الشاعرة الفلسطينية دارين شبير من هذا النوع. “العرب” كان لها معها هذا الحوار حول الشعر ورؤى أخرى.
الشعر هو لغة الروح وأداة للتعبير عن أعمق المشاعر والأفكار، عند الحوار مع شاعرة مرهفة مميزة، ندخل إلى عوالم خاصة مليئة بالإحساس والإبداع. في هذا الحوار مع الشاعرة الفلسطينية دارين شبير سنستكشف رحلتها في عالم الشعر، ومصادر إلهامها، وكيفية تعاملها مع الكلمات والصور الشعرية. ونتعرف على تأثير تجاربها الشخصية في تشكيل أعمالها، وكيف ترى دور الشعر في المجتمع. كما نتناول وجهة نظرها حول قضايا معاصرة وكيف يمكن للشعر أن يكون صوتًا للتغيير والتعبير، وبقدرتها الإبداعية استطاعت تحويل كلماتها إلى أغان تجسد المشاعر والإحساس وخصوصا عندما يكون الفنان كاظم الساهر هو من يتغنى بهذه الكلمات.
لن يكون هذا الحوار مجرد نظرة على أعمال شبير، بل سيكون نافذة إلى روحها، حيث تتجلى براعتها في تشكيل الكلمات وتحويلها إلى قصائد نابضة بالحياة، في رحلة شعرية نتلمس فيها الجمال والرقة والعمق.
تتحدث شاعرتنا الجميلة والمرهفة دارين شبير عن كيفية إقناع فنان كبير بحجم كاظم الساهر أن يغني كلماتها وقصائدها، تقول “الإجابة بكل اختصار لأن الفنان كاظم الساهر ليس كغيره من الفنانين، هو في نظري الفنان النموذج بأخلاقه وتواضعه وجودة الفن الذي يقدمه، كما أنه الفنان الذي رافقنا بإبداعاته في مراحل حياتنا المختلفة، وعبّر عن أحاسيسنا ومشاعرنا في كل مرحلة، وأدخلنا عوالم الحب والجمال والوفاء”.
أن يغني لك القيصر
أغنيات القيصر كاظم الساهر كانت ملهمة للشاعرة في كتابة الكثير من القصائد، ووسعتْ اختياراتها مداركها في الشعر والموسيقى
◙ أغنيات القيصر كاظم الساهر كانت ملهمة للشاعرة في كتابة الكثير من القصائد، ووسعتْ اختياراتها مداركها في الشعر والموسيقى
وتضيف “السبب الأهم أن ما يقدمه يتناسب مع شغفي الأكبر وهو القصيدة الفصحى التي تروي جميع المشاعر والحالات الانفعالية التي يعيشها الإنسان في فرحه وحزنه ومعاناته. كبرتُ وكبر شغف القصيدة معي، وكانت أغنيات القيصر كاظم الساهر ملهمةً لي في كتابة الكثير من القصائد، ووسعتْ اختياراته مداركي الشعرية وأدخلتني عالم اللحن والموسيقى، فأمسكتُ بيدي قلما، وبيدي الثانية ألحانا وإيقاعات”.
تسألها “العرب” كيف تحقق هذا الحلم؟ وهل سعت إليه أم سعى إليها؟ لتجيبنا “هناك هدايا في حياتنا على هيئة أشخاص يضعهم الله في طريقنا ليحملوا أمنياتنا إلى السماء فتتحقق، وقد وضع الله المبدع الكبير الأستاذ حسن فالح – مايسترو فرقة كاظم الساهر – في طريقي، حيث شاءت الأقدار أن تجمعنا صداقة عائلية قوية وحقيقية، فعائلته الرائعة أصبحت عائلتي والعكس، وبعد اطلاعه على قصائدي التي أكد لي أنها نالت إعجابه رغم أنه إنسان انتقائي جدا وصاحب ذائقة رفيعة، بدأنا العمل معا على أعمال فنية مثل ‘لغة العيون‘ التي قام بتلحينها وتوزيعها، وحققت نجاحا جماهيريا كبيرا بسبب تكامل عناصر الإبداع فيها، وأيضاً قصيدتيْ ‘لف ودوران‘ و‘أناديكِ‘ اللتيْن كانتا في غاية الجمال”.
وتتابع شبير “فاجأني بعدها حسن فالح بإرساله قصيدة ‘لا تسألي‘ للفنان كاظم الساهر الذي تواصل معي هاتفيا وقال لي ‘شو هذا النفَس الشعري الحلو، وشو هاي القصيدة الجميلة‘ معبّرا عن رغبته بتلحينها، وكانت هذه بداية تحقيق الحلم”.
وعن توقعاتها بنجاح الأغنية تقول “نعلم جميعاً أن التوليفة السحرية المتمثلة في اختيار القيصر الدقيق والواعي للكلمات، إضافة إلى ألحانه التي لا ينافسه فيها أحد على الساحة الفنية، إلى جانب صوته الفريد من نوعه، تضمن النجاح المسبق لأيّ عمل، ولكن ما قدمه القيصر في ‘لا تسألي‘ و‘رقصة عمر‘ فاق جميع توقعاتي، فقد تماهى مع كلماتي بروحه وإحساسه إلى أقصى درجة، فكانت روحه هي التي تغرد، ولم أتوقع هذا الانتشار والنجاح الكبير للقصيدتين ووصولهما إلى الجمهور كبارا وصغارا بهذا الشكل. ومن تجربتي الأولى مع كاظم الساهر توصلت إلى أسباب استمرارية تألقه طوال هذه السنوات، ورأيتُ مدى حرصه وتقديره للكلمة والقصيدة والشاعر”.
ونسأل الشاعرة شبير هل نرى مستقبلا كلماتها تصدح بها أصوات فنانين عرب آخرين؟ لتقول “تعاونتُ مع عدد من الفنانين المبدعين في الغناء بالفصحى برعوا في إيصال كلماتي بأجمل صورة، أبرزهم الفنانة ولاء الجندي التي غنت لي ‘الآن ترحل‘، والفنان محمد بشار الذي تألق في ‘لغة العيون‘ و‘رفاق السراب‘، والفنان صالح اليامي الذي تميز في قصيدة ‘أناديكِ‘، والفنانة وتر التي لامست القلوب في قصيدة ‘حين التقيتك‘، والفنانة كارمن توكمه جي التي أبدعت في ‘وتستمر القافلة'”.
◙ دارين شبير لا تصف نفسها بشاعرة أغنية وإنما هي شاعرة الإنسان والحُب والوطن والتمرد على العبث
وتتابع “جاري العمل في الوقت الحالي على ألبوم جديد مكون من ست قصائد أتعاون فيه مع فرقة ‘آثروديل‘ لمؤسسيها الفنانة أسيل مسعود والموسيقار المبدع أحمد دياب، وسيصدر أول عمل من هذا الألبوم قريباً جداً. وبلا شك، يشرفني التعاون مع فنانين يُقدرون الكلمة الجميلة ويضيفون لها من أحاسيسهم ومشاعرهم”.
لدى سؤالنا الشاعرة أنه في حوار صحفي سابق أشرات إلى أنها لا تصف نفسها بشاعرة أغنية، وإنما قالت “أنا شاعرة الإنسان والحُب والوطن والتمرد على العبث”. نسألها عن الفرق بين الشاعر الغنائي، والشاعر الذي يكتب عن الإنسان والأرض والوطن، تجيبنا الشاعرة الفلسطينية “أنا شاعرة في المقام الأول، لا أكتب القصائد خصيصا لتغنّى، بل أكتب بهدف الكتابة والتعبير، ومشاعري هي قلمي النابض بالحياة، أكتب لوطني وعن وطني، وأكتب للحب والإنسان، وأتمرد على الغدر والخيانة، لكن سلاسة قلمي، وأسلوبي السهل الممتنع جعلا أشعاري قريبة إلى الناس وسهلة التلحين والغناء”.
نتطرق مع شبير للحديث عن طقوس الكتابة، تقول “لي عالمي الخاص الذي يستهويني وأنفصل فيه عن العالم الخارجي، وأشعر أحيانا كثيرة أنني لا أنتمي للعالم الذي نعيش فيه بكل ما فيه من تعقيدات وظلم وحروب وأوجاع. داخل ورشتي الشعرية ستجد قلما وورقة وحلما يكبر في داخلي كل يوم حتى بات يؤرقني، أنا إنسانة حالمة وطموحة بطبعي، أضع في بداية كل سنة 3 أهداف وأسعى جاهدة لتحقيقها. تؤثر فيّ المواقف وتستوقفني الكلمات والملامح، إن بدأتُ بكتابة قصيدة أبقى سجينتها حتى تكتمل فأتحرر منها، يزورني الإلهام في منتصف الليل ويوقظني من النوم، لأدون بعض الأبيات ثم أعود إلى النوم ثانيةً. الكتابة حالة من الجنون، ولا أستطيع إلا أن أمتثل لأوامر الشعر إن زارني طيفه”.
شاعرة للإنسان
دارين شبير شاعرة في المقام الأول، لا تكتب القصائد خصيصا لتغنى بل بهدف الكتابة والتعبير عن مشاعرها وأفكارها
◙ دارين شبير شاعرة في المقام الأول، لا تكتب القصائد خصيصا لتغنى بل بهدف الكتابة والتعبير عن مشاعرها وأفكارها
وعن أجمل قصيدة كتبتها وتعتز بها، تقول “كل قصيدة أكتبها تحتل مكانة مميزة في قلبي، ولكنني دائماً ما أردد مصطلح ‘القصيدة المَلِكة‘، وهذه النوعية من القصائد تكتب نفسها بنفسها وتنساب من بين يدي كحبات اللؤلؤ، وأكون خلال كتابتها في قمة حالاتي الشعورية، وتنهمر مشاعري فيها كالمطر، ومن هذه القصائد ‘حين التقيتك’ و’لا تسألي’ و‘غزل مجنون‘، وهي من القصائد المحببة جدا إليّ والأقرب إلى قلبي”.
وعن ديوانها الشعري الأخير “ضمير منفصل”. تسألها “العرب” ما هي المحددات الرئيسة التي انطلقت منها في إخراج هذه المجموعة الشعرية؟ لتجيبنا “بصراحة.. أنا لا أقرر ماذا سأكتب أو متى أو كيف، كل قصائدي هي تدوين وتوثيق لحالات شعورية وانفعالية تعتريني، وأفكار تفرض نفسها عليّ، وتجسيد لمواقف لامستني وتركت آثارها في نفسي، وتجارب علمتني، وجروح أوجعتني. و‘ضمير منفصل‘ عبارة عن رسائل مقصودة، سيجد كل من يقرؤها نفسه فيها، لأنني أتحدث فيه بلسان الإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة بكل ما واجَهَه في هذه الحياة من مواقف وتجارب وتقلبات وصراعات”.
أما عن المدرسة الأدبية أو الشعرية التي تأثرت بها الشاعرة دارين شبير فتقر بأنها لا تحبذ وضع نفسها في قالب معين لإيمانها بأن الإبداع متجدد ومتغير، إلا أن نزار قباني كان ولا يزال مدرستها الأولى في عالم الشعر، كبرت على أشعاره وتحفظ الكثير من قصائده، استهواها أسلوبه الشعري وعدم اكتراثه بالنقد والنقاد، وإصراره على مواصلة مسيرته الإبداعية رغم الكثير من الأصوات المعارضة.
وعن طموحات وأحلام المرأة الفلسطينية خصوصاً والعربية عموماً في رأي الشاعرة تقول “المرأة الفلسطينية مبدعة ومعطاءة بطبعها، وفي ظل ما تعانيه فلسطين اليوم من أحداث غيرت مجرى التاريخ، وزادت حجم المعاناة في قلوبنا، فإن حلمي وحلم كل امرأة فلسطينية اليوم أن يحصل كل إنسان على حقه في الحياة الكريمة والأمن والاستقرار بلا تهجير أو تشريد أو دمار، وقد عبرتُ في الكثير من قصائدي مثل ‘لاجئة بلا عنوان’ و’على المعبر’ و’القدس حرة’ وغيرها، عن مشاعري وأحلامي وطموحاتي التي تمثل كل امرأة فلسطينية بشكل خاص” .
وتسأل “العرب” الشاعرة دارين شبير عن طموحها وحلمها، فتقول “أنا إنسانة حالمة وطموحة بطبعي لا أتوقف عن الحلم، وأحيا بالطموح، وأعشق الإبداع، وألاحق شغفي باستمرار. حلمي أن يلقى الشعر ما يليق به من تقدير واهتمام من قِبَل المسؤولين والمؤسسات الثقافية، لأن له قاعدة جماهيرية كبيرة، وله عشاقه من فئة الشباب الطامحين لإتقان مهاراته، وأن يعود إلى مكانته التي يستحقها كديوان للعرب”.