بقلم :نهى الرميسي
تم النشر بواسطة: عمرو مصباح
رواية أرض المجمدين تندرج تحت نوع أدبي يعرف بـ «الدستوبيا» او المدينة الفاسدة وهى عكس ما يعرف باليوتوبيا أو المدينة الفاضلة تلك الفكرة الأفلاطونية القديمة.إذن كيف حقق الكاتب عماد الدومانى بحرفية شديدة كل مقومات هذا اللون الأدبى؟ .للإجابة عن هذا السؤال دعونا نقول: إن قصص «الديستوبيا Dystopia» ، تقدم تصورًا مظلمًا جدًا من خلال خيال علمى يفقد البشر فيه الكثير من، حريتهم، مشاعرهم،عواطفهم، إنسانيتهم، مواردهم، وإن كان يسود فيه الرخاء الظاهري.وفى الدستوبيا أيضا تحكمهم في الغالب حكومة شمولية أو طبقة مسيطرة تحرص على أن يكون هناك خواء تام ومحو لإنسانية الفرد وتجريده من مقومات تفوقه. وفى هذا السياق تأتى أهمية رواية(أرض المجمدين ) حيث إنها تطلق جرس إنذار حتى يفيق العالم ويتخذ البشر مواقف فعالة تجاه هذا الانحدار الإنسانى المتوقع إذا ما اندفعنا فى نفس المسار.ولأن الواقع أثبت من خلال الرواية الديستوبية أن كُتَّابَ الخيال العلمي هم متنبئو العصر الحديث، فكان لابد من أخذ هذا التحذير وهذه الصرخة التى أطلقها الكاتب عماد الدومانى من خلال أحداث رواية أرض المجمدين مأخذ الجد.فقد تناول الكاتب فى حيلة من حيل الخيال العلمي مجتمعا مخلقا شموليا يخضع لسيطرة فئة معينة من البشر لم يحدد الكاتب هويتهم أو طبيعتهم بينما شرح بإسهاب أساليبهم فى الهيمنة والسيطرة والتى تتفق مع كل النظم الشمولية على مدار التاريخ،وهى فى الواقع أنظمة ملهمة للكتابة الإبداعية بما تنطوى عليه من مفارقات ومقدرة على سلب إرادة الجموع وتحريك المجتمع لتحقيق مصالح فئة منه أو ربما فرد هو الديكتاتور الغامض أو سعيد كما أطلق عليه الكاتب فى الرواية.ولأن هذه النوعية من الهيمنة بوسائلها المختلفة أصبحت تتقاطع مع مانعيشه من سيطرة وسائل التواصل الحديثة وقدرتها على تتبعنا ومراقبة كل تحركاتنا وسكناتنا وحتى ميولنا وأهواءنا ومانفكر فيه أيضا، فسنجد الكاتب عماد الدومانى يعتمد كثيرا على استخدام التقنيات والبرامج والتطبيقات الحديثة التى تتيح للسلطة المهيمنة فى (المول) متابعة الجميع والتجسس عليهم، فنجده يشير إلى برنامج التجسس (بيجاسوس) مثلا مما يدل على عمق ثقافة الكاتب وسعة اطلاعه فنظام بيجاسوس هو نظام أصدرته إسرائيل وأحدث دويا آنذاك حين اكتشف العالم أنه يمكنه التجسس على شخصيات مهمة ورؤساء دول، بل اكتشفوا أن إسرائيل من خلاله تتجسس على الولايات المتحدة الأمريكية مثلا وألمانيا وإنجلترا وكانت فضيحة كبرى فى عام 2021 حتى أقامت بعض الدول دعاوى قضائية ضد إسرائيل، كما أشار الكاتب إلى أن البطل أمكنه التحايل عل تلك الأنظمة المتطورة عندما ركن إلى عقله وأولاه الثقة التى تناسب قدراته. ثم نجد الأحداث تدور فى جزيرة ولكنها ليست منعزلة عن العالم، حيث يشير الكاتب إلى مؤامرات خارجية تحرك قوى الشر داخل الجزيرة، ولاتفوتنا رمزية المول والاختيار الموفق لهذا المصطلح بما يوحى به من سطوة رأس المال والحداثة، وإن كان هذا المول له نحو خاص وشكل هرمى يمثل طبقات المجتمع شديدة التفاوت، والتى نلاحظ فيها تآكل الطبقة الوسطى أو انعدامها فليس لها وجود، أو إن كان لها وجود فهو وجود جامد او متجمد بفعل السلطة فى المول.وفى وصف الكاتب لهذا النظام جعله أقرب لكثير من الدول الحديثة التى تقر الرأسمالية ولكنها راسمالية محكم السيطرة عليها من قبل النظام( المولى) نسبة إلى المول.وهناك نقطة مهمة ، أشار إليها الكاتب وأحييه عليها، وهى مسألة استخدام مصنع الأدوية كرمز آخر للهيمنة، ليس فقط لأنه ينتج مواد التجميد، ولكن لأهمية الدواء فى التحكم فى مصائر الأمم والشعوب.أيضا نجد الكاتب إمعانا فى ربط الفكرة الخيالية بالواقع جعل الأبطال والشخصيات فى الرواية يعيشون حياة طبيعية تشبه حياتنا اليومية من حيث الأكل والشرب والعلاقات الاجتماعية والعائلة وما إلى ذلك، بينما ما مهد له الكاتب فى العنوان ومفتتح الرواية يشى بغير ذلك، ويتضح انه عمد إلى ذلك كى يشعر القارئ بالارتباط العضوى مع أحداث الرواية حيث يرى نفسه بين أحداثه وفى شخوصها .وصل الكاتب قبيل نهاية القصة إلى الحكمة التى عبر عنها بشكل مباشر وصريح، حين تحدث عن الثقة التى يجب أن ييوليها لعقله وعقله فقط دون الرجوع لأي شخص مهما كانت درجته فى السلطة أو درجة قرابته لل( البطل المنتظر)، حتى الإنسانة التى أحبها ظهر له تبعيتها للسلطة او كما يسميها (الهيئة)، ولذلك ترك النهاية مفتوحة للقارئ ليستند إلى عقله أيضا فى اكتشاف حقيقة القصة هل هو خيال او كابوس فى غيبوبة أم أنه واقع مر به بطل القصة.وهذه النهاية عالجت بذكاء كل اختلال فى الحبكة واجهه الكاتب خلال السرد.اسلوب الكاتب بسيط جدا خالى من أي صور بلاغية وكأن الكاتب لم يشأ أن يرهق القارئ بغموض آخر موازٍ لغموض الأحداث فاختار لغة مباشرة يسيرة، كما اختار الكاتب صيغة الراوى المباشر غير الموثوق به مستخدما ضمير الأنا وهى صيغة تناسب السرد الملغز والغموض المصاحب للأحداث، وعدم الثقة فى الآخرين التى صاحبت البطل حين وصل لذروة الاحداث .طبعا السرد يتميز بالتشويق والإثارة من أول صفحة فى الرواية حتى حين يجيرنا الكاتب معه فى تشابك الشخصيات التى تستتر كلها تحت أسماء وأشكال وهمية، فلا يتخلى عن عنصر التشويق والإثارة ليتبين لنا أننا أمام كاتب محترف يعلم تماما أن التشويق أهم عنصر جذب للقارئ بجانب ارتباط الأحداث بواقعنا من خلال الرمز، وهو أيضا عنصر جذب مهم جدا.فى النهاية ينبه الكاتب عل قيمة الحرية وإعمال العقل وعدم التوكل على سلطة أيا كان نوع هذه السلطة، أبوية أو أسرية أو عاطفية، فعقل الإنسان الحر هو البطل الحقيقي.