كتبت:ريهام طارق
تقاليد الضيافة العربية: فن تقديم الحلويات في شهر رمضانشهر رمضان، الشهر المبارك الذي يحمل في طياته الخير والكرم والرحمة، فيه يستعد البيت العربي لاستقباله لإقامة الولائم والموائد المزدانة بأصناف مختلفة من الطعام والحلوى.
تعتبر الحلويات من أساسيات تلك التحضيرات، إذ يعرف العرب منذ القدم حبهم لتناولها، فقد كانت جزءاً لا يتجزأ من تقاليدهم. وكانت العادة السائدة بينهم أن تكون الحلويات جزءاً لا يتجزأ من وجبة الإفطار، إذ يعتقدون أن ذلك يساعدهم على استعادة الطاقة بعد يوم صيام طويل. وقد أشار الشاعر وهب بن منبه إلى هذا الاعتقاد قائلاً: “إذا صام الرجل زاغ بصره، فإذا أفطر على الحلوى رجع إليه بصره”.إضافةً إلى ذلك، كانت الحلويات تُعتبر رمزًا للترحيب والضيافة في الثقافة العربية، حيث يُعتبر تقديمها للضيوف عربونًا من الاحترام والتقدير. فهي تمثل جزءًا لا يتجزأ من تجربة الضيافة العربية الأصيلة، حيث يُقدَّم الطعام والحلوى بكرم وسخاء على مائدة الضيافة لتعكس قيم السخاء والترحيب التي تشتهر بها الثقافة العربية.رحلة الكنافة: من أصول دمشق إلى مائدة الشهر الفضيلمن بين الحلويات الرمضانية البارزة والتي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من تقاليد الشهر الفضيل، نجد الكنافة والقطايف تبرزان كرمزين أساسيين للمائدة الرمضانية. ولكن هل فكرت يومًا في أصل هذه الحلوى الشهيرة؟ يُعتقد أن جذور الكنافة تعود إلى مدينة دمشق، عاصمة الخلافة الأموية. وفي إحدى المرات، استشاط معاوية بن أبي سفيان الجوع، فنصحه طبيبه السرياني بتناول طعام يحتوي على نشويات معقدة وسكريات عالية القيمة ودهون لتقليل الشعور بالجوع. فابتكر طباخ القصر عجينة بسيطة، وبفضل الصدفة، سقطت مغرفة في إناء العجين فتكوّنت خيوط رقيقة على الموقد. أعجب الطاهي بهذا الشكل الجديد، وبعد تسويتها وتحميرها في السمن وتغميسها بشراب العسل، قدّمها للخليفة الذي أعجب بها كثيرًا، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الكنافة معروفة باسم “كنافة معاوية” في بلاد الشام، وتطوّرت لتصبح الحلوى التي نعرفها اليوم بشكلها واسمها الحالي.تاريخ و أصل الكنافة في مصر: رمز الكرم والجود وتطورها عبر العصور”أصل الكنافة في مصر يعكس رمزية الكرم والجود في الثقافة المصرية، حيث كانت تُقدم في المناسبات السعيدة كالأعياد وحفلات الزفاف، وتعتبر من أساسيات شهر رمضان. عُرفت الكنافة في مصر منذ العصر الفاطمي، وقدمت كرمز للتكريم والضيافة للخليفة المعز لدين الله الفاطمي. اشتهرت الكنافة بالقشطة في تلك الفترة وأصبحت واحدة من أشهر الحلويات في مصر، وتدريجياً احتلت مكانتها بين أنواع الحلوى التي ابتدعها الفاطميون في مصر، وظلت جزءًا من عادات الطعام في شهر رمضان عبر العصور المختلفة حتى الوقت الحاضر.رحلة الكنافة من تقاليدها التاريخية إلى تنوعها الحديث:في البداية، كانت الكنافة تُصنع خصيصًا لسليمان بن عبد الملك خلال شهر رمضان، لكن سرعان ما انتشرت شعبية هذه الحلوى في مصر وبلاد الشام وبقية البلاد العربية والإسلامية. مع مرور الزمن، شهدت تقنيات صنع الكنافة تطورًا في العصر المملوكي، وظهرت أنواع جديدة مثل الكنافة النابلسية. ومع التطور التكنولوجي في العصر الحديث، ظهرت أدوات جديدة لصنع الكنافة وأصبحت أطباقها أكثر تنوعًا، بما في ذلك الكنافة بالجبن والشوكولاتة والفواكه وأنواع أخرى. ومن أشهر المعجبين بالكنافة كان “ابن الرومي” الذي عُرف بعشقه لها وتغنى بها في شعره، وأصبحت جزءًا من العادات الرمضانية في العصور الأيوبية والمملوكية والعثمانية، وحافظت على مكانتها الشعبية والثقافية في التاريخ والتراث. تعتبر الكنافة حكاية حلوى عبر العصور، تميزت بتنوعها وتطورها، وتظل تزين موائدنا حتى اليوم كرمز للجودة والبهجة.وتعتبر الكنافة أيضًا رمزًا للضيافة والترحيب، حيث يُقدمها الناس في المناسبات الخاصة والاحتفالات رمزاً للترحيب بالضيوف. إن تاريخها العريق وتنوعها اللذيذ يجعلها لا غنى عنها في تجارب المطبخ وفي الحياة اليومية للعديد من الناس حول العالم العربي.تاريخ القطايف: من أصولها الأموية إلى تنوعها في العصور الإسلامية”أصل قصة القطايف يعود إلى نهاية العصر الأموي، حيث كانت تُصنع خصيصًا للأمير الأموي ، و كان الطهاة وصانعو الحلوى يتنافسون، لـ ابتكار أصناف جديدة تُرضي الأمير وتُخفف من الجوع في رمضان، وابتكروا القطايف. وفي العصر الفاطمي، كانت تُقدم مزينة في طبق كبير على شكل هلال، رمزًا، لـ شهر رمضان، وكان الضيوف يقطفونها لتناولها بعد الإفطار أو في السحور، ومن هنا جاءت تسميتها. وفي العصر المملوكي، كانت هناك منافسة بين صانعي الكنافة والقطايف، وكانت تُقدم على شكل فطيرة محشية بالمكسرات، وكان الناس يتسابقون لتناولها والاستمتاع بطعمها اللذيذ.علاوةً على ذلك، تُعتبر القطايف جزءًا من التراث الغذائي العربي الذي يُحتفظ به ويتم تقديره في العديد من الثقافات العربية حتى يومنا هذا. وتظهر في مختلف المناسبات الاجتماعية والدينية، مثل شهر رمضان والأعياد، حيث تُعتبر وجبة لذيذة وشهية تجمع الأهل والأصدقاء حول الطاولة.رحلة حلوى البقلاوة من أروقة القصور العثمانية إلى موائد العالم:أصل حلوى البقلاوة يعود إلى تركيا، حيث عرفت لأول مرة في عهد السلطان محمد الرابع وزوجته ماه يارا، المعروفة بـ رابعة كلنوش سلطان. كان السلطان يفضل تناول طعام زوجته فحدثت تطوراً في المطبخ العثماني حيث قامت بابتكار أكلة جديدة باستخدام الجلاش وتحشيتها بمكونات متنوعة وإضافة السمن قبل طهيها في الفرن، ثم رشّت عليها العسل. عند تقديمها للسلطان، أعجب بالطعم الشهي وأطلق عليها اسم “بقلاوة”، مشتقاً من البقوليات الموجودة في مكوناتها.وتمتد شهرة حلوى البقلاوة الآن إلى أنحاء مختلفة من العالم، حيث أصبحت جزءًا من تراث الحلويات الشرقية المحبوبة، حيث تعتبر البقلاوة اليوم ليست فقط وجبة لذيذة بل رمزًا للضيافة والاحتفالات في العديد من الثقافات.تراث الياميش: مزيج لذيذ من التاريخ والغذاء في الثقافة العربيةأصل الياميش عند العرب يرتبط بالعهد الفاطمي والعامية المصرية، حيث يعود تاريخ اسمه إلى منتصف العهد الفاطمي.
يشير المصطلح إلى مجموعة متنوعة من التسالي، تشمل الجوز “عين الجمل”، والبندق، واللوز، والفستق، والزبيب، والمشمش المجفف، وقمر الدين، والتين المجفف، والقراصيا. تتميز هذه المكونات بأنها غنية بالبروتينات، والدهون، والزيوت، والسكريات، والفيتامينات، والمعادن، والألياف، مما يجعلها مصدراً غذائياً متكاملاً.الياميش يعتبر تراثاً غذائياً عربياً قديماً، حيث كان يستخدم في العصور القديمة كوجبة خفيفة تمنح الطاقة والغذاء اللازمين خلال النهار، و مصدراً هاماً لـ العناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها الجسم للحفاظ على الصحة والنشاط.يمكن القول إن الياميش ما زال جزءًا من الثقافة الغذائية في بعض المناطق العربية حتى اليوم، حيث يُقدم في المناسبات الخاصة والأعياد كوجبة تقليدية تجمع بين النكهات اللذيذة والقيم الغذائية المفيدة.