هل لنا أن نعترف أن الخلل قد تغلغل إلى البنية التحتية لثوابتنا، ونحن ندعي أننا نقبل التطوير دون المساس بتلك الثوابت؟
والدليل على ذلك كل هذا الكم الهائل من الفكر المتطرف الذي يستهدف أمننا واستقرارنا ووحدتنا، وكل تلك الجرائم الإرهابية التي استهدفت أوطاننا بكافة طوائفهم ومذاهبهم وألوانهم. ومع الأخذ في الاعتبار أن الإعلام سلاح ذو حدين إلا أن الإعلام الغربي أقوى تأثيرًا وأشد ذكاء وأكثر تمويلاً من إعلامنا العربي، فقد نجح إعلامهم الموجه مع الأسف في تكريس الصورة المشوهة وبث العنصرية والتطرف والغل والحقد بين عالمنا العربي والإسلامي، وتدعونا الأحداث الراهنة إلى التحرك والعمل على أرض الواقع من خلال خبراتنا الفردية المختلفة والمتكاملة في جميع المؤسسات وليس الإعلام فقط.
فكما نحصن أبناءنا ضد شلل الأطفال، علينا أيضًا أن نحصنهم ضد شلل الأفكار، نريد أن نحصنهم ضد أي فكر يستهدف اختراق عقولهم واستغلال براءتهم ليصيب أمننا واستقرارنا ووحدتنا في مقتل، نحن اليوم نحتاج أكثر من أي وقت مضى أن يعود دور الأسرة كما ينبغي، والنظر إليها على أنها الخلية الأساسية في بناء المجتمع، والمدرسة الأولى التي يتلقى فيها الصغار معارفهم وتوجيههم وتكوين شخصياتهم وضبط سلوكهم، فتقوم بحضن أبنائها وتسمع لهم وتحتويهم، وتراعي الله في الأمانة التي تحملها، نحتاج اليوم إلى الاهتمام كما ينبغي بأركان العملية التعليميَّة، والمساهمة في التعريف بأدوارها وواجباتها وحقوقها، وطرح مشكلاتها ومعالجتها نحتاج إلى مراجعة وتنقيح وتطوير وغربلة وتنظيف المناهج الدراسية، نحتاج إلى معلمين ومربين ومتدربين واعين يصوغون إعادة تأهيل بناء الإنسان من جديد.
نحن اليوم نحتاج إلى لجم أفواه الفضائيات المحرضة التي تطبخ الكراهية والبغضاء في الخفاء والعلن؛ لجذب أبنائنا دون أي إحساس بحرمة الدماء وعصمتها، نحتاج لصناعة إعلام يتخطى الأدوار والأساليب التقليدية إلى معاني التأثير الحقيقية في كيان البناء المؤسسي، ورفع مستوى قدرات ومهارات العاملين فيه، وتوفير كفاءات قادرة على الاتصال بمهارة عالية، بما يتحقق معه أعلى مردود من التأثر والتأثير، واستثارة ملكة التفكير والتحليل والنقد واتخاذ القرار، لإيجاد شراكة فكرية بيننا وبين أبنائنا نحقق من خلالها جيلًا متفاعلًا إيجابيًّا مع الثورة الإعلاميَّة، نحتاج إلى التفاعل الواعي مع التطورات الحضارية العالمية في ميادين العلوم والثقافة والآداب، برصدها، والمشاركة فيها، واستثمارها وواجب على كل فرد منا أن يحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه، كل في مجاله، فهذه قضيتنا جميعًا وهي قضية انتماء للوطن، علينا أن نتصدى لكل محاولة تحاول النيل من أمنه واستقراره، ونكافح أعداء الحياة، فنحن من نسيج هذا المجتمع، والمواطن شريك مع الأمن في تحقيق هذا الاستقرار فمسؤولية المحافظة على مجتمعنا ليست قاصرة على أجهزة الدولة فقط بل هي مسؤولية كل فرد، فالمصلحة واحدة والهدف واحد والمسؤوليةُ والأمانة مشتركة، إنها مسؤولية الجميع.