اليوم الدولي للمتطوعين الأيادي البيضاء التي تصنع الفرق


بقلم د : خالد السلامي
05-12-2024


حين تقف لتتأمل أثر اليد التي تمتد لمساعدة الآخرين، تدرك أن هناك قوة خفية تصنع فارقاً في هذا العالم. المتطوعون، هؤلاء الذين يعملون بصمت ويفتحون أبواب الأمل، هم الركيزة التي تتوازن عليها المجتمعات، وأبطالٌ يُحتفى بهم في اليوم الدولي للمتطوعين. وبينما تمر الأيام وتتعاقب السنوات، يبقى العطاء الإنساني شعلة لا تنطفئ في عالم تتزايد فيه التحديات. اليوم الدولي للمتطوعين، الذي يصادف الخامس من ديسمبر، ليس مجرد مناسبة للتكريم، بل هو لحظة للتأمل في معاني التطوع وأثره العميق على الأفراد والمجتمعات. إنه يوم نحتفي فيه بأولئك الذين اختاروا أن يجعلوا من وقتهم وجهدهم مصدراً للأمل والنور. لكن السؤال الذي نطرحه اليوم ليس لماذا نكرّمهم، بل كيف يمكن أن نكون جزءاً من هذا العطاء؟


ما هو التطوع حقاً؟
التطوع لا يعني مجرد تقديم المساعدة أو بذل الجهد في فعل عابر؛ إنه فلسفة حياة تعكس الرغبة في إحداث تغيير إيجابي. المتطوع هو الشخص الذي يضع الآخرين في سلم أولوياته، لا بحثاً عن مكافأة أو شهرة، بل إيماناً منه بأن لكل إنسان دوراً في تحسين الحياة من حوله.
تتعدد أشكال التطوع اليوم، من الأنشطة التقليدية كالمشاركة في حملات التبرع، إلى أدوار أكثر تخصصاً مثل التعليم، الإرشاد الصحي، أو حتى التطوع التقني في مجالات كالبرمجة وتطوير الحلول الرقمية. المتطوعون هم نسيج متنوع من المهارات والخبرات، لكنهم يجتمعون على هدف واحد: خدمة الإنسانية.


الإمارات.. منارة التطوع في المنطقة
من قلب العالم العربي، برزت الإمارات كنموذج يحتذى به في العمل التطوعي. القيادة الحكيمة في الدولة حرصت منذ تأسيس الاتحاد على جعل العطاء جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية. اليوم، تحتضن الإمارات عشرات المبادرات التطوعية التي تتجاوز الحدود الجغرافية، لتصل إلى أبعد نقطة حيث الحاجة ملحة.
من أبرز هذه الجهود، “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية”، التي أثبتت أن العمل الإنساني ليس مجرد عمل محلي، بل رسالة عالمية. كما أظهرت حملة “المليار وجبة” كيف يمكن للإمارات أن تجمع بين الإمكانيات الوطنية والرؤية الإنسانية لخدمة البشرية في أصعب الظروف.


لماذا نحتاج للعمل التطوعي؟
لا يخفى على أحد أن العالم يواجه اليوم أزمات متزايدة، من التغير المناخي إلى الحروب والكوارث الطبيعية. وسط هذه التحديات، يصبح العمل التطوعي أداة لا غنى عنها لتخفيف الأعباء عن المجتمعات. المتطوعون لا يقدمون فقط المساعدات الملموسة، بل يعززون روح التضامن والأمل، مما يساعد المجتمعات على النهوض من جديد.
لكن الأمر لا يقتصر على تأثير التطوع على الآخرين. الأبحاث تشير إلى أن المتطوعين أنفسهم يستفيدون من عملهم، سواء بتحسين صحتهم النفسية، أو بناء شبكات اجتماعية أقوى، أو حتى تعزيز مهاراتهم الشخصية والمهنية.


المتطوعون في أوقات الأزمات
لا يمكن تجاهل الأدوار البطولية للمتطوعين خلال الكوارث الطبيعية. عند وقوع الزلازل أو الفيضانات، يكون المتطوعون أول من يهرع لمساعدة الضحايا. في تلك اللحظات، تختفي الفوارق الثقافية والاجتماعية، ليظهر وجه الإنسانية النقي. أحد أبرز الأمثلة هو الفرق التطوعية التي أنقذت الآلاف خلال زلزال تركيا وسوريا الأخير، حيث أظهروا معنى العطاء في أحلك الظروف.


كيف يمكن للجميع أن يساهم؟
ربما يعتقد البعض أن العمل التطوعي يقتصر على من يملكون الوقت أو المال، لكن الحقيقة مغايرة. لكل شخص طريقته الخاصة للمساهمة. يمكنك أن تبدأ بتخصيص ساعة أسبوعياً لتعليم طفل محتاج، أو تنظيم ورش عمل بسيطة لنشر الوعي بقضايا بيئية. الأهم هو الإرادة، لأن كل خطوة صغيرة قد تكون بداية لتغيير كبير.
في العمل التطوعي، لا توجد أفعال صغيرة. كل جهد يبذل، مهما كان بسيطاً، يترك بصمة. المتطوعون هم من يثبتون أن العطاء لا يحتاج إلى إمكانيات ضخمة، بل إلى قلب يؤمن بقدرة الإنسان على مساعدة الآخر.


العمل التطوعي في الإسلام: فريضة أخلاقية وسنة عملية
عندما نتأمل مفهوم العمل التطوعي، نجد جذوره عميقة في تعاليم الدين الإسلامي. التطوع في الإسلام ليس مجرد فعل مستحب، بل هو جزء لا يتجزأ من القيم والأخلاق التي أوصى بها الله ورسوله الكريم. في القرآن الكريم، نقرأ قوله تعالى: “وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ” (البقرة: 110)، وهي دعوة واضحة لكل مسلم لبذل الخير من دون انتظار مقابل.
رسالة الإسلام: العمل من أجل الخير العام


الإسلام يجعل من العمل التطوعي واجباً أخلاقياً يحقق التكافل بين أفراد المجتمع. السنة النبوية مليئة بالقصص التي ترسخ هذه القيمة. فعلى سبيل المثال، حث النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) المسلمين على مساعدة الآخرين، قائلاً: “خير الناس أنفعهم للناس.” هذا الحديث يلخص جوهر العمل التطوعي: السعي لتحقيق النفع للآخرين، سواء بالمساعدة المادية أو المعنوية.
كما أن الزكاة والصدقة، وهما من أركان الإسلام، تعكسان مفهوم التطوع من خلال تقديم الدعم للفقراء والمحتاجين. لكن الإسلام لا يقتصر على الجوانب المالية فقط، بل يشجع على التطوع بالوقت والجهد، سواء عبر مساعدة الجار، أو إماطة الأذى عن الطريق، أو تعليم الآخرين.


التطوع وبناء مجتمع متماسك
التكافل الاجتماعي الذي يدعو إليه الإسلام يضع العمل التطوعي في قلب بناء المجتمع. من خلال التطوع، يتجسد مفهوم “الأمة الواحدة” الذي يربط المسلمين ببعضهم البعض كجسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
في دولة الإمارات، نجد أن هذه التعاليم الإسلامية أصبحت جزءاً من النسيج الثقافي، حيث يتم تحفيز الأفراد على التطوع عبر مبادرات تحمل الطابع الإسلامي والإنساني. على سبيل المثال، المبادرات الرمضانية التي تهدف لتوزيع الطعام والاحتياجات الأساسية تعكس هذا المبدأ بوضوح.


نظرة إلى المستقبل: كيف نغرس التطوع في الأجيال القادمة؟
إذا أردنا أن نعزز ثقافة التطوع وفقاً لتعاليم الإسلام، فعلينا أن نبدأ من الصغار. التعليم الديني يمكن أن يلعب دوراً محورياً في غرس هذه القيم. مثلاً، يمكن تعليم الأطفال أن التطوع ليس مجرد نشاط إضافي، بل هو عبادة تقربنا من الله.
المؤسسات الإسلامية يمكنها أيضاً أن تقود الطريق عبر إطلاق مبادرات تطوعية تلبي احتياجات المجتمع، مثل تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، أو حملات تنظيف المساجد، أو تقديم الدعم النفسي للأسر المحتاجة.


ختاماً: التطوع كطريق إلى الجنة
التطوع ليس مجرد فعل يُحسن من حياة الآخرين، بل هو استثمار في الآخرة. قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): “من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.” هذه الكلمات تذكرنا بأن كل عمل خيري نقوم به في هذه الدنيا ينعكس علينا برحمة ونعيم في الآخرة.
دعونا نعمل معاً على إحياء هذه القيم الإسلامية العظيمة في حياتنا اليومية، ونرسخ مفهوم التطوع كطريق لتحقيق السلام الداخلي والمجتمعي، ووسيلة للوصول إلى رضا الله.


المستشار الدكتور خالد السلامي – سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة ورئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021 وحاصل على جائزة الشخصيه المؤثره لعام 2023 فئة دعم أصحاب الهمم وحاصل على افضل الشخصيات تأثيرا في الوطن العربي 2023 وعضو اتحاد الوطن العربي الدولي. عضو الامانه العامه للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والتعاون الدولي حاصل على جائزة أفضل شخصيه مجتمعية داعمه لعام 2024.

الغردقه - شارع الشيراتون القديم بجوار فندق روما علي البحر - تليفون  0653447115  موبايل  - 01020238453

عن 1

شاهد أيضاً

وطن الإنسان

بقلم د : خالد الظنحاني عاماً بعد عام والوطن يتجذر عميقاً في دمائنا، في أرواحنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *