أخبار عاجلة

المجموعة القصصية (رقائق من المعارف) بقلمي الأستاذة مي رضوان السلوم كاتبة سورية ود.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث وروائي مصري

القصة الأولى

وبين تصادف الأسماء  أراذل وأعاظم

كان الحجاج طفلا وسيما يحبه أقرانه ويتمتع بصداقات واسعة بين زملائه لسجاياه الطيبة ولمعلوماته الغزيرة وفي أحد المرات كان المعلم فتحي وهو أستاذ العلوم  بإحدى المدارس بريف دمشق يقص على تلاميذه إحدى القصص للعظة والاعتبار ..كان فتحي حفيدا لأحد ضباط الجيش المصري ممن خدموا بسوريا إبان فترة الوحدة مع مصر وقرر الاستقرار بها بعد الانفصال ..

كان المعلم فتحي مفتونا بالقصص التراثي العربي دائم الذكر له ليكون نبراسا للأجيال القادمة للاستفادة من دروس التاريخ وخبرات الحياة وكان دائم المزج  بينه وبين ما يشرحه من علوم ..

في هذه الحصة ابتدر الاستاذ فتحي تلاميذه بهذا السؤال : هل قرأتم يوما عن بكتريا آكلة لحوم البشر  Flesh- Eating Bacteria وهي عدة أنواع يا أحبائي ؟

رفع حجاج يده .فقال له المعلم : هل تدري عنها شيئا يا حجاج؟

قال حجاج نعم يا استاذ..دائما جدتي (راوية) تقص علي الطرائف العلمية وقد حدثتني أنها عدوى بكتيرية نادرة تسببها بكتريا آكلة لحوم البشر  أو بكتيريا الضمة  وتعيش هذه البكتيريا في المياه الدافئة عالية الملوحة مثل مياه الفيضانات الراكدة ومياه الصرف الصحي  وتصاحب الإعصارات  وهي تنتقل لأجساد ذوي الأمراض المزمنة وأصحاب المناعات الضعيفة عبر الجروح القطعية المفتوحة وعن طريق المأكولات البحرية البيئة أو ملامستها بأيدي مجروحة حيث لا يستطيع جهاز المناعة التصدي لها لقدرتها على التغيير من مكوناتها  وهي  عدوى جلدية ناخرة  في الطبقات العميقة مما يسبب تلف الأنسجة ويحدث تعفن الدم.

قال المعلم : بوركت يا حجاج وبوركت جدتك وماذا حدثتك عنها أيضا؟!

قال حجاج : قالت أن هذه البكتريا تؤدي لتآكل لحم الإنسان وعادة ما تعالج بالمضادات الحيوية الوريدية لكن في أغلب الحالات يكون العلاج ببتر الجزء المصاب كما حدث في عام  1994 للوسيان بوشار، رئيس الوزراء السابق لكيبيك، كندا، الذي أصيب به وبترت ساقه بسبب المرض ..

فرح المعلم جدا بتميز حجاج وسعة معارفه وغزارة معلوماته فصفق له وصفق له الطلاب .

استطرد المعلم قائلا : ولكن لنا بالتاريخ الإسلامي مثالا على هذا المرض وقد أصاب أحد الظالمين!!

ثم وجه المعلم سؤالا آخر لطلابه : هل سمع أحد بشخصية الحجاج بن يوسف الثقفي؟! .

قال الطلاب في نفس واحد ضاحكين : لا نعرف غير صديقنا الطيب حجاج .

قال المعلم : بورك حجاج الفتي الماهر. لكن ما أقصده حجاجا آخر ألا وهو الحجاج بن يوسف الثقفي حاكم المدينة ثم العراق وكان ظلوما طاغية يمارس اضطهادا شديدا وقاسيا ضد الصحابة والتابعين ..

رفع ماجد يده قائلا : لقد تذكرت يا أستاذ أليس هو صاحب واقعة الاضطهاد الشهيرة للصحابي الجليل أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لقد سمعت طرفا من هذه القصة بالتلفاز.

قال المعلم فتحي :رائع يا ماجد ..حدثنا عما سمعت ..

قال ماجد : سمعت أن الحجاج أغلظ له يوما في القول لانضمامه لصفوف المعارضين ضد حكم بني أمية :علي بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير ثم عبد الرحمن بن الأشعث مهددا إياه قائلا : “والله لاستأصلنك كما تستأصل الشأفة ولأدمغنك كما تدمغ الصمغة وقد قيل أنه كان يختم أعناق الصحابة المعارضين ولأعصبنك عصبة السنمة وهي نوع من الشجر” ..فقال الصحابي الجليل أنس بن مالك متعجبا : “إياي يقصد الأمير أصلحه الله “..فرد عليه الحجاج في قسوة : “إياك سك الله سمعك” ..هنا أرسل أنس بشكواه إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان من تصرف الحجاج فغضب الخليفة وأرسل للحجاج أن يطيب خاطر الصحابي الجليل فلو أن اليهود والنصارى رأت رجلا خدم عزير  وعيسى بن مريم لعظمته وشرفته وأكرمته فكيف وأنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم لثمان سنوات يشاوره ويطلعه على أمره ..فأسرع الحجاج إلى أنس بن مالك معتذرا ومخاطبا له بكنية كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطبه بها  وهي “يا أبا حمزة” ..

صفق المعلم لماجد وكذلك الطلاب

ثم قال : هل من أحد يعرف نهاية الحجاج ؟!.

صمت الطلاب جميعا وكأن على رؤوسهم الطير .

فقال المعلم :بحسب بعض الروايات فقد مات الحجاج بالأكلة وكان يقصد بها قديما الديدان ولم يكن الناس في قديم الزمان قد عرفوا البكتريا  وربما كان المقصود بها داء اليوم الذي تحدثنا عنه خاصة وأنه قد أصابته الزمهرير أي البرد الشديد  أو القشعريرة فلم يعد يشعر بأي لون من ألوان الحرارة بجسده  وهكذا كانت عاقبة ظلمه وجبروته..

وربما كانت هذه البكتريا هي التي أصابت أيضا أبرهة الأشرم الذي جاء ليهدم الكعبة في حادثة الفيل الشهيرة وبالتأكيد أخذتموها في درس التربية الإسلامية حيث ذكر الرواة أنه خرج من مكة ولحمه يتساقط حتى وصل صنعاء فمات وقد انصدع صدره عن قلبه ..

شكر الطلاب المعلم على هذه المعلومات القيمة وقبل مغادرتهم علق المعلم أسماء: حجاج وماجد كطلاب مثاليين لهذا الشهر   ليجعل ذلك عنوانا للاغتباط بين طلابه فيتنافسون في تحصيل العلم والمعرفة أسوة بهما..

وعلى الرغم من التكريم الذي حصل عليه حجاج إلا أنه كان حزينا فذهب إلى جدته (رواية) قائلا : لم اسميتوني حجاج؟!

ضحكت الجدة : اسم جميل فيه الشىء الكثير من التدين فهو يعني كثرة الترحال للحج وكذلك يعني المقارعة بالحجة والبرهان كدليل على الحكمة

قال حجاج حزينا : ولكني عرفت من المعلم اليوم أنه اسم لواحد من طواغيت التاريخ الإسلامي وراح يقص عليها ما حكاه المعلم متأثرا .

فقالت الجدة : هون عليك يا حجاج لقد كان هذا الإسم أيضا لعدد من كبار رواة الحديث من الصحابة  كحجاج أبو قابوس  وحجاج بن عامر الثمالي وحجاج بن عمرو الأنصاري وحجاج بن منبه السهمي وكذلك حمله الصحابي حجاج بن الحارث وهو من السابقين إلى الإسلام وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة بعد غزوة أحد واستشهد في اليرموك وقيل بأجنادين…

تهلل الحجاج ضاحكا فمسحت الجدة على شعره الناعم قائلة : أتعلم يا بني أن جدي كان من مصر وكان يصحبني أنا وأخوتي وكنا بنفس عمرك لزيارة مسجد أبي الحجاج الأقصري وهو قريب من معبد الأقصر وهو رجل دين وتصوف كان جدي رحمه الله يحبه .

قال حجاج : حدثيني عنه يا جدتي .

قالت الجدة : هو يوسف بن عبد الرحيم بن يوسف بن عيسى الزاهد وينتهي نسبه عند الإمام الحسين بن على وقد كان مولده ببغداد وقد جاء إلى مصر وقد شارف على الأربعين في أواخر عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي ثم أوكل له الإشراف على الديوان في عهد أبي الفتح عماد الدين عثمان ابن الناصر صلاح الدين الأيوبي، لكنه زهد في المنصب والجاه والدنيا وقرر التفرغ للعبادة والورع وملازمة السلف الصالح فسافر إلى الإسكندرية فالتقى أعلام الصوفية فيها، خاصة أتباع الطريقتين الشاذلية والرفاعية، وتتلمذ على يد الشيخ عبد الرازق الجازولي، وأصبح أقرب تلاميذه ومريديه ثم رحل  إلى الأقصر، وهناك التقى الشيخ عبد الرحيم القنائي (باسمه تسمى المسجد الشهير بمدينة قنا)، كما صارت الأقصر مستقره  حتى وفاته وهو على مشارف التسعين في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب ..إنها رحلة مع الله ولله لهذا الرجل الصالح  كان جدي يحكيها لنا كثيرا يا حجاج ولهذا أسميناك حجاج يا حجاج  ..

فرح حجاج وصار أكثر حبا لاسمه بعد ما سمعه من جدته الطيبة ..

الأستاذة مي رضوان السلوم كاتبة سورية

د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث وروائي مصري

الغردقه - شارع الشيراتون القديم بجوار فندق روما علي البحر - تليفون  0653447115  موبايل  - 01020238453

عن 1

شاهد أيضاً

حياتي كشريط فيلم

بقلم: آية شريف تم النشر بواسطة:عمرو مصباح يتضمن مشاهد متنوعة، من فصول الطفولة البريئة إلى …