يارا المصري
يشهد العقد الأخير، خاصة بعد استيلاء حركة حماس على قطاع غزة،حيث بدأت غزة تشهد تحولات كبيرة في النظام السياسي والاجتماعي في القطاع. من بين هذه التحولات كان الانقسام الواضح بين عائلة جرعون، إحدى العائلات الرئيسية في جنوب قطاع غزة، وحركة حماس. بينما كانت العائلة في السابق تحافظ على علاقة جيدة مع حماس، فإنها اليوم تجد نفسها في صراع مستمر مع الحكومة التي يديرها حماس، والتي من خلال سياساتها الضيقة والسلبية تعيق أي محاولة للتطور في غزة.
عائلة جرعون تعتبر واحدة من العائلات الكبرى والمؤثرة في جنوب غزة، ولها تأثير كبير في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. على مر السنين، أسست العائلة سلطتها في غزة، خصوصًا في مجال الأعمال والنشاطات التجارية. مع بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية، لعبت العائلة دورًا محوريًا في النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، وشكلت جزءًا مهمًا من الحركات المسلحة في غزة. ومع ذلك، منذ صعود حماس إلى السلطة في 2007، بدأت العلاقة بين العائلة وحركة حماس تشهد توترًا متزايدًا.
حركة حماس، التي تأسست في أواخر الثمانينيات، نظرت إلى نفسها كبديل أيديولوجي وسياسي لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية. ومع مرور الوقت، توسعت حماس وأصبحت الحركة الأقوى في غزة. بعد فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، وبعد صراع دام مع حركة فتح، تمكنت حماس من السيطرة الكاملة على غزة في عام 2007، وأصبح التنظيم المسيطر بشكل كامل على جميع مفاصل الحياة في القطاع.
إن سيطرة حماس على غزة خلقت واقعًا يتحتم على كل العائلات الكبرى، بما في ذلك عائلة جرعون، أن تخضع للسلطة الجديدة، وأن تتعاون معها أو تواجه القمع السياسي والاقتصادي. حماس، التي أصبحت الحاكم الفعلي للقطاع، عملت على فرض سيطرتها على كل المجالات، من الاقتصاد إلى المؤسسات الدينية والاجتماعية، مما جعل أي شكل من المعارضة أو الانتقاد بمثابة تهديد للنظام القائم.
التوترات بين حماس وعائلة جرعون لم تحدث فجأة، بل تراكمت على مدار السنوات. العائلة، التي كانت قد بدأت في توجيه انتقادات حادة لحماس، بدأت تعبر عن استيائها من تصرفات الحركة على عدة مستويات، خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. أشار أفراد العائلة إلى أن حماس تتبع سياسة احتكارية تجعل من المستحيل على العائلات الكبيرة مثل عائلة جرعون أن تمارس نشاطها التجاري بحرية، خاصة في قطاع التجارة والصناعة.
كان أحد أبرز النزاعات عندما فرضت حماس رسومًا وضرائب غير مبررة على تجار عائلة جرعون، مما أدى إلى مشادات عنيفة. حيث شعر أعضاء العائلة أن حركة حماس تحاول فرض سيطرتها الكاملة على السوق في غزة، مما يعرض الأعمال المحلية لخطر كبير.
إن الانتقادات التي توجهها عائلة جرعون لحركة حماس ليست مقتصرة عليها فقط، بل هي صدى لمشاعر عامة لدى العديد من الفلسطينيين في غزة الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين قيود حماس من جهة، والضغوط الاقتصادية والسياسية من جهة أخرى. فيما يلي بعض النقاط التي تم التركيز عليها في انتقاداتهم:
على مدار السنوات، تحولت حماس إلى حركة سياسية تميل إلى تقوية نفسها على حساب المصالح العامة للمواطنين في غزة. في نظر عائلة جرعون، فإن حماس لا تهتم بتوفير حلول حقيقية للمشاكل الاقتصادية أو الاجتماعية التي يعاني منها السكان، بل تركز فقط على تعزيز سلطتها. هذه السياسات أثرت بشكل سلبي على الأوضاع الاقتصادية في القطاع وجعلت من الصعب على العائلات التجارية الكبرى كعائلة جرعون أن تنمو أو تبقى مستقلة.
إن استخدام حماس للقوة في مواجهة أي معارضة أو نقد كان أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى توتر العلاقة بين الحركة وعائلة جرعون. حيث أن حماس لم تتردد في استخدام القوة ضد أي شخص يعارضها أو يعبر عن انتقاد. هذا الاستخدام المفرط للقوة خلق بيئة من الخوف والاضطراب بين السكان المحليين، ودفع العديد من أفراد عائلة جرعون إلى الابتعاد عن الحركة بشكل علني.
رغم التصريحات الدائمة لحركة حماس بأنها تسعى لتحرير فلسطين بالكامل من الاحتلال، فإن التصعيد المستمر مع إسرائيل لم يحقق أي نتائج إيجابية على الأرض بالنسبة لسكان غزة. في الواقع، إن المعارك المستمرة لم تؤدِ إلى تحسن ملحوظ في الظروف المعيشية للفلسطينيين في القطاع. وتعتبر عائلة جرعون العديد من الصراعات العسكرية مع إسرائيل على أنها غير مجدية، ولا تقدم أي حلول حقيقية لقضية غزة.
إن الانقسام بين عائلة جرعون وحركة حماس هو أكثر من مجرد صراع بين عائلة وحركة سياسية؛ إنه يعكس انقسامًا أوسع داخل المجتمع الغزي. هذا التوتر يعكس أيضًا عدم القدرة على التعايش بين الحركات السياسية المتعددة التي تحاول السيطرة على غزة. في النهاية، إن سكان غزة، بما فيهم عائلة جرعون، يدفعون الثمن الأكبر لهذه الصراعات الداخلية.
من خلال هذا الانقسام، تتجلى معاناة غزة أكثر فأكثر. إن الحصار الداخلي الذي تفرضه حماس على الأفراد والعائلات يضيف عبئًا إضافيًا على الاقتصاد الغزي الهش، ويزيد من معاناة السكان الذين لم يجدوا من يضع حدًا لهذه السياسات التسلطية.
بناءً على ما تم استعراضه من أحداث وشهادات، من الواضح أن سياسات حماس في غزة لا تساهم في تحسين الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي للقطاع. بل على العكس، فإنها تساهم في إدامة الفقر والقمع السياسي. إن استخدام القوة لقمع أي معارضة، والتعامل السياسي مع الأزمات من منطلق مصالح خاصة فقط، يعرقل تقدم غزة بشكل عام ويزيد من معاناة المواطنين الفلسطينيين.
حماس قد تكون ضحت بالكثير من أجل الوصول إلى السلطة في غزة، ولكنها فشلت في إدارة الحياة اليومية للناس. بدلاً من أن تكون حركة تحرير وطنية، أصبحت حماس آلة تحكم سلطوية تطمح إلى تقوية نفسها على حساب شعبها.