إنها ليست معضلة لاعب الكرة في فريقه فقط، ولكنها أزمة وجودية لكل من وجد نفسه في تلك المنطقة وكتبت عليه لعبة الحياة أن يستلم ويمرر، فلا هو يدافع عن مرمى ولا هو يحرز هدفا، برغم أنه أكثر اللاعبين ركضا وجهدا وتأثيرا..ربما لا يشعر أحدا بحضوره ولكن إذا ما شغر مكانه شعر الجميع بغيابه.. لو ابتسمت له الحياة فإنه من الممكن أن يحرز هدفا، لكنه لن ينافس به الهدافين أو أن يمنع عن المرمى هدفا، لكنه لن يحوز على لقب المدافعين.أزمة لاعب المنتصف أنه بلا هوى في زمن الهوى.. لم يكن من أبناء مشروع لأنه اختار ان يكون مشروعا ولو حبرا على ورق.. فإمكانياته في مهاراته.. وهذا ليس زمان المهارات.في العمل الصحفي أو الإبداعي ثمة جهابزة عانوا ولا زالوا من أزمة المنتصف لأنهم أبناء الطبقة الوسطى، الذين تعاملوا مع الحياة بثوابت الكتب، لكنهم حين شرعوا في تطبيق ما تعلموه تفاجأوا بأن الواقع مغاير، فلم تتبناهم جهة، ولم ينتموا لحزب.. لم يؤيدوا أو يعارضوا في المطلق بل ابتعدوا واقتربوا حسب الفكرة ووجهة النظر.. اعتمدوا على العقل في زمن الحشد.. وعلى الشعر في سوق الشعارات.في انتخابات نقابة الصحفيين الماضية، تجلت أمامي أزمة المنتصف، فلي أصدقاء كثر من اليسار واليمين، نظريا أنا وغيري الحل الوسط في أوقات الصدام، لكن عمليا أنت لست إلى هؤلاء ولا إلا هؤلاء، لذا انت آخر الحلول التي توضع كافتراض لا ينفذ مهما كانت أواصر قرابتك لأنك لست ابن مشروع، لست سوى جنديا في معركة الكلمة تضعها متى وكيف تشاء، وهذا في عرف الأولتراس غير مقبول، فإما أن تكون مع أو ضد.. لا بين بين وإن كنت جهبز هذا الزمان.. فالاختبار الأول لاجتياز مرحلة القبول أن تطلق الكلمات كالرصاص على المعسكر الآخر.. أن تكون مسخا بلا عقل ستجد لك فرصة في أي الفريقين.. أما أن تكون أنت فستظل غارقا في أزمة المنتصف.. ليس مقبولا أن تحب مصر وتنتقد أداء الحكومة.. فالحب “شروة” أو صفقة ليس من حقك الانتقاء، وأن تعارض ليس أمر عارض تحيد عنه وتثني في موضع على الأداء، فالأمر ليس وجهات نظر، وإنما هو وجهة واحدة فمن غير المقبول أن تقلب وجهك في السماء.أستطيع أن اعدد لك الكثير من الأسماء حاليا وسابقا ممن هم رواد، اعتزلوا الشأن العام لأنهم دعوا إلى كلمة سواء.. فلا هم ركبوا عربات القطار الفاخرة ولا هم وجدوا لهم مقاعد في عربات الدرجة الثالثة، فظلوا طيلة حياتهم يهربون من “كمسري التذاكر” ربما وجدوا حيلة أو مقعد فارغ في رحلة السفر صدفة، أو ربما لم يجدوا وربما يأسوا فقفزوا من القطار في نقطة “تهدية”.. أو ربما وقع حظهم العثر فألقى بهم محصل التذاكر من القطار.. ويظل آخر رهان أن يكون مشرف القطار رجل رحيم فيسمح لهم بالوقوف خلف الباب..فيجدوا موضعا يضمن لهم سلامة الوصول محملا باشمئزاز الركاب.. وسؤال بلا إجابة: من هم هؤلاء؟..مع أنهم في صحيح الصحائف أغنى الحضور عن التعريف. اكتب ما شئت كيفما شئت لكنك في منطقة المنتصف، ستظل أنت ومن هم على شاكلتك فقط تقرأون ما تكتبون، فالعيون والألسنة رهن الفريقين.. هكذا عاش ومات أنبياء وفلاسفة وحكماء وخبراء وكتاب ثم أخرجوا بعد سنوات رفاتهم، ليدركوا أنهم كانوا الحل الأمثل الذي قتلوه في مواسم الغضب.فكيف تكون أنت.. وفي زمن الحرب لا وجود للحب.. في زمن الطيش لا جدوى من حكمة لقمان.. ولا لفصاحة هارون.. كيف لقلم أن يتحول لبندقية..! وكيف لكلمات أن تتحول لرصاص..!فلتمد كمدا أو لتحيا على أمل.
الوسومالسعودية الصحفي عمرو مصباح عمرو مصباح مصر موقع هايـدى نيـوز
شاهد أيضاً
” معرض الشارقة للكتاب ” ينجح في جذب أنظار العالم للكتاب الورقي
بقلم د : خالد الظنحاني على مدار ثلاثة وأربعين عاماً من العمل الدؤوب والمثابرة والتفاني …