حاورت نفسي وسبحت مع ذاكرتي، واسترجعت معها الوجوه التي قابلتها طوال حياتي، وجوه رافقتني ولازمتني سنين عمري، منها ما ترك بصمة لا تنسى، ومنها من نسيتها بانتهاء اللحظة، فهناك وجوه مجتمعي الأسري والاجتماعي، ووجوه دراسة، ووجوه عمل، ووجوه سفر، فكانت هناك وجوه صادقة وأخرى مخادعة، ووجوه ترتدي أقنعة تحب وتصادق لمصلحتها، ووجوه مخلصة خيرة لا ترجو إلا وجه الله تعالى، إنها وجوه عديدة ومختلفة، تعاملت معها، منها من أسعدني، ومنها من أتعبني، بحثت أنا وذاتي، وتذكرت أغلب تلك الوجوه، التي ما زلت أحتفظ بها داخل ملفات تقبع في ركن من أركان ذاكرتي، فشاهدت وجوهاً لناس رحلوا من عالمنا، وجوهاً افتقدت وجودها واشتقت لسماع صوتها، ولحنانها ولعطائها، وأتذكرهم بحزن عميق يسكن أعماقي، وشوق لا يمكنني قياسه، وحنين لأيام لا تزال آثارها وذكرياتها الجميلة تسعد قلبي، وتنعش كياني فيغلبني الحنين لهم، والشوق إليهم، فأدعو الله بأن يكرمهم كما أكرموني، وأن يسعدهم كما أسعدوني، وأن يرحمهم برحمته الواسعة، وهناك وجوه لناس أبعدتني عنهم ظروف ومشاغل الحياة، ولكني أشتاق إليهم وأشعر بالحنين نحوهم، ولا زالت ذاكرتي محتفظة بمساحات نقيه لهم، وبتقدير واحترام لشخصهم.
وهناك وجوه أسقطتهم عمداً من ذاكرتي، بعد محاولات عديدة مع النسيان، فلم أعد أرى وجوههم، ولم أعد أسمع أصواتهم، ونجحت في نسيانهم وقتل مشاعري تجاههم، وينتابني الضيق عندما أسترجع وجوهاً سببت لي الألم، وأساءت الظن بي، وجوهاً خذلتني واغتابتني، وسددت في ظهري طعنات مؤلمه، وجوهاً حاولت أن تدمر تفاؤلي، وتفقدني حسن ظني وثقتي في نفسي وفي من حولي، وقمة معاناتي مع ذاكرتي، والتي تسبب لها الألم والحيرة عندما أصر على أن أسترجع وأترحم على أيام عشت فيها أجمل لحظاتي، مع وجوه كنت لهم الصديقة والرفيقة والناصحة والمحبة، وجوه أحببتها من كل قلبي، وبادلتني هذا الحب في يوم ما، ولكنها انسحبت وتركتني، ورغم كل ما فعلوه إلا أني فشلت في نسيانهم، أعود وأعتذر لذاكرتي، فأنا لا أريد أن أسجن أحاسيسي ومشاعري في زنزانة الألم، ولا أن أجلد ذاتي بسياط الندم، ولا أن أسترجع لحظات انكساري أو أحصي عدد هزائمي، فدربت ذاكرتي وساعدتها بأن تلغي أي شعور بالكره أو الحقد أو الرغبة في الانتقام، علمتها التسامح والغفران، لتعيش بهدوء وسلام، وأن تحسن الظن وتحتوي وتقدر، وتعطي وتضحي مع أي كائن، حتى تترك بصمة ليتذكرني بها من حولي، وأقول لها بأن الحياة قد تكون أحياناً جميلة حتى في عز الألم، وفي وسط المعاناة، فكل أمورنا مكتوبة ومقدرة، فأبتسم من أعماقي رغم طعم المرارة،، فغداً يوم جديد، وغداً سأكون إنسانة جديدة؛ لأن قوتي في قلبي وقلبي في يد ربي.
الكاتبة أميمة عبدالعزيز زاهد
من مواليد المدينة المنورة مدربة تربوية ومستشارة إعلامية لديها العديد من المؤلفات الاجتماعية معروفة بكتاباتها الرومانسية والواقعية المؤثرة في مجتمعها خاصة من الجيل الجديد.