بقلم د : شيرين العدوي
رأيي في عزلة الأدباء اليوم في صحيفة أخبار الأدب .
العزلة الأدبية سجن الإبداع أم ملاذه؟
يعيش الكثير من الأدباء حالة من العزلة، سواء كانت طوعية أو مفروضة، وهي حالة تتجلى في الانسحاب من الحياة الاجتماعية والتوجه نحو العالم الداخلي. هذه العزلة، وإن بدت للبعض كحالة مرضية، إلا أنها في الحقيقة قد تكون محفزًا قويًا للإبداع. أتعرض لنوبة من هذه النوبات الانعزالية التي تجعلني أعيد تأمل الواقع بانهزامته وانتصاراته ثم أجسدها على الورق غير عابئة بما يقال وقتها وإذا لم أفعل هذا أحس بحالة اكتئاب شديدة فالملاذ هو القلم والبيت هو الورق. كثيرا ما قررت في لحظات أسميها قوة عكس الأدباء الآخرين أن أنهى حياتي الأدبية وأحيا خالية الذهن والوفاض لكني لم أستطع أن أكمل هذا ، إذ انفصال الأديب عن محيطه هي حالة أشبه بقطع الوريد الذي يغذي الجسد ، إذ الأدباء عائلة لها أمشاج وأواصر ودماء لا يستطيع الإنسان الانفصال عنها أو قطعها وكأنه ينتزع من أعضائه، ويختنق من انتهاء الهواء. فالأواصر التي تربط الأدباء وخصوصا الشعراء دماء لا يشعر بها إلاهم ولا يفهمها غيرهم.
أحمد شوقي أمير الشعراء، عاش فترة من العزلة الاختيارية في قصره بالعباسية، حيث انغمس في تأملاته وشعره. وكان يختفي قبل غروب الشمس كل يوم في حال من التأمل .
أحلام مستغانمي: الروائية الجزائرية المعروفة، عاشت فترات من الانطواء والتفكير العميق، مما أثرى كتاباتها الروائية.
نجيب محفوظ: رغم شهرته الواسعة، كان محفوظ يعيش حياة هادئة ومستقرة، يفضل العزلة عن الضوضاء والزحام رغم أنه كان يعيش وينزل إلى قهوة الفشاوي لكنه رغم انغماسه في التفاصيل كان يحيا حياة شبه منعزلة وصارمة حتى يستطيع نقل مشاعره على الورق .
توماس مان: الروائي الألماني الحائز على جائزة نوبل، عانى من الاغتراب والوحدة، مما انعكس على أعماله الأدبية.
فرجينيا وولف: الروائية الإنجليزية، عانت من اضطرابات نفسية دفعتها للعزلة، إلا أنها استطاعت خلالها أن تكتب رواياتها الشهيرة.
تشارلز بوكوفسكي: الشاعر الأمريكي، عاش حياة منفردة مليئة بالمشروبات الكحولية، لكنه استطاع أن يخلق عالمًا أدبيًا خاصًا به.
و للعزلة الأدبية أسباب منها:
البحث عن الإلهام: يبحث الكثير من الأدباء عن مكان هادئ ومستقر بعيدًا عن ضوضاء الحياة، حتى يتمكنوا من التركيز على كتاباتهم.
الهروب من الواقع: قد يدفع بعض الأدباء إلى العزلة هربًا من مشاكل الحياة اليومية أو الصراعات الداخلية.
الاضطرابات النفسية: يعاني بعض الأدباء من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو القلق، مما يدفعهم للعزلة. هذه الاضطرابات تنتج من الهوة بين اليوتوبيا التي يريد أن يحيا فيها والواقع المعاش.
وتؤثر العزلة على الإبداع في بعض الأحيان فتزيد من التعمق في الذات: وتساعد الأدباء على فهم أنفسهم وعالمهم الداخلي بشكل أفضل، مما ينعكس على عمق كتاباتهم.
و قد تزيد العزلة من إنتاجية الكاتب، حيث يجد الوقت الكافي للكتابة والتأمل. كما تخلق عوالم جديدة يستطيع الكاتب من خلالها أن يخلق عوالم خيالية جديدة، بعيدة عن الواقع.
العزلة الأدبية ليست بالضرورة أمرًا سلبيًا، بل قد تكون مفتاحًا للإبداع والابتكار. فالكثير من الأعمال الأدبية الخالدة قد ولدت في ظروف من العزلة والانطواء.