أخبار عاجلة

لغتنا الجميلة “قصة للأطفال” .. بقلم كلا من  زينب عبد الباقي والدكتور محمد فتحي عبد العال

 

بقلم : الأستاذه زينب عبد الباقي

كاتبة لبنانية

 

بقلم : الدكتور محمد فتحي عبد العال

كاتب وباحث وروائي مصري

رنّ الجرس ودخل الطّلّاب صفّهم بتثاقل، فهم لم يكتفوا بعد من فترة الاستراحة. وضعوا كتب الجغرافيا أمامهم وانتظروا. مضت الدّقائق ببطء، والمعلّم لم يصل. فجأةً، لاح طيف الأستاذ رفعت بقامته المديدة وابتسامته المعهودة. وقف الجميع احترامًا له فدخل الصّفّ ثم أخبرهم أنّ أستاذ الجغرافيا غائب وأنّه سيقوم بدور المعلّم البديل، فتهلّلت وجوههم  فرحًا.

كان الأستاذ رفعت هو مدرّس اللّغة العربيّة والنّحو، المعلّم الخلوق الذي يحبّه الجميع، وهو معروف بأسلوبه السّلس وطريقته اللّطيفة في سرد القصص المفيدة التي تتضمّن فوائد لغويّة نادرة .

 وقف الجميع احترامًا للأستاذ رفعت فطلب منهم الجلوس وعلى الفور بادره أحد الطّلّاب بالسّؤال:”ماذا تحمل لنا في جعبتك اليوم يا أستاذ؟”

قهقه الاستاذ وقال:” جعبتي؟ بدأت تستعمل مفرداتي أيّها الجهبذ الصّغير”

 ردّ الطّالب بسرعة:” أحبّ الكلمات التي أتعلّمها منك ” ثم وضع سبابته على جبينه وهو يفركه قائلًا : ” بالمناسبة ما معنى جهبذ؟ “

قال الأستاذ:” هي كلمة تعني النّاقد العارف بتمييز الجيّد من الرّديء، أو الخبير”

ابتسم الطّالب ووضع كفّه على صدره وانحنى قليلًا وكأنّه يشكر أستاذه على هذا اللّقب ثم قال : ” كلّنا آذان صاغية .. لنسمعك ”

جلس الأستاذ رفعت على الكرسيّ القريب وأسند ظهره إليه ثم قال:” كان أحد النّحاة المعروفين بتقعّرهم في اللّغة ويدعى “أبو عَلْقَمَة” مارًّا في الطريق، فاعترضته مشادّة كبيرة بين عبدين أحدهما حبشيّ والثّاني صقلبيّ”

قاطع أحد الطّلّاب المعلّم قائلًا: ” الحبشيّ عرفناه، هو شخص من الحبشة أي إثيوبيا كما درسنا في مادّة الجغرافيا. ولكن الصّقلبيّ!! هل هناك بلد اسمها صقلبة ؟”

أجاب الأستاذ:” نعم  يا عزيزي ورد في المعاجم أنّ صقلب هي بلد في جزيرة صقلية الإيطاليّة أكبر جزر البحر المتوسّط ، وإليها ينتسب الصّقالبة”

قال طالب آخر: ” معلومات رائعة يا أستاذ، ولكنّ العبدين ما زالا يتشاجران فلنعد إليهما ”

ضحك الجميع لخفّة دمه وأكمل الأستاذ كلامه قائلًا: ” وجد أبو علقمة أنّ التّبارز بين العبدين قد بلغ ما لا تُحمد عقباه، فالحبشيّ قد أصاب الصّقلبي إصابات بالغة. ولهذا اتّجه بهما إلى أمير البلاد ليحكم بينهما .

طلب الأمير شهادة ابن علقمة فقال: ” أصلح الله الأمير، بينما كنت أسير على كودوني، مررت بهذين العبدين، فرأيت هذا الأسحم قد مال على هذا الأبقع، فمطأه على فدفد، ثم  ضغطه برضفتيه في أحشائه، حتّى ظننت أنّه تدعّج جوفه و جعل يلج بشناتره في حجمتيه يكاد يفقؤهما، وقبض على صنّارتيه بمبرمة، وكاد يجذّهما جذًّا، ثمّ علاه بمنسأة كانت معه فعفجه بها، وهذا أثر الجريال عليه بيّنًا “.

علت الدّهشة وجوه الطّلّاب وأصابهم الوجوم وكأنّ على رؤوسهم الطّير فقالوا بصوت واحد :” لم نفهم شيئًا ممّا قلت يا أستاذ”

قال المعلّم رفعت ضاحكًا :”والأمير أيضًا لم يفهم شيئًا، فضاق ذرعًا ثمّ قال للصّقلبي:” أحكم للحبشي أن يقتصّ منك عوضًا عمّا حدث له مقابل الاستغناء عن شهادة أبي علقمة ”

قال أدهم:” ألهذه الدّرجة عجز الأمير عن فهم كلمات أبي علقمة ؟”

أجاب المعلم :” نعم يا أدهم، وأكثر”

فسأله منذر بفضول:” لكن .. ما معنى ما قاله أبو علقمة ؟”

وكان ردّه:” تعالوا نكتشف معًا ”

فتح الطّلّاب حواسبهم اللّوحيّة وراحوا يبحثون عن المعاني وبعد دقائق، لم يجد المعلّم رفعت من يرفع يده للإجابه فقال لهم :

أما الكودون فهو الفرس الهجين أو البغل ( فيقصد أنّه كان يركب بغله حين رأى الحادثة) وأمّا كلمتا الأسحم والأبقع فهما وصفان للعبدين :أحدهما أسحم أي أسود والثّاني أبقع أي بين السّواد والبياض.

قال أدهم : وأنا وجدت معنى الفدفد.

التفت الجميع نحوه فقال: يقصد أنّ الحبشيّ طرح الصّقلبي على أرض خالية وصلبة وبها حصى .

قال المعلّم : أصبت يا أدهم . وماذا فهمت أيضًا ؟

أكمل أدهم : فهمت أنّ الضّرب كان برضفتيه أي عظام الرّكبة

صرخ المعلم : ممتاز يا أدهم .

ثم أردف موجّهًا حديثه للتّلاميذ: هل يستطيع أحد أن يكمل ما بدأه أدهم ؟

قال منذر:” أنا يا أستاذ”.

قال المعلم :” بكلّ سرور، تفضّل”

أكمل منذر:” إنّ من مظاهر ضرب الحبشيّ للصّقلبيّ أنّه جعله يضغط بأصابعه في عيني غريمه وهذا معنى الشّناتر أي الأصابع في حجمتيه (عينيه). أمّا عجفه بالمنساة فتعني ضربه بعصاه في صدره ورأسه.

قال المعلم : أصبت يا بني. بقيت كلمة ” جريال ” فماذا يقصد بها ؟

صمت الجميع، فقطع المعلم صمتهم بقوله: تعني جريان الدّم وسيلانه .

صفّق الجميع لأنّهم تمكنّوا من حلّ اللّغز فقال جهاد: “سامح الله هذين العبدين، ألا يعلمان أنّ التّشاحن والتّباغض والوصول إلى درجة العراك بالأيدي سلوك منبوذ وشائن ولا يصلح أبدًا لإدارة أي خلاف؟ وأنّ السّلوك الصّحيح يفرض علينا إحكام العقل  والابتعاد عن الأحقاد واللّجوء إلى التّعاون والتّعامل بالمعروف ؟

ابتسم الأستاذ وقال :” لو كانا يعلمان، لخسرنا قصّة ممتعة من قصص أبي علقمة”

 

استاذه زينب عبد الباقي كاتبة لبنانية

د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث مصري

الغردقه - شارع الشيراتون القديم بجوار فندق روما علي البحر - تليفون  0653447115  موبايل  - 01020238453

عن heidi1news

شاهد أيضاً

حياتي كشريط فيلم

بقلم: آية شريف تم النشر بواسطة:عمرو مصباح يتضمن مشاهد متنوعة، من فصول الطفولة البريئة إلى …