لو وقفنا مع أنفسنا وقفة صدق وصراحة سنجد الكثير، وسنكتشف أيضًا الكثير من الأحداث التي مرت علينا، منها ما أضحكنا وأبكانا، ومنها ما أسعدنا وأشقانا، وكم هي المواقف التي واجهتنا، منها الطريف، والمخجل، أو المحزن، والمفرح، وهناك من الذكريات التي تأبى أن تفارقنا فتكون رفيقتنا في حلنا وترحالنا، لأنها تقبع داخل أعماقنا.
ومن خلال رحلتنا الطويلة، نجد أن هناك العديد من طموحاتنا لم نتمكن من تحقيقها، وكم حزنّا وتألمنا، وكم من المرات كافحنا للوصول للهدف، وعند الوصول لنهايته تعثرنا، وفشلنا، وكم حلمًا وصلنا إلى تحقيقه، لكن ضاع منا، لأننا لم نحافظ عليه، وبعد سنوات عوضنا الله سبحانه وتعالى بأمور بعيدة تمام البعد عما خططنا له، وكم من الأهداف ظهرت لنا فجأة، وتحققت بسرعة لم نكن نتخيلها، ورغم ذلك أسعدتنا.
وعندما نسترجع سنوات عمرنا نتذكر كم من الأشخاص أحببناهم بعمق والآن لا وجود لهم في حياتنا، وآخرون آذونا، وتسببوا في جراحنا لا ندري أين هم الآن، وكم من أقرباء كانوا السبب في معاناتنا بقصد، أو دون قصد، وباعدت بيننا وبينهم الأيام، وكم من حقوق ضاعت أمام أعيننا لأننا لم نسع وراءها، ورأيناها وهي تتسرب من بين أيدينا، ولم نتمكن من امتلاكها.
وكم من أناس لا نعرفهم حاولنا مساعدتهم ونجحنا، وفي نفس الوقت لم نتمكن من تقديم خدمة لمن نعرفهم، وكم من الأشخاص الذين كانوا أقرب إلينا من أنفسنا لم يقدموا لنا ما نحتاجه، وجاءت المساندة من أُناس لم نتوقعهم فيظل الإحساس بالعرفان يعيش في وجداننا لمن ساعدنا وساندنا، ويظل الشعور بالقهر يسكننا لمن خذلنا حتى النهاية، وكم من المرات حاولنا أن نصنع لأنفسنا عمرًا جديدًا، وحلمًا جديدًا، وقلبًا جديدًا وفشلنا، ودفعنا عمرنا، وأحاسيسنا الصادقة لقلب تخلى عنا بلا سبب، وكم من المرات أعطينا، ومنحنا، وضحينا لمن لا يستحق، ونسينا، وتجاهلنا من يستحق، وكم من الوجوه العابرة التي قابلناها في مشوار حياتنا، وتركت في نفوسنا أثرًا لا يمكن نسيانه، وكم من المرات رسمنا البسمة على وجوه الآخرين، وأعماقنا تنزف بالتعاسة لأننا لم نتمكن من أن نسعد أنفسنا فأسعدنا غيرنا، وكم أشعلنا الطريق لننير ظلمة من حولنا، ولم نجد معنا من يضيء لنا ولو بصيصًا من شمعة، وكم زرعنا حدائق في طريق أحبابنا، ولم نجد من يغرس في أيامنا وردة، وكم من المرات كنا نتمنى أن نكون الآخر، ولم نكن، وحلمنا أن نمتلك ما يملك، ولم نمتلكه، وفي حقيبة ذكرياتنا نتذكر كم هم عدد الراحلين من حياتنا، لكن ظل مكانهم عالقًا في نفوسنا، وبالمقابل هناك من ودعناهم وهم على سطح الأرض، لأننا لم نعد نراهم، وهناك من اختفى في بداية حياتنا، وعاد فجأة بلا مقدمات.
وكم من القرارات المصيرية التي تجاهلناها، وعدنا وندمنا على تسرعنا، وعدم وعينا بأهميتها وقيمتها، حتى الأماكن نتذكرها، فهنا أحببنا، وهناك افترقنا، وفي هذا الركن عشنا أجمل لحظات حياتنا، وفي تلك الزاوية كانت أتعسها، هناك من خدعنا، وفي تلك المدينة من أخلص لنا، وهناك عشنا لحظات تكفينا حتى نهاية العمر.
ولو راجعنا كشف حساباتنا وكم خططنا، وكم حلمنا، وكم تمنينا، وكم……وكم، كانت لنا طموحات، وأهداف، وأحلام، ونجد في النهاية أن الله سبحانه وتعالى اختار لنا ما نحن فيه الآن، وعلينا أن نؤمن، ونثق بأن اختيار الله لنا هو الأفضل.
همس الأزاهير
لا تقولي لهفي عليه! ولا ترثي لحالي فقد ألفت شقائي.. هكذا قد خلقت أسكب للناس رحيقًا من دمائي… وأغني في عرسهم … وأواسيهم، وأرثي للتائهين الظماء، من ظلامي العميق أهديهم النور، ولحني أصوغه من بكائي.
غازي القصيبي
بقلم / أميمة عبد العزيز زاهد