الشعب الصينى وتعزيز الطابع العاطفى للنشاط الدبلوماسى الصينى حول العالم

قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏ابتسام‏‏ و‏مجوهرات‏‏

تحليل: الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

تأخذ الدبلوماسية الصينية في أغلب الأحيان (طابعاً عاطفياً) ينسجم مع توقعات الشعب الصينى إزاء قيادته الشيوعية للحزب الشيوعى الحاكم فى الصين بقيادة أمينه العام الرفيق الأعلى “شى جين بينغ”، بتصدير صورة التفوق الدبلوماسى للصين فى مواجهة تقهقر وتراجع الدور الأمريكى دبلوماسياً، حيث لم تعد تلك الولايات المتحدة الأمريكية هى القوة الوحيدة التى لا يمكن الإستغناء عنها، إذ أن الصين أصبح لديها من القوة، ما يؤهلها للمشاركة في صنع نظام عالمي جديد.

وتلعب (دبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية) دوراً كبيراً فى المسيرة الجديدة للعصر الجديد، مع إعلان الصين إلتزامها بمبادئ الإنفتاح والشمول والعدالة والإنصاف والتعاون والكسب المشترك، وتحمل المسؤولية الدولية، وتعزيز الأمن والإستقرار، والتعاون لتحقيق التنمية والإزدهار، وحشد الجهود في إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، ومبدأ حوار جنوب – جنوب، لتعزيز لغة الحوار والتضامن والتعاون بين بلدان الجنوب العالمى بقيادة الصين.

ولتعزيز الدبلوماسية الشعبية للصين، جاء إفتتاح (مركز الدراسات لفكر شي جين بينغ بشأن الدبلوماسية) فى ٢٠ يوليو ٢٠٢٠، والذى يأتى تتويجاً لأفكار الرفيق “شى جين بينغ” بصفته الأمين العام للحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، ودعماً لخطوات نهضة الأمة الصينية وتجديد شباب الأمة الصينية، وذلك بعد الإعلان عنها منذ المؤتمر الوطنى الـ ١٨ للحزب الشيوعي الصيني، ودخول الإشتراكية ذات الخصائص الصينية إلى العصر الجديد بخطوات ثابتة، عبر تجديد شباب الأمة الصينية. لذا جاء قرار إنشاء مركز دراسات فكر الرئيس الصينى “شى جين بينغ” كخطوة لإدراج إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية وإقامة نوع جديد من العلاقات الدولية كمحور لفكر الرفيق “شي جين بينغ” بشأن الدبلوماسية في “النقاط الثماني التى تم التأكيد عليها” و”المبادئ الأربعة عشر التي يجب التمسك بها”، والتي يستند إليها فكر “شى جين بينغ” للإشتراكية ذات الخصائص الصينية فى العصر الجديد.

وهناك تلعب الدبلوماسية والقوة الناعمة للصين من خلال (جمعية الشعب الصينى للصداقة مع الدول الأجنبية) دوراً كبيراً للشعب الصينى ذاته لإفساح المجال كاملاً أمام دوره كقناة رئيسية للدبلوماسية الشعبية، وتعزيز الصداقة بين الصين وكافة بلدان العالم. وقد انتبهت جمهورية الصين الشعبية منذ تأسيسها عام ١٩٤٩، إلى أهمية البعد الشعبى فى علاقاتها الخارجية، فتأسست سنة ١٩٥٤ جمعية الشعب الصيني للصداقة مع الشعوب الأجنبية، وهى الجمعية التى إنبثقت عنها وأنشئت فى إطارها (جمعية الصداقة الصينية – العربية) فى شهر ديسمبر سنة ٢٠٠١.

وتلعب الدبلوماسية الشعبية للصين دوراً كبيراً فى إدارة علاقات الصين بالعالم، من خلال شبكة العلاقات الصينية التى تتجاوز الأنماط الرسمية، من خلال وجود جاليات صينية يتزايد عددها فى كل دول العالم، لدرجة وجود تجمعات وأحياء صينية شعبية بالكامل تحمل إسمها فى كافة بلدان العالم، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها وكافة بلدان أوروبا وأفريقيا وعدد من بلدان الشرق الأوسط، وهى تلك الجاليات الصينية الكبيرة، التى تحمل معها إلى مقاصدها ثقافة الصين وعاداتها وتقاليدها إلى جانب منتجاتها.

وهنا نجد بأن الشعب الصينى، هو الجمهور الأكثر أهمية للنشاط الدبلوماسي الصينى. كما أن كبر حجم النشاط الدبلوماسى الصينى حول العالم، يبعث برسالة إلى الشعب الصينى ذاته، مفادها أن الصين متمسكة بالحلول والعلاقات السلمية أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية. وأثارت خطوات الصين الدبلوماسية الأخيرة، وإعلانها عن رفع ميزانيتها العسكرية فى عام ٢٠٢٣ من أجل التطوير، تساؤلات عديدة، بشأن إمكانية أن تصبح الصين قطباً موازياً للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يصب فى صالح التوقعات العاطفية للشعب الصينى إزاء قيادته وحزبه الشيوعى الحاكم.

كما أن التناقض الواضح إزاء دبلوماسية الصين السلمية حيال العالم كله وحيال منطقة تايوان بالأخص كجزء من أراضيها، ومناوراتها العسكرية المستمرة حول الجزيرة التايوانية بشكل مستمر لإرسال رسالة مستمرة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، هو أحدث مثال على الوجهين اللذين تقدمهما الصين للعالم كله وللشعب الصينى على وجه الخصوص، بتقديم الصين نفسها كصانع سلام دولى مسالم من جهة، وكلب شرس يكشر عن أنيابه للدفاع عما تعتبرها بكين جزءاً من أراضيها من جهة أخرى، وهو ما يتناسب مع التوقعات العاطفية للشعب الصينى إزاء قيادته وحزبه الشيوعى الحاكم.

وعلى الجانب الآخر، فقد بدأت الصين إيجاد البدائل التي تحل مكان الدبلوماسي المثير للجدل “تشاو ليجيان” ونظرية “الذئب المحارب”، عبر الترويج الصينى لشخصيات أكثر إعتدالاً فى ملف السياسة الخارجية الصينية، مثل وزير الخارجية الصينى “وانغ يى”، على الرغم من أن الرئيس الصينى “شي جين بينغ”، قد إستمر في تشجيع مبعوثيه الدبلوماسيين على إظهار الروح القتالية في الخطابات الدبلوماسية دفاعاً عن وجهة نظر الصين حيال قضاياها العادلة تجاه مسألة تايوان وحقوق الإنسان وسيادة القانون ورفض التدخل الأمريكى والغربى فى الشئون الداخلية للصين.

وتراهن الصين على عدد من الوجوه الدبلوماسية المعتدلة، للترويج للصين كصانع قرار سياسى عالمى، لخدمة عدد من الأهداف السياسية الداخلية للحزب الشيوعى الصينى وقيادته للرفيق “شى جين بينغ”، عبر الدعوة إلى “تجديد شباب الأمة الصينية”، وهو مفهوم قومي راسخ يسعى إلى إستعادة الصين مكانتها المركزية فى العالم. مع توضيح رؤية الرئيس الصينى “شي جين بينغ”، بأن رؤيته لمستقبل الحلم الصينى، بدأت عند توليه السلطة لأول مرة فى نهاية عام ٢٠١٢ وبداية عام ٢٠١٣، وهو ما يعكس ثقة القيادة الصينية الحالية للرئيس “شى جين بينغ” فى مسارها ونهجها نحو التحديث.

في الوقت نفسه، كشفت الصين النقاب عن مقترحات مختلفة لمبادرات الأمن العالمى والتنمية والتحديث والحضارة العالمية، وذلك فى إشارة واضحة من قبل الصين، إلى أنها تتودد إلى دول “الجنوب العالمى” لربطها جميعاً بمبادرة “الحزام والطريق” الصينية من أجل ربط الصين بالعالم، عن طريق ضخ المليارات فى الدول النامية، وهو ما يطمح إليه الشعب الصينى جميعاً عاطفياً لربطه بالعالم.

وكخبيرة فى الشأن السياسى الصينى وسياسات الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، وعند تحليلى للكلمة التي ألقاها الرئيس الصينى “شي جين بينغ” خلال المنتدى الإقتصادى العالمى ٢٠٢٤، أشار الرئيس الصينى “شى”، إلى التوجهات الدبلوماسية لبلاده، قائلا: “ينبغي أن نسير مع إتجاه التاريخ، ونعمل على بناء نظام دولي مستقر، ونؤيد القيم المشتركة للإنسانية ونبني مجتمعاً يكون فيه مستقبل مشترك للجنس البشرى، ينبغي أن نفضل الحوار على المواجهة، والإشراك والتضمين على الإستبعاد، وأن نقف في وجه كل أشكال الأحادية والحمائية الإقتصادية والهيمنة وسياسة القوة”.

وهنا تخاطب الدبلوماسية الصينية فى ظل قيادة الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ” الشعب الصينى ذاته، من خلال التأكيد على تفضيل بكين للحلول السلمية على الصراعات. كما تظهر دعاية الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين وقنواته الرسمية عبر وسائل الإعلام الصينية الرسمية وصحافته الموجهة للشعب الصينى ذاته، بأن حجر زاوية الخطاب الدبلوماسى الصينى في الكثير من أنحاء العالم، هو إعتبار الصين نفسها شريكاً لأغلب بلدان الجنوب العالمى، ليس لها تاريخ من الإستعمار والإستغلال، بعكس الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان التى تدخل ضمن توصيف الغرب.

ونجد أنه وفق تقرير مؤشر الدبلوماسية العالمية لعام ٢٠٢٤، الصادر عن (معهد لوى)

Lowy

وهو مؤسسة بحثية مستقلة فى مدينة سيدنى بإستراليا، فجاء تأكيد مؤشر الدبلوماسية العالمية وفقاً للتقرير، للإشارة إلى تفوق الصين دبلوماسياً على الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب التقرير، فى أفريقيا والشرق الأوسط ومنطقة جزر الباسيفيك وآسيا الوسطى، فى حين إحتفظت الولايات المتحدة الأمريكية بصدارة التفوق الدبلوماسى فى مواجهة الصين فى أوروبا وأمريكا الشمالية والوسطى وجنوب آسيا، وتعادلت الدولتان فى الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية.

ويعتمد مؤشر الدبلوماسية العالمية فى تصنيفه للقوة الدبلوماسية لنحو ٦٦ دولة حول العالم، على عدد وحجم البعثات الدبلوماسية لكل منها فى مختلف أنحاء العالم، بالتركيز على مناطق التفوق الدبلوماسى بالنسبة لبكين وواشنطن، بإعتبارهما القوتين الدبلوماسيتين الأكبر فى العالم.

وهنا تحاول بكين إظهار نفسها كصانع للسلام العالمى بما يتوافق مع رغبات شعبها، وعمل دعاية للخطوات الدبلوماسية للصين بين أفراد شعبها فى الداخل، كالتركيز على مقترحات الرئيس الصينى “شى جين بينغ” الـ ١٢، لإنهاء الأزمة الروسية الأوكرانية، وإرساله لمبعوث صينى رفيع المستوى إلى أوروبا لتقديم الرؤى السياسية لحل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا. فضلاً عن توسط الصين لحل الأزمة بين السعودية وإيران، كأحد أكبر الخطوات الدبلوماسية الصينية نجاحاً فى الشرق الأوسط، بالإضافة إلى إستضافة الصين لممثلين عن الفصائل الفلسطينية لحركتى حماس وفتح فى العاصمة الصينية بكين لتوحيد صفوف المقاومة الفلسطينية، مع توسط الصين لحل الأزمة الراهنة فى غزة عبر تقديم العديد من الإقتراحات بشكل مستمر بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى للتوسط لوقف إطلاق النار فوراً فى قطاع غزة وإحراز تقدم بشأن تبادل الرهائن والأسرى بين الطرفين. مع الدعوة الصينية المستمرة إلى إحلال السلام عبر التفاوض والمبادرة إلى تحمل المسؤولية الدولية. مع تأكيد الصين إلتزامها بموقف موضوعى وعادل من القضية الفلسطينية، لإستعادة الشعب الفلسطينى حقوقه الوطنية المشروعة. ونجد أنه بعد التصعيد الأخير للصراع الفلسطينى الإسرائيلى بعد حرب غزة الأخيرة فى أكتوبر ٢٠٢٣، حضر الرئيس الصينى “شى جين بينغ” القمة الإستثنائية الإفتراضية لقادة البريكس بشأن القضية الفلسطينية، وألقى كلمة مهمة فيها، مؤكداً على ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار بين كافة أطراف الصراع. وبناءً عليه نفهم، طبيعة اللغة العاطفية فى الخطاب الدبلوماسى للصين بين أبناء شعبها وحول العالم للتأكيد على دور الصين كقوة عظمى صانعة للسلام حول العالم، وفقاً للدبلوماسية الصينية فى العصر الجديد بقيادة الرفيق “شى جين بينغ” والمركز الجديد الذى يؤسس لفكره على النحو المشار إليه.

الغردقه - شارع الشيراتون القديم بجوار فندق روما علي البحر - تليفون  0653447115  موبايل  - 01020238453

عن 1

شاهد أيضاً

السعودية تشهد عودة بطولة “ريد بُل كار بارك درِفت” مع ريد بُل موبايل

الرياض، زبيدة حمادنة تعود “ريد بُل كار بارك درِفت”، البطولة الأقرب إلى قلوب عشاق رياضة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *