بقلم: طراد علي بن سرحان الرويس
يقّدر عدد سكان العالم حتى نهاية عام 2020م بنحو 7,8 مليار نسمة، وتشير احصائيات الأمم المتحدة إلى وجود هناك 1,2 مليار شاب يمثلون 16 في المائة من عدد سكان العالم، وتتوقع الأمم المتحدة بأن نسبة الشباب بحلول عام 2030م ستصل إلى ما نسبته 23 في المائة، وفي وطننا العربي الذي يتكون من 22 دولة، تشير الاحصائيات إلى أن عدد سكانه يقّدر بنحو 377 مليون نسمة، ويشكل الشباب ما نسبته 32 في المائة، أي أكثر من 120 مليون شاب عربي.
وذلك يعني أن نسبة الشباب كبيرةً في وطننا العربي، فهم الأمل الواعد والمستقبل المشرق والأساس القوي لكل الشعوب والأمم في بنائها وتقدمها الحضاري، فهم عصب الأمة وعمادها وأساس بناة حضارتها وسر نهضتها، فلهم الدور الأعظم في بناء الأمم والشعوب فعلى أكتافهم تقوم الحضارات، فمجتمعات العالم ترجى من شبابها إعادة التوازن لما يشكلونه من قوة إيجابية تستطيع دفع عجلة تنمية الوطن لتقدمه والنهوض بالمجتمع لرفعته، فشبابنا هم من لديهم القدرة على التغيير الشامل والتكيف مع مستجدات وتطورات عصرنا في مختلف المجالات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لما يمتلكون القوة في التأثير والتحّمل والإرادة.
وفي وقتنا الراهن، يواجهون الشباب عصراً تتغلب عليه التغيرات والتطورات المتسارعة في كافة مجالات الحياة، عصر الصناعة والتكنولوجيا وتقنية المعلومات، عصر الثقافة والانفتاح، فكثير من الشباب لديهم نقص في الثقافة المعرفية، حيث يواجهون الانفتاح الثقافي والتداخلات بين عدة ثقافات، أثرت على العديد من العادات والأعراف لدى شبابنا، وذلك يعّد سبباً كافياً يؤدي بهم إلى الانحلال الأخلاقي وغيره، مما جعل ذلك من المشكلات الحرجة لدى العديد من الدول في عالمنا اليوم، لذلك فإن العديد من المجتمعات أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، تطالب بإعطاء الفرص لشبابها وتمكينهم ونشر العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، لمواجهة التحديات المتعددة التي تقف أمام تطورهم وتنميتهم، مثل (فرص الحصول على التعليم، والصحة، والتوظيف، والمساواة بين الجنسين).
وفي عالمنا اليوم، تعاني معظم الدول من عدة ظواهر تؤثر تأثيراً مباشراً في المجتمعات، منها ظاهرة البطالة التي تعّد واحدة من أهم الظواهر السلبية التي تؤثر على حياة الشباب في المجتمع، وتؤثر سلبياً على اقتصاد الوطن لمواجهتها تحديات وأسباب مختلفة، منها أسباب اقتصادية، وأسباباً اجتماعية تؤثر تأثيراً مباشراً على الاقتصاد العام، وفي وطننا العربي، فتعد ظاهرة البطالة من أخطر الظواهر التي تواجه مجتمعنا، وتزداد نسبتها في عدة دول عربية بسبب ما تعانيه من أزمات وحروب، حيث شكلت هذه الظاهرة تهديداً اقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً وثقافياً.
لذلك يجب الشروع إلى اتخاذ العديد من الخطوات التي تساهم في توفير بيئة مناسبة وصالحة خالية من الشوائب، ومنح الشباب الفرصة للمشاركة في كافة الأنشطة التي تخص وطنهم ومجتمعهم، حيث أن ظاهرة البطالة لا تقل خطورة عن ظاهرة الفقر وظاهرة ارتفاع معدلات السكان وغيرها التي تنامي مشكلة البطالة، بالإضافة إلى انعدام التنمية السياسية، التي يجب أن تؤثر في تطوير الوضع الاقتصادي، وعدم القدرة على تطوير قطاع الأعمال، الذي تسبب في تقلّص فرص العمل المتاحة، وذلك ما يتجسد في مشكلة البطالة.
ولكي نتمكن من وضع حلول جذرية للتخلص من تلك الظواهر، فيجب أولاً تفعيل دور بلداننا العربية في محاربه البطالة والفقر والتهميش، وكل ما يقف ويحد من تقدمهم وتطورهم، من خلال تطبيق دورها في الاقتصاد، بدعم القطاع العام مالياً وفنياً وبشرياً، وإصلاحه، والقضاء على الفساد، وتفعيل الرقابة فيه، ودعم المشاريع الصغيرة، والتوسع من خلال إبرام اتفاقيات اقتصادية واستثمارية مع الدول المجاورة، وتشجيع الاستثمار من خلال خفض مستوى المتطلبات والشروط التي تفرضها العديد من حكوماتنا العربية على المستثمرين، وكذلك العمل الجاد على تطوير قطاع التعليم بما يتلاءم مع تغيرات عصرنا الراهن لإنتاج جيل من الشباب القادر على تطوير أفكاره لمواكبة تلك التحولات والمتغيرات المتسارعة نحو التطور والنمو واستدامتهما.
ولذلك يجب أن نعتني بشبابنا عناية فائقة وتوجيههم توجيهاً سديداً نحو البناء والنماء والخير، ويجب أن يكونوا في أي بلد نقطة الارتكاز لبنائه وتنمية المجتمع ورفعته، فلا وجود لأي وطن بدون شباب مثقف ومتعلم ومتدرب ومبدع، لمواجهة تحديات هذا العصر المتحّول لعصر الصناعة والتكنولوجيا وتقنية المعلومات، كما يتوجب على أنظمة بلداننا العربية العمل من أجل وضع خطط استراتيجية هادفة ومبادرات رائدة متعددة تعني برعاية الشباب من أجل النهوض بقدراتهم والعناية بها العناية المطلوبة التي ترتكز على أسس الابتكار والتميز في الإعداد والتنفيذ، والوقوف معهم وتشجيعهم الدائم على أسس راسخة من العلم والإيمان بأداء رسالتهم المجتمعية المنوطة على عاتقهم والتي تتطلب لأدائها بذل الجهود المخلصة والإرادة القوية التي لا تعرف الكلل والملل، فهم خير من يمثل ويتحلون بهذه الصفات والقيّم السامية، لأنهم القادرون على النهوض بحضارتنا العربية العريقة وفق استراتيجيات حكيمة مدروسة تستهدف تنميتهم في المقام الأول لتنمية الوطن العربي والنهوض باقتصاده ورفعة مجتمعهم وتقدمه، ولمواجهة تحديات عصرنا اليوم ومتطلبات المستقبل.
وندعو المولى عز وجل أن يحفظ شبابنا ومجتمعاتنا وأوطاننا العربية والإسلامية، ويديم عليها الأمن والأمان، والتقدم والازدهار، في ظل حكامنا ورؤسائنا وحكوماتنا الرشيدة.