عودة للمقال السابق
لقد سمعت استغاثة أم … أم قلبها ينزف دماً على ابنها الوحيد، وهي تراه يضيع أمام عينيها، وعاجزة عن أن تفعل له شيئًا، فهو قد دخل في متاهة اسمها المارد الإعلامي، قالت في البداية أصر ابني على أن أشتري له جهاز كمبيوتر حتى يستفيد منه في دراسته، ويكون داعماً لبناء مستقبله الذي هو عندي أهم من أي شيء، وقد عودته أن أستمع لرأيه لأعرف انطباعاته تجاه بعض الأحداث، وأشجعه على اتخاذ قراراته؛ لذا نشأت بيننا علاقة صداقة أساسها الصراحة، واشترطت على موافقتي أن يكون الجهاز في غرفة المعيشة حتى أستفيد منه أنا أيضًا بعدها لاحظت كثرة جلوسه أمام الشاشة وكنت أظن أنه يتصفح المعلومات التي تفيده، حتى فوجئت بعد أشهر يطلب مني أن ينقل الجهاز إلى حجرته حتى يتمكن من التركيز أكثر، خاصة وأن فترة الاختبارات قد اقتربت لحظتها لم أحاول أن ألغي شخصيته، بل فتحت نافذة الحوار بيني وبينه كعادتي معه واحتويت آراءه بكل مشاعر الحب والحنان التي يمكن أن تنبعث من قلبي، قلب أم يمثل ابنها كل عالمها، وكلي ثقة بأخلاقه وسلوكه، ولكن بعد ارتباطه بهذا الجهاز وجدته يبتعد عني، ولاحظت أنه دائم الترقب والتخوف مما جعل بذرة الشك تنمو بداخلي وتتشعب لتحتل كل لفائف عقلي، وتوجست خطراً عليه، وأحسست أن في الأمر شيئاً غامضاً يحاول أن يخفيه عني، إنه قلب الأم الذي يستشعر الخطر القادم، وتعجبت من إصراره على إخفاء ما يفعله، ولكني تمسكت بآخر أمل من أجل أن أنقذه من هذا الخطر القابع في غرفته فقررت أن أقتحم صومعته التي فرضها على نفسه، وفتحت الجهاز وهالني العثور على ما لم أتوقعه، وجدت قنبلة موقوتة ومستعدة للانفجار في وجه كل من يقترب منها، إنها عبارة عن مواقع مدمرة وأفلام من كل شكل ولون، يعجز لساني عن وصفها، لقد أبكتني المفاجأة بل حطمتني عندما شاهدت ما تتضمنه تلك المواقع، لحظتها فقدت الثقة في نفسي، فقد ربيته على حسن الخلق والصراحة والأمانة، نشأته على معرفة الحلال من الحرام، غرست فيه كل ما يقربه إلى الله سبحانه، وبدوري لا أبالغ إذا قلت بأنها استغاثة تنادي بها العديد من الأسر في جميع أنحاء وطننا العربي، إنها استغاثة من الخطر الرهيب الذي اقترب منا وحاصر شبابنا، وبدأ يهددهم بتدمير مبادئهم ومعتقداتهم، هذا الوحش المسمى بالشبكة العنكبوتيه التي أصبحت نافذة يطل منها بعض شبابنا على كل ما هو ممنوع وحرام، وعلى مواقع تدعو إلى الازدراء بالأديان، ويزداد الخطر عليهم يوماً بعد يوم في ظل غياب القدوة والرقابة الأسرية، ولا يجدون وسيلة لشغل أوقات فراغهم سوى البحث عن كل ما هو جديد، خاصة وقد أصبح كل شيء متاحاً، وبأسهل الطرق يستقبلون الكثير من المعلومات والأفكار المسمومة هذا غير العالم الافتراضي الذي يعيشوا فيه ومعه، حتى أصبح هو عالمهم الواقعي. وللحديث بقية.
أميمة عبد العزيز زاهد