كتبت / هبة عبدالفتاح
اشتهرت قرية الحرجة القديمة بعسير، منذ قرون مضت ، بأنها ملتقى للقوافل التجارية، ومحطة استراحة لقوافل الحجاج القادمين من اليمن، باتجاه الديار المقدسة ، ونقطة عبور طريق التجارة القديم.
وتقع قرية الحرجة القديمة وسط محافظة الحرجة “140كم” جنوب أبها على الطريق الدولي ظهران الجنوب خميس مشيط , ووصف الباحث في تاريخ منطقة عسير هاشم النعمي في كتابه “تاريخ عسير الماضي والحاضر ” قرية الحرجة من الخارج بأن لها سور قديم يحيط بها من جميع الجهات وله أربعة أبواب من الجنوب والشمال والشرق والغرب ويوجد بالقرب من مدخله الجنوبي مسجد قديم عمره نحو ألف عام وبجواره بئر منحوتة في الصخر بعمق 30 متراً، يقابله في الاتجاه الجنوبي المسجد الكبير وعمره نحو ست مائة عام.
وتظهر للعيان قصور وبيوت القرية شامخة العلو، حيث يصل ارتفاع معظمها إلى ستة أدوار وكل دور يتألف من خمسة إلى ستة مداميك وكل مدماك قد يصل ارتفاعه وسمكه إلى المتر، مبني من الحجارة والطين المخلوط معها التبن والحشر؛ لتعطي المبنى القوة والصلابة، أما سقفه فمن سيقان وأغصان نبات الطلح والسدر وجريد النخيل مثبت بطمي الطين المكسو بالحشر أيضاً الشرفات الخارجية التي تعطي القصر شكلاً جمالياً أخاذاً، أما الأبواب والنوافذ ، فمصنوعة من سيقان الأشجار تزينها الزخارف والنقوش المنحوتة بطريقة فنية رائعة.
ويلاحظ في التقسيم والتخطيط الهندسي الداخلي لهذه البيوت، أن لكل دور من الأدوار التي يتكون منها البيت نظاماً ووظيفة معينة، فالدور الأرضي يستخدم في العادة كمستودع للمنتجات الزراعية والحيوانية وقديماً كان مأوى للماشية، أما الدوران الثاني والثالث مخصصان للضيافة، إذ يوجد بهما الديوان أو ما يطلق عليه بغرفة المناسبات، وفيه يتم استقبال الضيوف ويكون مقراً لنومهم.
ويخصص الدوران الرابع والخامس للنساء والأطفال خصوصاً العائلة المكونة من عدة أسر، والأدوار العليا ينفرد بها الرجال وينتهي القصر أو المنزل بالنوبة أو المفرج “من الفرجة”، حيث يتمكن الجالسون فيها من رؤية أطراف القرية، ويوجد الموقد “المطبخ” ملاصقاً لها.
ويحيط بالقرية القلاع والحصون خاصة الحربية منها والتي اندثر جلها، ولم يبق منها إلاّ القليل مثل قلعة القاهرة وتتميز بروعتها المعمارية وطرازها الهندسي الفريد.
ويتوسط قرية الحرجة سوقها القديم والمشهور بسوق الاثنين أحد أشهر الأسواق الشعبية في منطقة عسير وكان مقصداً للتجار والمستهلكين خلال العقود الماضية من جميع المناطق المجاورة؛ نظراً لوفرة المعروض من السلع والمصنوعات الجلدية والمفروشات والأدوات الحرفية والخشبية والزراعية، وكانت تباع فيه أيضاً الفواكه الموسمية والعسل والسمن البلدي والماشية والطيور والقهوة الحرجية المشهورة “البن، واشتهر بأنه ملتقى للتعارف وتبادل الأخبار والأفكار والآراء عبر العصور.
وكان سوق الحرجة من أشهر مراكز تجارة القهوة وأطلق الناس مسمى ” القهوة الحرجية” إذ كانت تُصدر إلى نجد عن طريق بيشة .
واشتهرت قرية الحرجة قديماً بحيوية أهلها وترابطهم الاجتماعي مما يدل على ذلك وجود جلسات وساحات تعرف “بالبسطات” في أنحاء القرية ، فيما شهدت بيوت وقصور القرية إعادة تأهيل ، باستخدام مواد البناء التقليدية المستخرجة من الطبيعة المحيطة بالقرية وإعادة استخدام أخشاب وأحجار المباني والقلاع المتهدمة مما جعلها مقصداً ومزاراً للسياح وزوار المحافظة.