بقلم د : خالد السلامي
06-11-2024
في كل خريف، ينفتح قلب الشارقة ليحتضن عشاق الكتب، أولئك الذين لا يزالون يؤمنون بسحر الكلمات المكتوبة في عصر سيطرت فيه التكنولوجيا على كل شيء. يدخل الزائر إلى “معرض الشارقة الدولي للكتاب” وكأنه يعبر بوابة لعالمٍ آخر؛ عالم يحتفي بكل حرف وجملة وقصة تشكلت عبر القرون. هذا المعرض، الذي تجاوز الأربعين عاماً من الإبداع، يرمز إلى استمرارية ارتباط الإنسان بالكلمة وامتداد هذا الارتباط عبر الثقافات والأجيال.
منذ بدايته عام 1982، حلم الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بأن يجعل القراءة جزءاً أصيلاً من حياة الأجيال القادمة، لتصبح عادة يومية ومنهجاً فكرياً عميقاً. ومع مرور السنوات، تطور هذا الحلم ليصبح “معرض الشارقة الدولي للكتاب” أحد أكبر معارض الكتب في العالم، وأكبر تجمع ثقافي من نوعه في العالم العربي. هنا، تتجسد أحلام الكتّاب والناشرين، وتجري حوارات تلتقي فيها أفكار شرق الأرض بغربها، ليصبح المعرض أكثر من مجرد حدث؛ إنه ظاهرة ثقافية عالمية.
ملتقى الثقافات والأفكار
المعرض هذا العام ينطلق تحت شعار “هكذا نبدأ”، وكأنها رسالة إلى كل زائر بأن المعارف والأفكار تبدأ من هنا، من هذا المكان الذي يجمع شعوباً وأفكاراً من كافة أنحاء العالم. تشارك في هذه الدورة أكثر من 112 دولة، ويجتمع فيها أكثر من 2520 ناشراً، ليعرضوا إنتاجاتهم ويشاركوا أفكارهم وتجاربهم مع الزوار. إنه فضاء يتيح للزائر أن يتجول بين مئات الآلاف من العناوين، كل كتابٍ منها يُشبه نافذة مفتوحة على عالم جديد، سواء كان أدبياً، أو علمياً، أو تاريخياً، أو فلسفياً.
ولعل التميز الكبير للمعرض هذا العام يكمن في استضافة المملكة المغربية كضيف شرف، مما يضيف بُعداً ثقافياً غنيّاً لأروقة المعرض. فالزائر، بمجرد أن يخطو إلى جناح المغرب، يشعر بنبض الأندلس وعطر الصحراء وزخارف الفنون المغربية العريقة. من خلال هذا الاحتفاء، يتم استكشاف العمق الثقافي والحضاري للمغرب عبر عروض فنية وورش عمل وحوارات أدبية تعكس تراثها وعبقريتها الأدبية، ويتيح لزوار المعرض فرصة التجوال في تاريخها الغني والتعرف على أدبائها وفنانيها.
أحلام مستغانمي – تكريم يستحقه الأدب
وليس هذا المعرض فقط لتبادل الأفكار والكتب، بل هو أيضاً فضاء لتكريم الرموز الأدبية. ففي هذا العام، خص المعرض الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي بلقب “شخصية العام الثقافية” تكريماً لمسيرتها الأدبية الرائدة. مستغانمي، التي كانت وما زالت تلهم الملايين بأسلوبها الأدبي المتميز، حملت مشاعر الجزائر وصوت الإنسان العربي إلى العالم. منحها هذا اللقب ليس فقط تقديراً لإنجازاتها الأدبية، بل هو أيضاً رسالة لكل كاتبٍ أن الكلمة الصادقة تستطيع تجاوز الحدود والقارات.
القراءة ليست مجرد فعل عابر
في أروقة المعرض، تشعر بأن القراءة ليست مجرد نشاط فردي أو هواية؛ إنها تجربة تفاعلية تعيد تشكيل مفاهيم الزوار. هنا، يمكنك حضور جلسات حوارية وورش عمل تغوص في عوالم الأدب والفكر والفنون، ويمكنك الاستماع إلى نقاشات تضم نخبة من الكتّاب والمثقفين الذين يشاركون رؤاهم ويطرحون تحدياتهم وآمالهم. أكثر من 600 ورشة عمل تُنظم هذا العام، تتنوع بين أدبية وتعليمية، وتخاطب كافة الفئات العمرية. سواء كان الزائر شاباً أو طفلاً، يجد في هذا المعرض زاوية تنسجم مع اهتماماته، وتفتح له آفاقاً جديدة.
معرض يجمع بين الماضي والمستقبل
في “معرض الشارقة الدولي للكتاب”، يلتقي الماضي بالحاضر؛ فالمعرض يجمع بين الكتب التاريخية والقديمة التي تروي حكايا شعوبٍ قديمة، وبين أحدث إصدارات التقنية وكتب الخيال العلمي التي تتنبأ بمستقبل الإنسان. هذا التوازن بين الأصالة والمعاصرة، بين التراث والإبداع، يضفي على المعرض طابعاً فريداً يجذب الزوار من كل أنحاء العالم. يتيح المعرض لكل شخصٍ، مهما كانت اهتماماته أو خلفيته الثقافية، أن يجد ما يلهمه ويثريه.
قوة الكلمات في تعزيز الوحدة
الكتب ليست مجرد أوراق، بل هي جسور تبني العلاقات بين الشعوب وتُزيل الحواجز. في هذا المعرض، يتوحد العالم عبر الحروف، حيث يلتقي الناشرون من الشرق والغرب، والشمال والجنوب، في مساحة واحدة، كلٌّ يعرض فكرته بطريقته، وكلٌّ يتبادل الاحترام والإعجاب بأعمال الآخرين. إن مثل هذه التجمعات الثقافية تعكس قوة الثقافة في تعزيز التفاهم والتقارب بين الشعوب، وتجعل من الكتاب رمزاً للوحدة الإنسانية.
عندما ينتهي معرض الشارقة الدولي للكتاب، سوف يظل أثره ممتداً في قلوب زواره. سوف يعود كل زائر إلى حياته اليومية محملاً بالكتب التي اختارها، والأفكار التي استلهمها، واللحظات التي عاشها. ستظل ذكريات هذا الحدث في الأذهان، كتذكير بأن القراءة ليست فعلاً فردياً فحسب، بل هي تجربة جماعية، تفتح أمام الناس آفاقاً لا تنتهي من الإبداع والابتكار. ستظل الشارقة، بفضل هذا المعرض، قلباً نابضاً للثقافة، تضفي على العالم بريقاً لا يخفت، وتجدد سنوياً علاقتنا بالكلمة وتعيدنا إلى جذور الإنسانية
المستشار الدكتور خالد السلامي – سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة ورئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021 وحاصل على جائزة الشخصيه المؤثره لعام 2023 فئة دعم أصحاب الهمم وحاصل على افضل الشخصيات تأثيرا في الوطن العربي 2023 وعضو اتحاد الوطن العربي الدولي. عضو الامانه العامه للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والتعاون الدولي حاصل على جائزة أفضل شخصيه مجتمعية داعمه لعام 2024 .