في بعض الأحيان تأخذ القسوة طريقها إلى الحياة الزوجية، وترسم على الوجوه علامات الانفصال العاطفي والجسدي، وترى هذه الوجوه العالم بمنظار قاتم أسود؛ نتيجة تقويض الأسرة وتوديع لمشوار حياة وقد تكون توديع لقصة حب، لحظتها يصدم الأبناء ويصمتون إزاء ما يصدر عن آبائهم، وليس أمامهم سوى ترسيب المعاناه في أعماقهم، ويعيشون داخل المغارة الكئيبة لتصطحبهم في رحلة الحياة.
وبدلاً من ردات الفعل المتباينة بين لوي الذراع في حضانة الأبناء، أو كيفية دفع النفقة، أو تفريغ الأسرار الزوجية، وكسب أكبر قدر ممكن من المؤيدين، لا بد من الرجوع إلى الشرع والدين وتحكيم العقل والضمير، ومحاولة تقليل الخسائر عن الأشخاص الأكثر ضرراً في هذه القضية وهم الأبناء، ونحن نعلم بأنه كما للاتصال وللإنصات وللمعاملة آداب، فالمناقشة أيضاً لها آداب لابد من مراعاتها، فهناك اختلاف كبير في أسلوب المناقشة باختلاف أعمار الأبناء، سواء كانوا صغاراً أم مراهقين وفي كيفية الرد على استفساراتهم عن سبب الانفصال، دون التطرق للمواضيع الحساسة والتفاصيل الدقيقة، وتوضيح سبب فشل حياتهما بأسلوب مبسط، وأنهما مشتركان فيه ومتفاهمان عليه، وأن لا يستثير أحد الطرفين الآخر وهو في قمة ثورته، وعليه أن يلتزم الصمت أو يؤجل المناقشة لوقت لاحق تكون أعصابه فيها أكثر هدوءاً، ولا ينسى كل طرف العشرة والسكن والفضل والذكريات الطيبة التي كانوا يعيشونها قبل الطلاق، فلا داعي من تذكر مساوئ الماضي أو التذكير بالأخطاء السابقة، ولا بالاستمرار بتحميل اللوم أو الشكوى ومن المخطئ ومن المحق؛ لأن الهدف من المناقشة هو وضع حلول ودية لصالح الأبناء، فهذا كفيل نوعاً ما على الشعور بالاستقرار النفسي لهم، وأن ينصب اهتمامهما في كيفية إسعاد أبنائهما، وعدم التخلي عنهم، وأن يتم الاتفاق معهم وبرضاهم على موقع السكن الدائم، ووقت الزيارة ومواعيدها، وتنظيم أيام الإجازات الأسبوعية والعطل السنوية، والأهم من كل ذلك حفظ العهد والالتزام بما قرراه أمام أبنائهم، إن، كثيراً من الأسر المتفاهمة استطاعت أن تتكيف مع الوضع الجديد بحسن تصرفها وتفهمها .
ولكن لو امتلأت النفوس بالضغينة واقتناص الفرص لصب الاتهامات والتقصير، فستتحول المناقشة إلى معركة لتبادل الإهانات، وستكون النتيجة في غير صالح أبنائهم؛ لأنها ستدمر نفسيتهم وتعمق آلامهم أكثر مما هم فيه بسببهم .
وقد يجهل بعض الآباء بأن العناد والقسوة والجبروت واتخاذ القرارات الخاطئة ستظهر نتائجها أول ما تظهر على أبنائهم، فيصابون بالقلق والقهر والتوتر لدرجة قد تصل بهم إلى حد الاختناق أو الانحراف أو الهروب .
لذا لا بد من الحرص على نفسيتهم ومشاعرهم وطفولتهم ومستقبلهم
أميمة عبد العزيز زاهد