هبه الخولي / القاهرة
كل نبضةٍ تطرق في قلب تُعْلِنُ أننا ما زلنا على قيد الحياة، نُمتحن ونُفتن ونُمحص ونُبتلى، وقد تدفعنا أقدارنا إلى حيث لا نريد، وتجبرنا عواصف الأيام على مواجهة مشاعر عاتية لم نتخيل البتّة أننا سنكونُ فريستها اللذيذة يومًا ما، فقد نفارق ، أو نفقد أو نخسرُ صديقًا، أو نستيقظ على كارثةٍ أو هزيمةٍ نفسيةٍ. حينها سوف يُهشِّمنا الألم ويسحقُ أضلُعنا بلا رحمةٍ إنْ لم نَصُدَّ ضرباته وجهًا لوجه، بل سيستغل رهيفَ المشاعر ورِقّتها، وتأجُّج العواطف وثورتها ليفتح في صدورنا دروبًا جديدة لم تخطر لنا على بال.
حول الصحة النفسية وأهميتها افتتحت الدكتورة منال علام رئيس الإدارة المركزية لإعداد القادة الثقافيين فعاليات الورشة التدريبية التثقيفية ” الصحة النفسية ” بمصر الجديدة للعاملين بالهيئة العامة لقصورالثقافة ، حيث استهلت الورشة بالترحيب بالسادة المشاركين مشيرةً أن الهدف منها تقديم الدعم والإرشاد النفسي ، والمعنوي لبناء الموظفين قادرين على التركيز والإبداع لتعزيز التواصل والتعاون بين الموظفين .
وهو ما أنطلقت منه الاستشاري النفسي الأستاذه دعاء خليفة في حديثها عن الصحة النفسية موضحة أن الحياة مليئة بالتقلبات والمنعطفات، وهو ما يجعلها ممتعة ، لكن تصرفاتك اليومية ستؤثر على ما إذا كانت الأمور ستسير للأفضل أم إلى الأسوأ فالصحة النفسية جزءاً من حياتنا اليومية التي يواجهها الجميع، تعتمد على اختزال عدداً من الميكانزيمات المعرفية التي تحمي من الشعور بمعاناة المشاعر السلبية المتطرفة، من خلال التجاهل -التحويل- وبناء المعلومات، لجعل الحالة الراهنة أكثر احتمالاً، فتعمل خارج إدراكنا ووعينا، فهناك علاقة قوية بين العوامل المسببة ونظام الصحة النفسية كعامل شخصي وقائي، لذا تكون الغاية من التدخلات في المشكلات النفسية هي خفض العوامل المسببة من خلال تدعيم نظام الصحة النفسية على امتداد الحياة، والتي تعمل على عرقلة العمليات المساهمة في خلل الأداء النفسي، وهنا نجد أن نظام المناعة النفسية للفرد هو الأشد تأثيراً على تطور المشكلة النفسية إلى الاضطراب النفسي، والصحة النفسية بشكل عام، حيث إذا تم تدعيم هذا النظام المناعي بأسلوب فاعل وناجح، فإنها تقوي الأثر العلاجي .
إن فاعلية كفاءة نظام الصحة النفسية لدى الأفراد الذين تعرضوا للصدمة النفسية تحد من إمكانية تطور أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة، من خلال فاعلية قدرات المواجهة التكيفية المعتمدة على الإرادة واليقظة الذهنية، وتعزيز قدرات الاستيعاب المعتمدة على قدرات الاحتواء والتحويل، بالتالي تنتج لدى الفرد القدرة على تنظيم وضبط الانفعالات السلبية المرتبطة بالحدث الصادم وتحويل الطاقة السلبية نحو الجسد، بالإضافة إلى النظر للذات نظرة ايجابية متحكمة بالذات والسياق . فلا شك أن تعزيز الصحة النفسية والعناية بها لا يقل أهمية عن العناية بالصحة الجسدية، بل يُعتبر مكملّاً لها، فنحن نمرّ بالعديد من الضغوطات الحياتية التي تولّد الإرهاق والتوتر، والتي تلعب دوراً كبيراً في صحتنا النفسية. وتؤثر على الأنشطة اليومية والتواصل الاجتماعي مع العائلة والأصدقاء والمجتمع.
وارتباطها بالعمل ارتباطاً وثيقاً، فلا يمكن إنكار أن الحالة النفسية تؤثر في الموظف وإنتاجيته، ولكن إن كانت هذه الحالة سلبية، يسبب تفاقمها وإهمال البحث عن حلول إلى اضطرابات نفسية، وتدهور العمل الذي يؤدي إلى ترك الوظيفة. فإذا كنت تعاني اكتئاباً أو فقداناً للشغف الوظيفي، فيجب اتباع بعض الممارسات التي تساعد على تعزيز الصحة النفسية وتؤثر في بيئة العمل ، ولكن جميعها تؤدي للوصول إلى النقطة نفسها وهي ترك المهام الموكلة إليهم، ومن أبرز الاسباب انعدام الأمان في مكان العمل فقد يشعر الكثيرون ممن يعملون بفقدان الأمان الوظيفي، والتنبؤ بأشياءٍ سلبية في أثناء العمل لأسبابٍ عدّة. وقد يكون ذلك بسبب المعرفة السطحية بفريق العمل، أو استتار بعض المعلومات الجوهرية حول الشركة، أو حتى بسبب الالتزامات المترتبة على عاتق الموظف .
وكذلك قد يساهم نقص التدريب والتوجيه في الدخول لمتاهة البحث عن الحلقة المفقودة والتخمين، الذي يؤدي إلى إثارة شكوكه أن ما فعله خاطئ ولربما سيُوبخ عليه، وهذا ما يؤثر في صحتة النفسية سلبًا . كما أن ضغط العمل المتواصل يولّد الانفجار، وقد يتحمل البعض الضغوطات والعمل لساعاتٍ طويلة خلال فترة محددة تختلف من شخصٍ لآخر، ولكن مع استمراريتة ، يولد الشعور بالتوتر والقلق، إلى جانب التعب الجسدي والذهني .
مؤكدةً أنه لتخطي هذا الأمر، يجب مراعاة قوى الموظف وتخفيف العبء عنه من خلال تبادل العمل مع موظفٍ آخر، أو أخذ قسطٍ من الراحة وربما إجازةٌ قصيرة، كما تساعد المكافآت المادية والإثراء والتشجيع المعنوي على التخفيف من ضغط العمل، وتعزيز الصحة النفسية ، مشيرة في حديثها أن الصحة النفسية السيئة تستنزف الموظفين من خلال شعورهم المتواصل بالقلق والإرهاق والضعف، فتجد الموظف غير قادر على القيام بالواجبات المطلوبة منه. لذلك فإن تعزيز الصحة النفسية والاهتمام بها، يجعل منه شخصاً مملوءاً بالطاقة والحيوية التي تجعله قادراً على القيام بالمهام، ويحسّن من أدائه وقدرته، ما يزيد من فاعليته وإنتاجيته .
ومواجهة التحديات القائمة، وتحمّل التغييرات الحاصلة على صعيدي العمل والمنزل من خلال تواصلك مع زملائك بفاعلية فهو حجر الأساس إذ إن التواصل الفعال والمستمر مع زملائك من الموظفين وكذلك المديرين، يضمن لك شعوراً نفسياً جيداً. إذ يعطيك انطباعاً بأنك موجود ولك رأي ولست مجرد رقم في سجل الموظفين، ما يرفع من ثقتك بنفسك ويحسّن أداءك من خلال التخطيط ليومك وجدولتها لتوفير صورة واضحة عن المهام الأساسية الواجب القيام بها في الوقت المحدد .