تحليل الدكتورة/ نادية حلمي
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
عقدت دول البريكس قمتها الرئيسية في مدينة قازان الروسية على ضفاف “نهر الفولجا” يوم الخميس الموافق ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٤ بمدينة قازان الروسية. وستكون أول قمة تعقد بعد انضمام (إيران ومصر وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة) رسمياً إلى التكتل. وتتضمن أجندة هذا العام التركيز على “إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب لتحدي الهيمنة الأمريكية والغربية”. وتسعى قمة البريكس الحالية إلى إيجاد بدائل قابلة للتطبيق للهيمنة العالمية للدولار الأميركي، لمساعدة الأعضاء المتضررين بشكل خاص، مثل: (إيران وروسيا).
في قمة “البريكس”، التي تتمتع بثقل اقتصادي أكبر من النفوذ الجيوسياسي، يريد الرؤساء (السيسي وشي جين بينغ وبوتين) إصلاح طريقة إدارة العالم، وهو ما يعني مراجعة كيفية عمل الأمم المتحدة، والحصص والقيادة في المؤسسات المالية المتعددة الأطراف مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها.
تتشارك مصر مع الصين وروسيا، قبل قمة “البريكس”، في فكرة “إعادة التأكيد بشكل عميق على السيادة كمبدأ منظم للعلاقات الدولية”، ومن وجهة النظر المصرية والصينية والروسية، فإن التدخل الغربي، وخاصة من جانب الولايات الأمريكية، في مجالات، مثل: حقوق الإنسان وسيادة القانون والسياسة الداخلية والدبلوماسية، لهو أمر مثير للغضب لأنه غير مرحب به. وكذلك رغبة مفهومة في الهروب من هيمنة الدولار الأمريكى على المعاملات المالية والإقتصادية حول العالم.
هنا جاءت أهمية كلمة الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، في الدورة الثانية لقمة البريكس بمدينة قازان الروسية، حيث أشارت إلى أن الكلمة تحمل رؤية مصر في التعامل مع التحديات الراهنة، حيث قال الرئيس “السيسى”: “إن مصر تؤمن إيماناً راسخاً بأهمية تعزيز النظام الدولي المتعدد الأطراف وفي قلبه الأمم المتحدة ووكالاتها”. ونجد أن خطاب السيسي أكد إلتزام مصر بمبادئ ومحاور عمل مجموعة البريكس، حيث أكد الرئيس “السيسى” حرص مصر على تعزيز التعاون بين دول البريكس، بما يساهم في تعظيم دورها في ترسيخ الأمن والاستقرار، وزيادة النمو الإقتصادى العالمي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتحديث العالمي لدول الجنوب العالمي بقيادة دول البريكس، مشيرا إلى أن مجموعة “البريكس” تعد فرصة عمل لتعزيز الشراكات مع دول “البريكس”، وهو ما يؤدي إلى جذب الاستثمارات إلى مصر، خاصة أن مصر أنشأت بنية تحتية كبيرة خلال السنوات العشر الماضية.
كما عبرت كلمة الرئيس “السيسى” عن التحديات التي تواجه الدول النامية، وخاصة تصاعد مشكلة الديون المتراكمة، وسبل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث دعا الرئيس “السيسي” المجتمع الدولي إلى القيام بدوره في هذه القضية، حيث قال: إن مصر تعطي أولوية قصوى لإتخاذ خطوات ملموسة تضمن قيام المجتمع الدولي بدوره في توفير التمويل الميسر لتحقيق التنمية في الدول النامية، من خلال خلق آليات مبتكرة وفعالة لتمويل التنمية، وآليات شاملة لضمان الإدارة المستدامة لديون الدول النامية. مع تأكيد الرئيس السيسي الكامل على أن انضمام مصر لمجموعة البريكس سيعود بالعديد من المكاسب على الاقتصاد المصري ويعزز مكانة مصر الإقتصادية في السوق العالمية.
وشارك الرئيس “السيسى” في فعاليات اليوم الثاني لقمة “البريكس”، وأكد في كلمته على ضرورة إنهاء الصراع في الشرق الأوسط، والذي نتج عن الحرب الإسرائيلية في غزة وتوسعها لتشمل لبنان، بالإضافة إلى ضرورة تأمين الملاحة البحرية وسلاسل الإمداد. ودعا الرئيس “السيسي” بنوك التمويل إلى تحمل مسؤوليتها في دعم الدول الأعضاء، وخاصة النامية، من أجل تحقيق النمو ومواجهة أزمات المناخ والبنية الأساسية. وأكد الرئيس “السيسي” على عمل مصر المستمر والدائم للتعاون مع الدول الأعضاء في مجموعة “البريكس” لتحقيق آمال وتطلعات الشعوب.
وحرص الرئيس “السيسي” أمام زعماء مجموعة “البريكس” على التأكيد على ضرورة تعظيم الاستفادة من بنوك التنمية متعددة الأطراف، لتكون أكثر قدرة على تعزيز وصول الدول النامية إلى التمويل الميسر، بما في ذلك الوصول إلى تمويل المناخ، والتأكيد على الدور المهم لكل من (بنك التنمية الجديد والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية) في توفير التمويل اللازم والميسر للدول النامية، لتنفيذ مشروعات التنمية في مختلف القطاعات، من أجل تحقيق الهدف المنشود في تحديث دول الجنوب العالمي.
علق الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” على كلمة الرئيس السيسي في اليوم الثاني لمجموعة “البريكس”، قائلاً: “مصر تعمل بشكل نشط في مجموعة البريكس وأصبحت عضوًا كامل العضوية في هذه المجموعة”. وأضاف خلال الجلسة الافتتاحية لليوم الثاني من قمة “البريكس” في مدينة قازان الروسية، أن مصر ستساعد بشكل كبير في دعم أهداف تحالف “البريكس”.
وفى هذا السياق، دعا عدد من زعماء العالم في قمة “البريكس” في مدينة قازان الروسية، إلى وقف القتال في الشرق الأوسط، بعد امتداد الحرب من غزة إلى لبنان، فيما اتهم رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” إسرائيل بـ “التخطيط لإفراغ” قطاع غزة من سكانه. وفي كلمته في قمة البريكس، دعا الرئيس عباس إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي بـ”وقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني فوراً، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، وتحمل دولة فلسطين كامل واجباتها في إعادة النازحين إلى مناطقهم وإعادة الإعمار”.
مع تحذير الرؤساء “السيسي وشي جين بينغ وفلاديمير بوتين” من أن الشرق الأوسط “على شفا حرب شاملة”، بسبب امتداد القتال في الشرق الأوسط إلى لبنان، وتأثيره على دول أخرى في المنطقة أيضاً. ومع تصاعد المواجهة بين إسرائيل وإيران بشكل ملحوظ. كل هذا يشبه سلسلة من ردود الفعل ويضع الشرق الأوسط بأكمله على شفا “حرب شاملة”.
هنا جاء تأكيد الرئيس المصري “السيسي” أمام نحو ٢٠ زعيماً وزعيماً، على “ضرورة وقف العنف وتقديم المساعدات الحيوية للضحايا”، داعياً إلى “إقامة دولة فلسطينية مستقلة”.
اعتبر الرئيس الصيني “شي جين بينغ”، في كلمته في قمة “بريكس” في قازان الروسية، الخميس ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٤، أن السلام العالمي لا يزال يواجه “تحديات عميقة”، مؤكداً للزعماء الحاضرين، ومنهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، أن “المسيرة المشتركة لدول الجنوب العالمي نحو التحديث هي حدث كبير في تاريخ العالم”، مضيفاً: “في الوقت نفسه، لا يزال السلام والتنمية العالميان يواجهان تحديات عميقة”. وتحدث الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في اليوم الأخير من قمة “بريكس” في قازان، باعتبارها التجمع الدبلوماسي الرئيسي الذي تريد موسكو تقديمه كجبهة موحدة ضد هيمنة الغرب على إدارة شؤون العالم. حيث أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ أنه: “يجب أن نكون قوة استقرار للسلام، وتعزيز الحوكمة العالمية في مجال الأمن، واستكشاف حلول لأبرز المشاكل التي تعالج أعراضها وأسبابها الجذرية في نفس الوقت”. كما دعا الرئيس الصيني إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الفلسطينية حماس في قطاع غزة، ومنع توسع المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان. وأكد شي: “يجب أن نستمر في الدفع باتجاه وقف إطلاق النار في غزة، وإحياء حل الدولتين، ووقف انتشار الحرب في لبنان”. وأضاف شي: “يجب ألا يكون هناك المزيد من المعاناة والدمار في فلسطين ولبنان”.
كما أكد الرئيس الصيني “شي جين بينغ” أمام تجمع “البريكس” الحالي أن بلاده، ثاني أكبر إقتصاد في العالم، تدعم إنضمام المزيد من دول الجنوب العالمي إلى مجموعة “البريكس”. ودعا “شى” المجموعة، خلال قمة “البريكس”، إلى أن تكون رائدة في إصلاح نظام الحوكمة الإقتصادية العالمية. ومع دعوة الرئيس “شي جين بينغ” إلى تفعيل (مبادرة الإستثمار العالمية) بهدف بناء عالم أفضل ومزدهر للشعوب، فإن الصين مستعدة كطرف تنسيقى لإنشاء تحالف “المراكز اللوجستية” لدول الجنوب العالمي، من أجل تحديث دول الجنوب العالمي.
كما أكد الرئيس الصيني “شي جين بينغ” أنه أشرف بنفسه، بعد إنتهاء (الدورة الثالثة للحزب الشيوعي الصيني)، على وضع خطة شاملة لدعم الإصلاحات وتحديث الصناعة الصينية، وهذا سيعطي فرصة أكبر للعالم أجمع، مع الإتفاق الصيني الأفريقي، على هامش (منتدى الصين أفريقيا)، على خطة مشتركة بين الجانبين لتعزيز التحديث، وهو ما سيشكل دافعاً إضافياً لتحديث الإتصالات في الجنوب العالمي.
ومع تأكيد الرئيس الصيني “شي جين بينغ” أن الجانب الصيني سيهتم بدول الجنوب، ويقف جنبًا إلى جنب معها، ويعمل على انضمام المزيد من دول الجنوب العالمي إلى مجموعة “البريكس” كشركاء أو للتعاون في مجموعة “بريكس بلس”، وبلورة قوة حاسمة للجنوب العالمي ويكون لها صوت واحد.
ومن هنا نفهم لغة الخطاب المشترك بين الرئيسين “السيسي وشي جين بينغ” خلال قمة “البريكس” في قازان بروسيا، من اتفاقهما على الصراعات التي يشهدها العالم حاليًا والتي تهدد مصداقية النظام الدولي المتعدد الأطراف، وتهيمن عليها النزعات الحمائية والسياسات الأحادية. وفي هذا السياق، وفي خضم هذا التشتت، تؤمن مصر والصين بضرورة توحيد الدول النامية وتعزيز التعاون (جنوب-جنوب) كأحد السبل المهمة لمواجهة التحديات الراهنة. لقد كانت مصر في عهد الرئيس السيسي دائماً في مقدمة الدول الحريصة على تعزيز التعاون بين الدول النامية، بالإضافة إلى جهودها الدؤوبة لدعم مصالح وأولويات دول الجنوب في مختلف المحافل الدولية، مع التأكيد على التزام مصر الكامل تجاه دول “البريكس” وعلى رأسها روسيا والصين، لتعزيز العمل المشترك والتعاون بين دول “البريكس” ودول الجنوب، من أجل تحقيق الأهداف المشتركة وتطلعات شعوبنا لمستقبل أفضل.