تقرير : يارا المصري
يعرف دونالد ترامب، الرئيس السابق للولايات المتحدة، بأسلوبه المباشر وغير المتردد في التواصل. مع تصريحاته الحادة وتهديداته الواضحة، يركز ترامب الآن جهوده على حماس، محذرًا إياها من عواقب وخيمة إذا لم تفرج عن الأسرى المحتجزين لديها. وفقًا لترامب، تقف حماس أمام مفترق طرق حاسم: إما اختيار طريق المصالحة والإفراج عن الأسرى، أو مواجهة ما وصفه بـ”الجحيم في الشرق الأوسط”.
في الساحة الدبلوماسية، تجد قطر نفسها في قلب الضغوط. من ناحية، تعتبر الدولة الصغيرة والغنية واحدة من أكبر الداعمين لحماس، سواء اقتصاديًا أو دبلوماسيًا. ومن ناحية أخرى، تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة، مما يجعلها عرضة للخطر بشكل خاص. يعتمد الاقتصاد القطري على تصدير النفط والغاز الطبيعي، اللذين يمثلان العمود الفقري لميزانيتها الوطنية وعلاقاتها الدولية. ومع ذلك، فإن هذه الموارد بحاجة إلى أسواق تصدير، حيث يلعب السوق الأمريكي والغربي دورًا رئيسيًا.
على مر السنوات، نجحت قطر في وضع نفسها كوسيط مهم في الساحة الدولية، مع انخراط نشط في النزاعات الإقليمية والدولية. لكن تهديد ترامب قد يغير ميزان القوى. إذا اختارت الولايات المتحدة تنفيذ تهديداتها، فقد تعاني قطر ليس فقط من عزلة دبلوماسية بل أيضًا من أضرار اقتصادية كبيرة.
على سبيل المثال، القيود المفروضة على التجارة القطرية قد تؤدي إلى انخفاض حاد في أرباحها من النفط والغاز، مما قد يضر بمكانتها كاقتصاد رائد في الخليج. علاوة على ذلك، تعتمد قطر على الولايات المتحدة أيضًا في الجوانب الأمنية: القاعدة العسكرية الأمريكية الأكبر في الشرق الأوسط تقع في قطر، وهذه الشراكة ضرورية لاستقرارها السياسي والأمني في المنطقة. أي تدهور في العلاقات مع واشنطن قد يفتح الباب أمام تهديدات من دول مجاورة، مثل السعودية والإمارات، اللتين تنظران إلى قطر كمنافس سياسي واقتصادي.
في الوقت نفسه، تواصل حماس التمسك بمواقفها المتصلبة في المفاوضات. ووفقًا لمصادر مطلعة على المحادثات، تحاول القيادة في غزة تغيير بنود معينة وإيجاد بدائل تناسبها، لكن هذه المحاولات تواجه رفضًا شديدًا من إسرائيل وإنذارات صارمة من ترامب. وكلما أصرت حماس على مواقفها، زاد الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على قطر، الحليف الرئيسي للحركة.
الضغط الأمريكي لا يؤثر فقط على قطر، بل يمتد أيضًا إلى الموارد الاقتصادية لحماس. الدعم المالي الذي تقدمه قطر للحركة قد يتضرر، مما يدفع حماس إلى زاوية اقتصادية أكثر صعوبة. وبينما تسعى حماس لتحقيق شروط أفضل في الصفقة، قد تجد نفسها مضطرة للتنازل عن أكثر مما كانت تخطط له بسبب الظروف السياسية المتغيرة.
التوتر المتزايد بين جميع الأطراف في الساحة – حماس، قطر، والولايات المتحدة – يضع الشرق الأوسط أمام خطر حقيقي للتصعيد الإقليمي. كلما أصرت حماس، زاد الضغط الاقتصادي والدبلوماسي الذي تمارسه واشنطن على قطر. إذا اضطرت قطر للرد بضغوطها الخاصة على حماس، فقد يتدهور الوضع إلى صراع سياسي واقتصادي أكثر حدة.
علاوة على ذلك، قد تكون العواقب السياسية بعيدة المدى. إذا استسلمت قطر للضغوط الأمريكية، فقد يؤدي ذلك إلى تعميق الفجوة بينها وبين حلفائها الإقليميين. ومن ناحية أخرى، إذا اختارت الاستمرار في دعم حماس ورفضت مطالب ترامب، فإنها تخاطر بإلحاق أضرار جسيمة بمكانتها الدولية.
المفاوضات الحالية ليست فقط صراعًا على الأسرى، بل تعكس أيضًا صراعات قوى أوسع بين القوى الإقليمية والعالمية. ترامب، قطر، وحماس، لكل منهم مصالحه وضغوطه الخاصة، يؤثرون بشكل مباشر على مستقبل سكان غزة وعلى استقرار الشرق الأوسط بأكمله.
الوقت ينفد، والضغط يتزايد. هل ستتمكن قطر من المناورة بين دعمها لحماس ومتطلبات الولايات المتحدة؟ هل ستوافق حماس على التنازل عن مواقفها الصارمة لصالح الاتفاق؟ أي قرار سيتم اتخاذه في الأيام المقبلة قد يحدد مصير المنطقة بأكملها – للأفضل أو للأسوأ.