تحليل: الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
كان أهم ما لفت إنتباهى وأثار تحليلى كخبيرة مصرية فى الشأن السياسى الصينى، هو بحثى للعلاقة بين الصراع الدائر فى منطقة الشرق الأوسط وحرب غزة الأخيرة، ومدى تضرر الممر المائى الملاحى لقناة السويس المصرية وتزايد ضربات الحوثيين فى تلك المنطقة، على تزايد الأنشطة الصينية والروسية لخلق ممر بحرى بديل يمر عبر منطقة القطب الشمالى لربط المحيطين الأطلسى والهادىء وعبور البضائع الصينية والروسية من خلاله، وهو تحديداً نفس التحليل الذى وثقته مجلة “إنفوبريكس” الصينية، بإشارتها الصريحة إلى تزايد الإهتمام فى آسيا بممر الملاحة الشمالى، الذى يربط بين المحيطين الأطلسى والهادئ، فى ظل الصراع الدائر فى منطقة الشرق الأوسط.
مع تأكيد مجلة “إنفوبريكس” الصينية، فى تحليلها المنشور، بأن الإهتمام إزداد فى ظل المواجهة في الشرق الأوسط، والتى قد تؤدى إلى عرقلة طرق التجارة التقليدية للصين المؤدية إلى أوروبا، بينما تنخفص فترة الرحلة من آسيا إلى أوروبا بمقدار النصف إذا تمت عبر الممر الشمالى. وحللت المجلة الصينية كافة المشاكل التى إرتبطت بالملاحة عبر قناة السويس المصرية، والتى تسببت بخسائر فى الخدمات اللوجستية العالمية، فمثلاً أغلقت سفينة الحاويات “إيفر غيفن” ممر قناة السويس عام ٢٠٢١، ما كلف الصناعة حوالى ٩ مليارات دولار يوميا، وتأخرت ١٢% من البضائع والحاويات عن عمليات التسليم.
وهنا حللت مجلة “إنفوبريكس” الصينية، إلى أن توقف الشحن عبر منطقة الشرق الأوسط لعدة أشهر بسبب حرب غزة الأخيرة وتلك الإضطرابات فى منطقة الشرق الأوسط، سيكون له عواقب كبيرة، وفى ظل ذلك، فإن الصين ومعها روسيا والدول الآسيوية الأخرى مهتمة بتطوير ممر الملاحة الشمالي لضمان تدفق البضائع دون عوائق، كما هو الحال عليه فى منطقة الشرق الأوسط وقناة السويس المصرية وكافة الممرات والمضائق المائية والبحرية هناك، وتضرر عمليات النقل البحرى وتدفق السلع والبضائع الصينية إلى أوروبا والشرق الأوسط والعالم، بسبب تلك الإضطرابات الأخيرة فى منطقة الشرق الأوسط.
وعلى الجانب الآخر، فلقد قمت بتحليل العلاقة بين ما ذكرته مجلة “إنفوبريكس” الصينية، وتزايد الأنشطة الصينية والروسية فى منطقة القطب الشمالى لتطوير وخلق ممر ملاحى بديل لقناة السويس المصرية خاصةً بعد حرب غزة وتزايد إضطرابات الشرق الأوسط، وهذا الإتفاق الجماعى الأخير بين دول حلف الناتو العسكرى على إقامة شبكة أقمار صناعية، صنعت خصيصاً فى الأساس لمراقبة الأنشطة المتزايدة للصين وروسيا، وفقاً لتحليلهم، فى منطقة القطب الشمالى ومحاولتهم فى الصين وروسيا خلق ممر ملاحى بديل لقناة السويس المصرية، يضر بالمصالح الأمنية والعسكرية لدول حلف الناتو العسكرى، مع تزايد الموانىء والأنشطة الصينية والروسية على طول خطوط ومناطق تركز منطقة المحيط المتجمد الشمالى. وقام بالتوقيع على هذا الإتفاق بين دول حلف الناتو العسكرى لإنشاء شبكة تجسس فضائية بالأساس لمراقبة التواجد والنفوذ الصينى والروسى فى منطقة القطب الشمالى عدة دول، شملت: (هنغاريا وألمانيا والدنمارك، وأيسلندا وإيطاليا وكندا ولوكسمبورغ، وهولندا والنرويج والولايات المتحدة الأمريكية، وفنلندا وفرنسا والسويد)، الذين أشاروا بتضرر أمنهم القومى والعسكرى من التواجد الصينى والروسى فى منطقة المحيط المتجمد الشمالى أو القطب الشمالى.
كما توقفت كثيراً كخبيرة فى الشأن السياسى الصينى، عند تحليل منشور لمدير معهد العلاقات الدولية بجامعة الشعب الصينية البروفيسور “جين كانونغ”، بتأكيده على أنه: “إذا ما إتسع نطاق الصراع هناك فى غزة ومنطقة الشرق الأوسط، فسيشكل ذلك خطراً كبيراً على قناة السويس المصرية وممرها الملاحى الهام. لذلك، بالطبع، نأمل أن ينجح الصينيين قريباً فى خلق طريق وممر بحرى وملاحى بديل لقناة السويس المصرية يمر عبر بحر الشمال، للحفاظ على مصالح الصين ومبادرتها للحزام والطريق”.
مع الوضع فى الإعتبار، بأن ممر الملاحة الشمالى الذى تسعى إليه الصين ومعها روسيا، يمتد عبر الدائرة القطبية الشمالية ويربط المحيطين الأطلسى والهادئ، ويعد ممر القطب الشمالى البديل، بمثابة أقصر طريق مائى بين الجزء الأوروبى من روسيا والشرق الأقصى، ويقع بالكامل داخل المياه الإقليمية والمنطقة الإقتصادية الخاصة لروسيا، إلا أن دول حلف الناتو العسكرى تصارع روسيا فيه بالأساس التى دعت بدورها الصين للبحث والتنقيب وإنشاء الموانىء وعمل الأبحاث العلمية والإستكشافات حوله.
وهنا تخطط موسكو لإستخدام الممر الشمالى البديل لقناة السويس المصرية، لتصدير النفط والغاز، ومن المتوقع أن يصبح طريقاً تجارياً رئيسياً بين أوروبا وآسيا. وبعد حرب غزة مباشرةً وتحديداً فى شهر نوفمبر ٢٠٢٣، صرح نائب رئيس الوزراء الروسى “ألكسندر نوفاك”، بأنه سيكون بالإمكان إبحار السفن على مدار العام على طول ممر الملاحة الشمالى فى وقت قريب، خاصةً مع تزايد الإضطرابات فى منطقة الشرق الأوسط وحول قناة السويس.
وممر الملاحة الشمالى المشار إليه، يمتد عبر الدائرة القطبية الشمالية ويربط المحيطين الأطلسى والهادئ. وتعمل روسيا بخطى حثيثة على تطويره، حيث تواصل تصنيع عدد إضافى من (كاسحات الجليد) لمرافقة السفن التجارية، وستصبح روسيا الأولى عالمياً فى أسطولها الأكبر عالمياً من الكاسحات الخاصة بالجليد وإزالته والتى سترافق كل سفينة تجارية ستمر عبر القطب الشمالى لإزالة الجليد من أمامها وتحسين مستوى تقدمها ومسيرها. وتخطط موسكو لإستخدام الممر الشمالى، لتصدير النفط والغاز حول العالم، ومن المتوقع أن يصبح طريقاً تجارياً رئيسياً بين أوروبا وآسيا وفق التخطيط الصينى والروسى.
ولعل أكثر ما لفت إنتباهى فى هذا الشأن، هو ذلك الإتفاق الروسى الإماراتى على تأسيس شركة روسية – إماراتية مشتركة، لتطوير ممر الملاحة الشمالى، الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، بالتعاون والتنسيق سوياً بين شركة “روساتوم” الروسية وشركة “دى بى ورلد” الإماراتية
DP World
وبناءً على تلك التحركات الصينية والروسية للتحكم فى حركة التجارة والملاحة البحرية العالمية ومحاولتهما الإتفاق سوياً لعرقلة وتحجيم النفوذ البحرى الأمريكى والغربى وضرب مصالح كافة دول حلف شمال الأطلسى “الناتو” عسكرياً ولوجيستياً وأمنياً، عبر إنشاء الممر الشمالى البديل لحركة مرور الملاحة البحرية العالمية، جاء إتفاق عدة دول أعضاء في حلف الناتو العسكرى فى العاصمة البلجيكية بروكسل يوم الخميس الموافق ١٤ نوفمبر ٢٠٢٤، على إنشاء شبكة الإتصالات الفضائية، المعروفة بإسم “نورث لينك” فى منطقة القطب الشمالى، لمواجهة الأنشطة المتزايدة للصين وروسيا بالأساس، ولتوفير تغطية فضائية كاملة لمنطقة القطب الشمالى تتمتع بالتغطية الفضائية اللازمة للإتصالات والملاحة، وبالتالى لخدمة العمليات العسكرية الخاصة بحلف الناتو.
وهنا حددت دول حلف شمال الأطلسى “الناتو” بقيادة وتخطيط واشنطن مساراً لعسكرة منطقة القطب الشمالى وإعاقة الأنشطة الإقتصادية الروسية والصينية فى خطوط العرض الشمالية. مع تأكيد قائد القوات الجوية فى الحلف، الجنرال الأمريكى “جيمس هيكر”، أن “حلف الناتو العسكرى يخطط على المدى القصير لإنشاء مركز عمليات جوية مشترك فى منطقة القطب الشمالى لمواجهة روسيا والصين”.
وعلى الجانب الآخر، فقد تمت مناقشة الأنشطة المتزايدة للصين وروسيا فى منطقة القطب الشمالى كذلك خلال (المنتدى الأمنى فى مدينة هاليفاكس الكندية)، يوم السبت الموافق ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤، بحديث وزير الدفاع الكندى “ويليام بلير” أثناء حضوره المنتدى الأمنى، بالتأكيد على أن “الصين تستخدم طريقتين للعمل في منطقتنا حول القطب الشمالى، أولاهما الضغط الإقتصادى والإستثمارات فى البنية التحتية الحيوية فى المنطقة. والثانية ما يسمونه بالأبحاث العلمية”. وتابع رئيس الوزراء الكندى، بأنه: “نرى نمواً متزايداً للحضور الصينى فى منطقة القطب الشمالى، وهذا ليس فقط للأبحاث العلمية. فالصينيون يقومون برسم خرائط القاع البحرى ويجمعون المعلومات الإستخباراتية”.
مع توجه إتهام صريح لبكين من قبل حلف الناتو العسكرى وخلال حضور المنتدى الأمنى فى مدينة هاليفاكس الكندية، بجمع الصين للمعلومات الإستخباراتية فى منطقة المحيط المتجمد الشمالى. كما جاءت الإتهامات لدول حلف الناتو العسكرى للجانب الروسى كذلك مع الصين، فيما يتعلق بالإستثمارات الروسية فى منطقة القطب الشمالى، وبوجود (١٧ ميناء روسى على المحيط المتجمد الشمالى)، فيما لا تتواجد أى موانئ للعديد من دول حلف الناتو العسكرى فى منطقة القطب الشمالى. مع قرار الرئيس الروسى “فلاديمير بوتين”، بشأن إعتزام روسيا على مواصلة توسيع أسطولها البحرى فى القطب الشمالى، كمجال حيوى وحدودى خطير وحساس لدول حلف الناتو العسكرى الشديد التعامل والإنتقاد والخطورة بالنسبة للصينيين والروس. وفى شهر يونيو ٢٠٢٤، أشار وزير تنمية الشرق الأقصى والقطب الشمالي الروسى “أليكسى تشيكونكوف”، إلى أن روسيا والصين ستضمنان دائماً أمن القطب الشمالى وستتصديان لمحاولات عسكرة هذه المنطقة بقيادة واشنطن وحلفاؤها.
وهنا جاء الرد الروسى على تصعيد دول حلف الناتو العسكرى فى مواجهته فى منطقة القطب الشمالى، من خلال مساعد الرئيس الروسى “نيكولاى باتروشيف”، بتصريحه فى ٢ سبتمبر ٢٠٢٤، بشأن تصعيد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها للوضع على طول محيط حدود روسيا، ويجسون بإستمرار ويختبرون مدى قدراتها الدفاعية بإستمرار فى منطقة القطب الشمالى.
كما جاء تأكيد الرئيس الروسى “فلاديمير بوتين”، بشأن إعتزام روسيا مواصلة توسيع أسطولها في القطب الشمالي، وبناء (كاسحات جليد جديدة) ودفع المزيد من السفن القادرة على الإبحار عبر المحيط المتجمد الشمالى. وقال “بوتين” خلال كلمة ألقاها في حفل إطلاق بناء كاسحة الجليد النووية “لينينغراد”، إن سكان مناطق القطب الشمالى ينتظرون كاسحات الجليد القوية وغيرها من السفن القادرة على الإبحار فى القطب الشمالى. ومنح الرئيس الروسى، الضوء الأخضر لبناء كاسحة الجليد النووية “لينينغراد”، فى إطار خطة تهدف لتطوير ممر الملاحة الشمالى. وأفاد نائب رئيس الوزراء الروسى “ألكسندر نوفاك”، بأن شركات النفط الروسية تستخدم بشكل متزايد ممر الملاحة الشمالى لتصدير المواد الخام إلى آسيا. كما أكد مندوب مؤسسة “روسآتوم” الروسية لتنمية القطب الشمالى “فلاديمير بانوف” أن المؤسسة تتوقع تحقيق رقم قياسى عام ٢٠٢٤ فى حركة البضائع عبر طريق القطب الشمالى الذى تطوره روسيا للملاحة الدولية.
وبناءً على التحليل السابق والذى أدركت مدى خطورته وحساسيته كخبيرة فى الشأن السياسى الصينى، بالنسبة لقناة السويس المصرية ومحاولة خلق ممر ملاحى بديل لها يمر عبر ممر القطب الشمالى لربط المحيطين الأطلسى والهادىء، ومدى الصراع الدائر الآن بين روسيا والصين من جهة ودول حلف الناتو العسكرى من جهة أخرى عبر قرار حلف الناتو العسكرى بإنشاء شبكة تجسس أو أقمار صناعية لمراقبة التواجد والنفوذ الصينى والروسى فى منطقة القطب الشمالى لتأثيرها على الأمن القومى والعسكرى واللوجيستى والبحرى لدول حلف شمال الأطلسى “الناتو”. ومن هنا، فالرهان الآن على إستقرار منطقة الشرق الأوسط لمواصلة عمل قناة السويس المصرية ووقف أى أعمال بديلة أخرى تهدف لخلق ممرات مائية أو بحرية بديلة لقناة السويس المصرية، كأهم ممر ملاحى بحرى حول العالم لحركة البضائع والحاويات العالمية.