يارا المصري
في مشهد يعكس قسوة الحياة في القدس المحتلة، أُجبرت عائلات فلسطينية في سلوان، صور باهر، وجبل المكبر على هدم منازلها بأيديها، بعد تلقيها إخطارات من بلدية الاحتلال الإسرائيلي بحجة البناء دون ترخيص. هذه المأساة الإنسانية أصبحت مشهداً مألوفاً في المدينة، لكنها لا تفقد صدمتها وتأثيرها العاطفي.
تأتي قرارات الهدم الذاتي لتجنب غرامات باهظة تفرضها سلطات الاحتلال حال تنفيذها عمليات الهدم بنفسها، وهي سياسة باتت تستخدم كسلاح اقتصادي ونفسي ضد الفلسطينيين. فعلى سبيل المثال، أجبر المقدسي جلال محمد الأطرش من صور باهر على هدم جزء من منزله بمساحة 65 مترًا مربعًا، والذي بناه لتوسيع منزله الذي يضيق به وعائلته المكونة من خمسة أفراد. بالإضافة إلى خسارته لمسكنه، تكبد الأطرش غرامة مالية بلغت 10 آلاف شيكل.
قصص الألم: العائلات بين التشريد والحصار
في سلوان، اضطر محمود عقيل إلى هدم منزله الذي تبلغ مساحته 60 متراً مربعاً، حيث كان يأوي زوجته وطفليه. وأشار إلى أنه حاول الامتثال لشروط البناء، لكنها كانت تعجيزية، مما جعل منزله هدفاً لسياسات الهدم.
في جبل المكبر، أُجبرت عائلة هاني شقير على هدم بناء إضافي مكون من طابق ثانٍ، أضافوه على منزلهم البسيط الذي لا يتسع لعائلة مكونة من ثمانية أفراد.
سياسة ممنهجة لاقتلاع السكان
الهدم الذاتي ليس مجرد إجراء عقابي؛ إنه جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من القدس المحتلة. تعمد سلطات الاحتلال إلى فرض قيود صارمة على إصدار تراخيص البناء، ما يجعل البناء دون ترخيص الخيار الوحيد أمام العديد من العائلات الفلسطينية التي تواجه تزايداً سكانياً وضيقاً في المساحات.
الأثر النفسي والاجتماعي
هذه السياسات لا تقتصر على الخسائر المادية فقط؛ بل تترك أثراً نفسياً عميقاً على العائلات، خاصة الأطفال الذين يشهدون هدم منازلهم وتحطيم أحلامهم. كما تعزز الشعور بالاستهداف والاضطهاد لدى المقدسيين، وتضعهم أمام خيار الهدم الذاتي كأخف الأضرار.
صمود رغم الألم
رغم هذه المآسي، يواصل المقدسيون العيش والصمود في مدينتهم، متمسكين بحقهم التاريخي والإنساني فيها. وفي مواجهة سياسة الهدم، يُظهر الفلسطينيون إرادة لا تنكسر، تعكس رفضهم لسياسات الاحتلال ومحاولاته المستمرة لتغيير الطابع الديموغرافي للقدس.
الهدم الذاتي ليس مجرد قصة منازل تتحول إلى ركام؛ إنه صورة مصغرة لنضال الفلسطينيين في القدس ضد سياسات الاحتلال، التي تسعى إلى محو وجودهم. ومع كل حجر يهدم، تظل روح الصمود هي الأساس الذي تبنى عليه القدس من جديد.